|
الإغاثة الطبية انطلقت بخدماتها من الريف قبل ثلاثة عقود وتميزت في الاجتياحات الإسرائيلية المتكررة
نشر بتاريخ: 17/01/2008 ( آخر تحديث: 17/01/2008 الساعة: 12:27 )
نابلس- معا- في الرابع من نيسان عام 2002 كانت مدينة نابلس تهتز على وقع هدير جنازير الدبابات الإسرائيلية وتئن تحت وطأة الاجتياح الكبير الذي سمي بعملية "السور الواقي"، وفي مقابل ذلك كان هناك جيش من المتطوعين من مختلف المؤسسات الطبية الفلسطينية كان من أبرزهم متطوعو الإغاثة الطبية الفلسطينية الذين كانوا قد أتموا استعداداتهم لمواجهة الاختبار الصعب والتحدي الكبير الذي ينتظرهم، وقد نجحوا في هذا الاختبار بجدارة وساهموا في تخفيف ولو جزء بسيط من معاناة أبناء مدينتهم.
وما كان لمتطوعي الإغاثة الطبية أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من حسن تدريب وكفاءة عالية، لولا جهود مضنية بذلت على مدار قرابة الثلاثة عقود لتثمر جيشا جرارا من المتطوعين الذين لا يقدر جهدهم بثمن. الإغاثة الطبية هي إحدى المؤسسات الأهلية التي تأسست عام 1979 وكان سبب تأسيسها الخلل الكبير في الخدمات الطبية المقدمة من القطاع الصحي الذي كان يديره ضابط الإدارة المدنية الإسرائيلية آنذاك، كما يقول الدكتور غسان حمدان مدير الإغاثة الطبية في محافظة نابلس. من نوعيه الخدمة المقدمة خاصة في المناطق الريفية لإدراكه التام بأهمية الريف الفلسطيني وما يشكل من عمق استراتيجي جغرافي وبشري للقضية الفلسطينية واعتقد الاحتلال أن بذلك يمكن له تحقيق سياسة الترانسفير وإرغام الفلسطينيين البحث عن بلد أخر تتوفر فيه حياة أفضل ورعاية صحية أحسن. وجاء تأسيس الإغاثة الطبية الفلسطينية لتلبية احتياجات المواطنين في المناطق الريفية بشكل خاص، ومن اجل تحسين البنية التحتية البديلة عن خدمات الاحتلال. ونستذكربدايات عمل الإغاثة الطبية والتي كانت على شكل زيارة للمناطق الريفية وتنظيم أيام طبية هناك، إلى إن تمت تأسيسها بمفهوم بناء نماذج فلسطينية للعمل الصحي، وبني أول مركز صحي للإغاثة الطبية عام1984 في أكثر المناطق احتياجا للخدمات الطبية وخاصة المناطق الريفية النائية كالأغوار والجفتلك والعوجا وطوباس والمغير. الصحة الشاملة وتؤكد الإغاثة الطبية على المفهوم الشمولي في الصحة ونحن"عندنا قناعة بان الصحة شيء شمولي، فهناك صحة ذهنية وصحة جسدية، ومسؤوليتنا أن نخفف الضغط النفسي عن المواطن، ونعمل على ربط حركتنا بالمفهوم الصحي الواسع وليس العلاج فقط". وقامت فكرة الإغاثة الطبية منذ يومها الأول على إشراك الناس في تنظيم وتحسين واقعهم الصحي لان هذا الدور ليس منوطا فقط بالأطباء، وذلك من خلال محاولة التأثير على البيئة والثقافة الصحية،والدفاع عن حقوق الناس الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وعطفا على ما سبق كان لجهود الإغاثة الطبية دور في تعزيز صمود الناس في وطنهم وبناء نموذج ايجابي ونوعي. برامج متنوعة تدير الإغاثة الطبية العديد من البرامج التي تصب في مجملها في تحسين الواقع الطبي والصحي للمواطنين، ومن بين هذه البرامج: برنامج الصحة المدرسية، برنامج صحة المرأة، برنامج الصحة النفسية والتثقيف الصحي، برنامج الإسعاف والطوارئ، برنامج الأمراض المزمنة والأمراض النفسية والأمراض الجلدية والصحة السنية ورعاية الطفل والصحة البيئية والتدريب المجتمعي للشباب. ويعتبر برنامج الأمراض المزمنة والنفسية من احدث واهم البرامج التي تعمل عليها الإغاثة الطبية حاليا، فالواقع السياسي الراهن تسبب بمشاكل وأمراض مزمنة ونفسية عديدة، ويقول د. حمدان أن نسبة انتشار للأمراض المزمنة في فلسطين هي الأعلى عالميا فما نسبته 25-30% من الفلسطينيين مصابين بأمراض مزمنة كالضغط وأمراض القلب والسكري. وقد أنشأت الإغاثة الطبية برنامج لعلاج الأمراض المزمنة وأسست مركز للرعاية الصحية في منطقة شمال غرب نابلس والتي تضم 11 قرية محاصرة بالحواجز منعت عن المواطنين وحرمتهم من الخدمات الطبية. مشاكل وعقبات مؤسسة كبرى كمؤسسة الإغاثة الطبية لا يخلو طريقها من المشاكل والعقبات الكبيرة التي لولا وجودها لما أحس القائمون على المؤسسة بنشوة النجاح. وتتمثل المشكلة الأولى التي تواجه الإغاثة الطبية، بمشكلة التمويل، فالحصار المفروض على الشعب الفلسطيني عانت منه المؤسسات الطبية إلى حد كبير، حيث تجد الإغاثة الطبية صعوبة في تمويل شراء سيارات الإسعاف وتجهيزها وبرامج أخرى. ويقول د. حمدان انه وللتغلب على هذه المشكلة عملنا على تقنين المصروفات وتوفير مساعدات محلية، وهناك الجهد التطوعي الذي لو قدرت قيمته المادية فإنه يساوي الملايين. أما المشكلة الثانية فتتمثل بالانتهاكات الإسرائيلية للطوا قم الطبية، وهناك عدد كبير من المتطوعين والمسعفين أصيبوا بجراح وبإعاقات دائمة، كما أن هناك سيارات إسعاف تضررت وخرجت من الخدمة. الاجتياح الأخير لنابلس ورغم الاستعداد الدائم على مدار الساعة، إلا أن الاجتياح الأخير شكل مفاجأة للطوا قم الطبية العاملة ومنها الإغاثة الطبية، ويقول د. حمدان: "تفاجأنا كثيرا بهذا الاجتياح رغم أن الجيش الإسرائيلي يجتاح نابلس كل ليلة ولكن لم نكن نتوقع أن يستمر الاجتياح ثلاثة أيام". ويضيف: "تعاملت إسرائيل في هذا الاجتياح بوحشية اكبر، وهذا الاجتياح يشابه الاجتياح الأول عام 2002، فقد تم محاصرة المستشفيات وأدركنا منذ اللحظة الأولى أن هناك نية مبيتة لدى الجيش لاستهداف وعرقلة عمل الطواقم الطبية، وخاصة بعد أن تعمدت سيارة جيب صدم السيارة الطبية التي كنت فيها رغم وجود إشارات عليها تدل على أنها سيارة طبية". وقد تم إطلاق النار على سيارة إسعاف تابعة للإغاثة وأصابت الزجاج الأمامي، كما أن هناك سيارة إسعاف للهلال الأحمر ألقيت داخلها قنبلة غازية، وتم اعتقال ضابط الإسعاف في الإغاثة الطبية طاهر الكوسا الذي ما زال معتقلا حتى الآن، وكذلك ضابط إسعاف الرعاية الصحية الذي أفرج عنه بعد يوم من اعتقاله. "دورنا ممزوج بصعوبات ومعيقات كبيرة ومخاطر لن تثنينا عن أداء واجبنا"، يقول د. حمدان. ونجم عن الاجتياح نقص في المواد الأساسية كالخبز والأدوية، وتزامن الاجتياح مع فترة الأمراض الشتوية مما أدى إلى تفاقمها وعدم قدرة المرضى على الوصول إلى المراكز الطبية للعلاج. وعن طريقة عمل طواقم الإغاثة الطبية والمؤسسات الأخرى يؤكد د. حمدان: "عملنا عدة فرق توزعت على مختلف المناطق، وفتحنا مستشفى ميداني في ديوان آل الداري في البلدة القديمة وزودناه بالأدوية والمستلزمات، جهزنا سيارة إسعاف كعيادة متنقلة لتقديم الخدمة لمن يحتاجها، وتركز كل عملنا في المناطق التي تواجد فيها الجيش واستطعنا الوصول إلى غالبية البيوت المحاصرة لتوصيل الحاجات الأساسية إليها". ويشير د. حمدان إلى انه خلال الاجتياح وقع عدد كبير من الإصابات، بينها 44 إصابة بالرصاص الحي والمطاطي، و33 إصابة طفيفة ما بين رصاص مطاطي واختناق بالغاز عولجت ميدانيا، ويعتبر أن الاجتياح الأخير شكل تحديا كبيرا للإغاثة الطبية والمؤسسات الصحية في توفير الخدمات الطبية وتوفير احتياجات الناس من المواد الأساسية، فاللغة الوحيدة التي تحدث بها الجيش الإسرائيلي مع الطواقم الطبية كانت لغة الرصاص المطاطي وقنابل الصوت، كما يقول د. حمدان، وقد قامت طواقم الإغاثة بإيصال الدواء ونقل المرضى وحالات الولادة والأطفال من البلدة القديمة إلى المراكز الصحية، وتقديم العلاج للمرضى منهم. ويؤكد د. حمدان على أهمية التنسيق والتعاون الميداني الذي يجري بين المؤسسات العاملة في المجال الطبي، وكذلك التعاون مع المستشفيات لتوزيع الجرحى على كافة المستشفيات وعدم تكدسها في مستشفى واحد. ويثمن د. حمدان روح التعاون والتكافل والذي تجلى بأبهى صوره من خلال تقديم التبرعات لدعم المحاصرين، ويقول: "وجدنا تعاونا من الأهالي تجلى في تقديم الدعم لأهالي البلدة القديمة، وقد تبرعت الشركة المتحدة للباطون لشراء خبز وحليب أطفال للبلدة القديمة"، ويضيف: "وهذه ظاهرة صحية نتمنى أن تستمر وتشكل بديلا عن سياسة الابتزاز التي تمارسها الجهات الخارجية، ويفترض أن يكون هناك تعاون من المؤسسات المحلية لإغاثة المواطنين"، ولا ينسى الدور الهام الذي كان لمحافظ نابلس في دعم كل هزة الجهود. ووجه د. حمدان رسالة للمؤسسات بضرورة وضع خطة استراتيجية جماعية لنابلس لا يكون فيها مكان للنزعات العصبية، أما رسالته إلى المواطن فهي ضرورة التعاون والتفاهم لحمل هذا الهم المشترك وعمل تنمية، وضرورة البعد عن الذاتية والأنانية. |