نشر بتاريخ: 19/08/2017 ( آخر تحديث: 19/08/2017 الساعة: 13:38 )
غزة- معا- أكدت الدائرة القانونية في لجنة دعم الصحفيين، أن قانون الجرائم الكترونية التي أقرته السلطة الفلسطينية يتضمن نصوصاً خطيرة تمثل "أداة قانونية" لانتهاك غير مبرر لحقوق المواطنين وحرياتهم الأساسية، لا سيما، الحق في حرمة الحياة الخاصة، والحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في الوصول إلى المعلومات، وهي حقوق كفلها القانون الأساسي المعدل والاتفاقيات الدولية المعنية بحقوق الإنسان التي انضمت إليها دولة فلسطين.
وقالت الدائرة في تقرير مفصل "أن انتهاكات حرية الصحفيين من قبل الاجهزة الامنية الفلسطينية ارتفعت بعد مصادقة الرئيس محمود عباس مؤخرا على قانون " الجرائم الالكترونية" بما يمثله من انتهاكات جسيمة بحق الصحفيين والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تحد من حرية الرأي والتعبير."
وبينت اللجنة انها استفادت من خبرة القانونيين والصحفيين وقادة الرأي والمواد الاعلامية التي ناقشت بنود القانون حيث وجدت أن القرار بقانون رقم (16) لسنة 2017، بشأن الجرائم الإلكترونية يتضمن 61 مادة تحتمل مصطلحات فضفاضة ومطاطة تجعل القانون عرضة لإساءة الاستخدام وإلصاق تهم للصحفيين لنشرهم أخباراً لا تأتي على وجهة نظر النيابة العامة وأنها تمس من أمن وسلامة الدولة وتعرضها للخطر.
كما أن القانون اعطى فلسفة تشريعية وصلاحيات للجهات التنفيذية بالرقابة وانتهاك الخصوصية بحثا عن فعل مجرم يقوم به المواطن.
ونوهت أن المواد (16، 20، 28، 51) علاوة على المواد (32 ،33 ،34 ،35 ،37 ،40 ،41 ،42 ،43 ،44)، التي تتضمن العديد من الأحكام التي من شأنها المساس بالحق في الخصوصية وحرمة الحياة الخاصة للمواطنين، دون أن توفر ضوابط قانونية حقيقة لذلك، أهمها الإذن القضائي، وإخطار المتهمين بهذه الإجراءات.
ورأت الدائرة القانونية أن الهدف الحقيقي وراء هذا القانون هو "سياسي بحت" يعزز ما تنتهجه السلطات من ملاحقة لكافة الأصوات المعارضة لتوجهاتها وسياساتها على الأرض، إذ أن القانون يتضمن عقوبات أعلى من تلك المفروضة على جرائم أخرى مثل السرقة والتحرش، ما يؤكد أن ما تم إعلانه بشأن دوافع إصداره بعيدة تمامًا عن الحقيقة.
وذكرت أن العديد من المواد التي تضمنها القانون أثارت بعض علامات الاستفهام حول مضمونها وما تحمله من إمكانية التأويل المتعدد ما يضع الصحفيين والنشطاء والمهتمين بالشأن العام تحت مقصلة تفسيرات السلطة حسب مزاجها العام من جانب وموقفها من الصحفي أو الناشط من جانب آخر.
وهناك بعض المخاطر على الاعلاميين والنشطاء وردت في عدة مواد من قانون الجرائم الالكترونية أبرزها المادة (20) من القانون وهي من أكثر المواد التي أثارت حفيظة الجميع، كونها لا تحمل اختصاصات واضحة، ولا جرائم محددة يمكن اعتبارها كمرجعية حال تعرض الصحفي للتوقيف.
فالنص الذي يقول في الفقرة (1) "كل من انشأ موقعا الكترونيا، أو أداره عن طريق الشبكة الالكترونية، أو إحدى وسائل تكنولوجيا المعلومات، بقصد نشر أخبار من شأنها تعريض سلامة الدولة، أو نظامها العام، أو أمنها الداخلي أو الخارجي، للخطر، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن ألف دينار أردني، ولا تزيد عن خمسة ألاف أردني، أو بالعقوبتين كلتيهما".
أما الفقرة (2) من المادة والذي ينص على " كل من روج بأي وسيلة تلك الأخبار بالقصد ذاته أو بثها أو نشرها، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة، أو بغرامة لا تقل عن مائتي دينار أردني ... الخ"، وفي البند (3) "إذا كان الفعل الوارد في الفقرتين (1) و(2) من هذه المادة في حالة الطوارئ، تضاعف العقوبة المقررة".
وطبقًا لهذه المادة الفضفاضة في تفسيرها لبعض المفاهيم منها "سلامة الدولة" "أمنها الداخلي والخارجي" فإنه من حق السلطات الأمنية اعتقال الصحفيين وتقديمهم للمحاكمة، الأمر هنا لا يتوقف على من أدار موقعًا الكترونيا فحسب، بل من روج للأخبار المنشورة، سواء بالإعجاب أو المشاركة، بقصد أو دون قصد، وهو ما يضيق الخناق بصورة كبيرة على حريات الرأي والتعبير.
كذلك في الفقرة (3) من المادة (20) تحمل العديد من التساؤلات حول، ماذا يعني هنا حالة الطوارئ؟ على أي أساس سيتم التقييم إن كان هذا الظرف طارئًا أو لا؟ خاصة وأن الفقرة تشير إلى مضاعفة العقوبة في هذه الحالة.
ويتضمن القانون أيضاً المادة (31) والتي تنص على " يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة شهور، وبغرامة لاتقل عن خمسمائة دينار أردني، ولا تزيد على ألف دينار أردني، كل من قام باستخدام أنظمة، أو موقع أو تطبيق الكتروني، لتجاوز الحجب المفروض، بموجب أحكام هذا القرار بقانون".
ووفق هذه المادة فلا يحق لأي مستخدم أن يلجأ لأي تطبيق أو برامج لفك الحجب المفروض على بعض المواقع، ومن ثم يحق للسلطات حجب كافة المواقع دون إعطاء فرصة للمواطنين بالاضطلاع عليها وفق برامج وتطبيقات أخرى، ما يزيد من الخناق المفروض على الحريات.
كذلك تمثل المادة (32) أزمة حقيقية لشركات الاتصالات الفلسطينية، إذ تجبر الشركات المزودة لخدمة الانترنت بـ "تزويد الجهات المختصة بجميع البيانات والمعلومات اللازمة التي تساعد في كشف الحقيقة، بناء على طلب النيابة أو المحكمة المختصة" كذلك " حجب رابط أو موقع بناء على الأوامر الصادرة" إضافة إلى " الاحتفاظ بالمعلومات عن المشترك لمدة لا تقل عن ثلاث سنوات".
هذه المادة بلا شك تفقد الفلسطينيين الثقة في شركاتهم المحلية، والتي ربما تزود جهات الدولة ببياناتهم الشخصية ما قد يعرضهم للخطر ويفقدهم خصوصيتهم، وهو ما قد يدفع البعض إلى فسخ التعاقد مع هذه الشركات الوطنية واللجوء إلى الشركات الإسرائيلية التي تحتفظ بسرية معلومات عملائها بحسب ما أشار البعض.
ثم تأتي المادة (50) لتختتم حزمة التساؤلات الجدلية حول هذا القانون، حيث تنص المادة على " كل من امتنع عن قصد في الإبلاغ أو أبلغ عن قصد بشكل خاطئ عن جرائم معلوماتية، يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة شهور، وبغرامة لا تقل عن مائتي دينار أردني، ولا تزيد عن ألف دينار أردني، أبو بإحدى هاتين العقوبتين".. وعليه إن قرأ المستخدم أو اضطلع على مادة ما ترى السلطات فيها تهديدًا لأمنها وسلامتها ولم يبلغ عنها فعليه أن يستعد لمواجهة عقوبة الحبس أو الغرامة، أو كليهما معا.
من المواد التي أثارت الجدل أيضًا داخل هذا القانون المادتين (43) و (44) والمتعلقتان بالاتفاقيات المبرمة بين فلسطين والدول الأجنبية بما فيها "إسرائيل" بشأن ضرورة تزويد كل دولة الدول الأخرى بالمعلومات التي تحصل عليها وتمثل خطرًا أو تهديدًا لها، وعليه فالسلطة الفلسطينية ملزمة بموجب هذا القانون إن توصلت إلى أي معلومة عبر المواقع الالكترونية تخص تل أبيب وأمنها أن تزودها بها وهو ما يؤثر سلبًا على القضية الفلسطينية، ما دفع البعض إلى القول بأن هذا القانون يحوي "الكثير من الألغام".
وتعد المادة (44) تحديدًا الأخطر، حيث تلزم بتبادل وتسليم المتهمين في الجرائم الالكترونية بين الدول، فمثلا على السلطة الفلسطينية تسليم أي فلسطيني ينتقد "إسرائيل " أو يدعوا للمقاومة أو التصدي للانتهاكات التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، لسلطات الاحتلال الاسرائيلي.