|
دردشة إعلامية
نشر بتاريخ: 08/08/2017 ( آخر تحديث: 08/08/2017 الساعة: 18:00 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
في مناسبة جمعتنا في بيت الإعلامي الصديق واصل الخطيب، وبحضور نخبة من الإعلاميين والمثقفين، وبعد أن أكلنا وشبعنا استمعت إلى مداخلات من الحضور، حول الإعلام ودوره في هذه المرحلة، حيث تم التطرق إلى البرامج الإذاعية والتلفزية التي تذاع وتبث مباشرة، ومواصفات المذيع الناجح في التعامل مع المتصلين المواطنين، واستشهد بعض الإعلاميين بمواقف محرجة تعرضوا لها على الهواء مباشرة، من متصلين استخدموا الفرصة المتاحة لهم لتمرير معلومات خاطئة أو للنيل من آخرين بغير حق.
وتفرع النقاش إلى وسائل الاتصال الحديثة، وما تحققه من فوائد، بخاصة من سرعة إيصال الخبر، أما السلبي، فإن هناك من يستخدمها لتمرير أكاذيب وأخبار غير دقيقة. أكتفيت في هذه الجلسة بالاستماع، فقد خططت مسبقاً لأكون مستمعاً، لعلي استخلص أفكاراً أناقشها في مقال مستقل، وهأنذا أنفذ ذلك. وكتقديم للأفكار التي سأطرحها، أقول:- إن التعددية الإعلامية مطلوبة في أي مجتمع من المجتمعات، لكي تتبارى وسائل الإعلام في تقديم الأفضل والأنضج للقارئ والمشاهد والمستمع، وإن ما تشهده الساحة الفلسطينية على هذا الصعيد منذ سنوات، هو أمر طبيعي وصحي ويعكس الاتجاهات الفكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية، ولدينا إعلام رسمي وإعلام خاص، إضافة إلى الإعلام المؤسساتي التابع للمؤسسات التعليمية وبعض المؤسسات الأهلية غير الحكومية. والسؤال العام هل تجربتنا الإعلامية العامة جديرة بتصنيفها كتجربة حية ومتفاعلة وكفؤة؟ الجواب نعم. ولعل الجواب سالف الذكر يقودنا إلى سؤال آخر:- هل التجربة يمكن القول عنها إنها ناضجة ومكتملة. جوابنا كلا. إذن كيف يمكن الفصل بين "نعم" و"كلا" ووضعهما في السياق والإطار الصحيحين:- أولاً ابدأ بالإيجابي – لقد نجح الإعلام الفلسطيني بفروعه وتنوعه في أن يكون مسؤولاً وكفؤاً في المحطات الساخنة، وحينما كان يتعرض الوطن أو جزءًا منه لعدوان، كما حصل خلال استهداف قطاع غزة، حيث نجح الإعلام الفلسطيني في امتحان الميدان، وامتحان غرفة التحرير وفي الاستوديو، في نقل حقيقة ما يجري إلى العالم، وتفوق في بعض الجولات على الإعلام الاسرائيلي، وقد أشرت إلى ذلك في أكثر من مقال، مستنداً إلى معطيات وشواهد لا أجد متسعاً الآن لإعادتها وتأكيدها. أما لماذا لم يصل أعلامنا إلى مرحلة النضج، ففي رأيي مزيج من العوامل الذاتية والموضوعية ومنها:- إفساح المجال لإعلاميين جدد بخبرات محدودة لإدارة حوارات سياسية واجتماعية حساسة بالبث الحي المباشر، وأنا لست ضد الطاقات الشابة، بل على العكس من أكثر المتحمسين لها، لكن أرى أنه من الخطورة اقحامها في "المباشر"، دون تدريب وإعداد وتثقيف، فالبرامج المباشرة صعبة وتحتاج إلى خبرات لا ارتجال أو تعبئة هواء، أو لأن بعض المحطات تستغل توق الإعلامي الشاب لإثبات نفسه، فتوكل إليه مهمة صعبة براتب ضئيل، معتبرة أن ذلك يحررها من التزام دفع رواتب مجزية لإعلاميي الخبرات. وأنا هنا لا أعمم فبعض وسائل الإعلام تستعين بخبرات، وهذه الخبرات تفعل فعلها على الهواء نقداً وتثقيفاً وتوجيهاً، لكن مساحة الخبرات في كل ما يبث تشكل الاستثناء وليس القانون العام. وبخصوص وسائل الإتصال الحديثة، إذْ لا ينبغي أخذ الأخبار التي تنقل عبر "الفيس بوك" على محمل الجد، فهذه الصفحات تتعلق بأشخاص، من ثقافات وخلفيات مختلفة، وقد يقوم شخص ما بنشر خبر وفق رغباته وميوله أو في إطار تصفية حسابات أو اساءة لآخرين، لذلك يجدر بنا عدم التعامل مع "الفيس بوك"، كمصدر إخباري موثوق، وهذا لا يقلل من أهمية "الفيس" في التواصل الاجتماعي بين الأفراد والمؤسسات، أما بخصوص وكالات الاخبار الإلكترونية، فهناك نوعان الأول – وكالات جدية تتصف بتراتيبه إدارية، من رئيس تحرير، وهيئة تحرير، ومراسلين. والثاني – وكالة يقتصر العمل فيها على أثنين أو ثلاثة وهي تفتقر للكفاءات والقدرات. إن النشر السريع في هذه الوكالات يقود إلى الأخطاء، (في المعلومة، وتحرير الخبر، واللغة وباقي المواصفات المهنية للخبر أو التقرير أو التحقيق). واللافت في بعض الوكالات، أنها تعتمد على أخبار، مصدرها من أشخاص، وأحياناً غير معروفين، ولقلة الكادر في الوكالة أو لنقص في الخبرات ينشر الخبر كما جاء من المصدر بأخطائه اللغوية والتحريرية. مع الإشارة على أن في بلادنا بعض الوكالات الإخبارية الإلكترونية التي يدار العمل فيها من خلال طاقم ينتظم في تراتبية وظيفية مهنية، بحيث باتت مصدراً إخبارياً معروفاً ومجرباً، لكنها تعد على أصابع اليد الواحدة من حيث الالتزام بالمواصفات والاشتراطات المهنية. في ظل ما ذكرت من تعدد وسائل الإعلام وتنوعها، تبرز تحديات أمام الصحافة الورقية. وفي هذا السياق يتقابل رأيان على مستوى عالمي:- الأول – إن الصحافة الورقية مستمرة وباقية، ويسند أصحاب هذا الرأي موقفهم باستطلاعات رأي في عدد من البلدان الأوروبية، تؤكد تشبث القراء بالصحافة الورقية، كمصدر إخباري وتحليلي موثوق يستفيد من خبرات تعود إلى عقود من الزمن. الثاني – إن الإعلام الحديث حكم على الصحافة الورقية بالموت البطيء، على طريق الإندثار. ومع إقراري بالتحديات التي تواجهها الصحافة الورقية، اعتقد أن هذا التقليد الصحافي العالمي، مرشح للاستمرار لعقود أخرى على الأقل، لارتباط أجيال بها، أو لأن كثيراً من القراء ما زالوا يؤمنون بدقتها كمصدر إخباري تحليلي. وهذا ينطلق على الكتاب الورقي، فأنا واحد من المتابعين لما تنشره وسائل الاتصال الحديثة من كتب، بخاصة وأن الحصول حتى على النادر منها أصبح سهلاً ومتاحاً، لكن لا متعة تضاهي قراءة الكتاب الورقي، الذي يتنقل معك من مكان إلى آخر، وتنشأ بينك وبينه صداقة، وأنت تقلب ورقة وتشم رائحة حبره وتتأمل معانيه بروية، وهذا لا يعني إدارة الظهر للكتب المنشورة إلكترونياً، فهي تسهل على الباحثين والمتابعين وتوفر لهم أحياناً ما هو غير متاح في المكتبات. وعود على بدء، أشكر الزميل والصديق واصل، صاحب مبادرة استضافة نخبة الإعلاميين والمثقفين، ما أوحى بكتابة مقال، من شأنه أن يشكل فاتحة لنقاش أوسع في الإعلام. |