وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

"إبداع من أجل التطبيع"

نشر بتاريخ: 08/08/2017 ( آخر تحديث: 08/08/2017 الساعة: 10:41 )
"إبداع من أجل التطبيع"
الكاتب: حيدر عيد
مرة أخرى تبرز قضية التطبيع الفج من خلال منظمة أمريكية تدعي العمل على إبراز وجودها كمؤسسة تسعى "للسلام" و تطلق على نفسها اسم "الإبداع من أجل السلام" حيث تستهدف الجيل الشاب مما تسميه "طرفي النزاع،" و تعمل بين أوساط الشابات في قطاع غزة و الضفة الغربية و مناطق ال48, و تقوم بالجمع بينهن و بين شابات إسرائيليات كل عام في مخيم صيفي. و الهدف من ذلك هو "خلق قيادات شابة من النساء تعمل من أجل السلام في مجتمعاتها." و تضيف على صفحتها أن هدفها هو ان تصبح الفتيات في المستقبل "شريكات في القيادة يعملن على تحويل الغضب و الحقد إلى احترام متبادل و تفاهم للوصول إلى السلام المنشود!"
و في طلب الترشح للمخيم الصيفي الذي أقيم في سانتا فيي، نيو مكسيكو، هذا العام من 13 يوليو حتى 3 أغسطس, أعلنت المنظمة أن هدف المخيم هو "إتاحة الفرصة للفتيات الفلسطينيّات والإسرائيليّات للتّغلب على أفكارهنّ المسبقة، اتاحة الفرصة للإبداع والتواصل بحرية وإقامة علاقات طويلة الأمد مع أناس من الطرف الآخر، الذين شكّلوا مصدر خوف في السابق أو لم يفهموهم بشكل صحيح." كل ذلك على أمل أن تعود كل مشاركة إلى بيتها مع "فهم جديد للواقع ومهارات قياديّة لتعزيز التعايش السلمي في مجتمعها." ثم تعلن المنظمة أن المخيم ليس نهاية المطاف حيث أنه يتم بعد المخيم "تواصل جميع الفتيات في برنامج تدريبي “Young Leaders” لمدة عامين من أجل تعميق مهارات التواصل والقيادة من خلال التعلم والممارسة. وتشمل السنة الأولى أربع ندوات نهاية الأسبوع في إسرائيل. وتشمل السنة الثانية برنامج على شبكة الإنترنت وندوتين عطلة نهاية الأسبوع في إسرائيل." و الفئة المستهدفة هي الشابات بين 15-17 سنة. و أحد شروط القبول هو "الالتزام بمبدأ السلام" دون أن يتم اشتراط ارتباطه بالعدالة! و من الطبيعي في هذا الحالة, كون الفتيات صغيرات في السن و لا يمكن تعريضهن للمساءلة الوطنية، إلا أن السؤال يوجه في هذه الحالة لأولياء الأمور كون موافقتهم/ن تشكل أحد الشروط التي يجب تلبيتها للحصول على القبول.
من الواضح أننا بصدد التعامل مع منظمة تطبيعية بامتياز بناء على إنكارها الواقع القهري والعنصري لدولة اسرائيل ضد مكونات الشعب الفلسطيني في الضفة و القطاع, فلسطين 48, و الشتات. و عليه فإن محاولات هذه المنظمة الجمع بين شابات فلسطينيات و إسرائيليات في فعاليات مشتركة في مخيم صيفي في الولايات المتحدة، بعيًاُ عن الحواجز العنصرية و الحصار الإبادي و المستوطنات اليهودية، دون التطرق للحقوق الفلسطينية الأساسية المكفولة في إطار القانون الدولي و التي هي نقيض ليس فقط الإحتلال العسكري للضفة و غزة, بل أيضاً الطبيعة العنصرية لدولة اسرائيل و سياسة التطهير العرقي الممنهج الذي صاحب نشأتهاإنما تتناقض كلها مع الحد الأدنى لتطلعات الشعب الفلسطيني. والسؤال هنا: هل تبادل المعلومات و الأراء بين المشاركات يتطرق لأنجع وسائل مقاومة الاضطهاد المركب الذي تمارسه إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني برجاله و نسائه؟
من الواضح أن هدف هذه المنظمة هو تطبيع الأبارتهيد و التطهير العرقي الذي كان النتيجة الحتمية للنكبة الفلسطينية عام 1948 و ذلك من خلال عدم التطرق إليهما بالمطلق. و لكن رؤية منظمة "إبداع من أجل السلام" لا تقوم بالتطرق لمقاييس القانون الدولي الذي يشترط عودة اللاجئين و إدانة نظام الأبارتهيد على أساس أنه جريمة ضد الإنسانية, كما فعل تقرير منظمة الإسكوا الذي أثبت بالدليل القاطع أن إسرائيل تمارس سياسة الأبارثهيد ضد كل مكونات الشعب الفلسطيني. على العكس من ذلك, فإن رؤية المنظمة تساوي بين الضحية و الجلاد الذين ما عليهما إلا العمل "بحب و صداقة و جرأة" في "المجتمعين المتناحرين" وصولا "للسلام المنشود!"
و من المفيد في هذا السياق التذكير، مرة أخرى، بالتعريف الفلسطيني لمفهوم التطبيع، كما جاء في بيانات اللجنة الوطنية للمقاطعة و الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية و الثقافية لإسرائيل:
التطبيع هو المشاركة في أي مشروع أو مبادرة أو نشاط, محلي أو دولي, مصمم خصيصاً, للجمع (سواء بشكل مباشر أو غير مباشر) بين فلسطينيين/ات (أو عرب) و إسرائيليين, أفراداً كانوا أم مؤسسات, و لا يستوفي الشرطين التاليين:
أ-أن يعترف الطرف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني بموجب القانون الدولي،
ب- أن يشكل النشاط شكلاً من أشكال النضال المشترك ضد نظام الاحتلال و الأبارثهيد و الاستعمار الاستيطاني
إن الأهداف المعلنة لهذه المنظمة لاترى مطلقاً أن العلاقة بين من تسميهم "الطرفين" غير متكافئة، و أن اسرائيل هي دولة استعمار استيطاني لا تختلف عن نظام الأبارتهيد العنصري. بل أن الإضطهاد الصهيوني مركب و متعدد الأوجه ليس فقط ضد سكان الضفة و غزة, بل أيضاً ضد مواطني اسرائيل من أصل فلسطيني, إلا إذا كانت المنظمة لا تعتبر أن السكان السود في جنوب أفريقيا, و في الجنوب الأمريكي يجب معاملتهم كمواطنين متساوين في الحقوق و الواجبات مع السكان البيض من أصل استعماري!
هل هذه المنظمة على استعداد للاعتراف بما يُعتبر أبجديات القضية الفلسطينية من خلال دعوة "الطرف" الإسرائيلي للإلتزام بقرارات الأمم المتحدة كافة بما فيها قرار 194 الذي ينص على حق اللاجئين بالعودة و تعويضهم؟ وأن إسرائيل مسؤولة مسئولية مباشرة عن عملية التطهير العرقي التي حصلت عام 1948؟ وهل المجازر التي إرتُكبت في غزة هي جزء من "الحوار" بين "الطرفين؟" طرف يملك أحد أكبر الجيوش في العالم ومزود بطائرات ف16 و أباتشي و أكثر من 450 رأس نووي؟
على العكس من ذلك، فإن الإجابة نجدها على الصفحة الإلكترونية للمنظمة. فهي ترى أن القضية "نفسية" و تتطلب "شجاعة" كافية. و يمكن الوصول لذلك من خلال "تدريب قيادات شابة" تعمل على "كسر الحاجز النفسي" و تحول "الغضب و الحقد" إلى "احترام و تفاهم متبادل!" و هنا يبرز سؤال محوري آخر عن تعريف المنظمة للعنصرية؟ و هل تعتبر أنه كان هناك "طرفين" متساويين في "الصراع" الجنوب أفريقي؟ أم طرف عنصري يملك أدوات قمع جبارة في مواجهة سكان الأرض الأصليين؟ وهل يمكن المساواة بين المناضلين الأفارقة و مضطهديهم من المستوطنين البيض؟
و الحقيقة أن المتصفح لموقع المنظمة و برامجها و رؤيتها لا يجد أي جملة أو كلمة تتطرق لحقوق الشعب الفلسطيني الأساسية من حرية و عدالة و مساواة! بل إن حديث المنظمة المشوش عن "السلام" دون ربط ذلك بالعدالة ما هو إلا محاولة منها لخدمة اسرائيل بالبقاء كدولة أبارثهيد و استعمار استيطاني دون الإقرار بذلك. و ما عملية التدريب التي تمر بها أي شابة فلسطينية تشارك في مخيمات و فعاليات هذه المنظمة إلا مشروع "إنكشارية" تتنكر لحقوقها و حقوق شعبها الأساسية.
و عليه فإن كل شابة فلسطينية شاركت في هذا المخيم التطبيعي، غير الإبداعي, تكون قد ساهمت في عملية تطبيع الأبارثهيد و الاحتلال و الاستيطان والحصار الإبادي. و كم هو محزن لو ثبت مشاركة شابات من غزة في هذا المخيم بعد 3 حروب إبادية أدت لسقوط آلاف الشهداء و الجرحى, وحصار إبادي يحصد الأرواح يومياً على أيدي الشابات الاسرائيليات اللواتي شاركتهن غرف النوم و موائد الطعام.