|
قناديل الله .... رسائل النور
نشر بتاريخ: 21/08/2017 ( آخر تحديث: 21/08/2017 الساعة: 16:07 )
الكاتب: نسرين عيسى جرادات
كان قلبي يحدثني انه دائما هناك، يخاطبني عقلي خطاب العقلاء مرة، وخطاب الجهلاء مرة أخرى، حتى قررت العزم على الرحيل، فحملت نفسي الصغيرة للقائه، وتوجهت إليه، وقيل لي لا بد من دليل، وكيف لا؟ ونحن نستدل به لا نستدل عليه، فالدليل إلى الله ليس كأي دليل، فلا بد من صاحب قوة وعزيمة وهمة لمواجهته ...
في لحظة ما، هناك أرواح تنزف ما بين معزوفة مكسورة ، مترنمة بين قلوب ضارعة من الألم والمعاناة، في سير حياة مغتربين في الخلوات ، نلتقط لآلئ أسرار على قمم جبال زمردية ... تلك الخلوات اللامتناهية في العمق الذاتي قد تكون الأعمق لكنها الأخطر على الإطلاق . في ليلة تفقد الأضواء أنوارها ، كأن خيول الظلام تكتسح بحوافرها الأماكن تملأ الدروب، تقتحم كل مكان، فترى كل شيء يعصف بلا هوادة تحت إعصار رهيب، تنتظر بصيص نور من برهة فتحة قريبة ، تطل عليك أشباح الخوف الموصدة خلف الأبواب ، وتنتظر بصيص نور آخر ، ليخاطبك الله " أنا هنا " " أنا هنا " يا عبدي. قال تعالى " الله نور السموات والارض مثل نوره كمشكاة ٍ فيها مصباح ٌ المصباحُ في زجاجة الزجاجةُ كأنها كوكب دريٌ يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية ، يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نارٌ نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب اللهُ الأمثال للناس والله بكل شيءٍ عليم " .. كل الأضواء انطفأت، والمآذن صمتت ولا احد يمشي فوق الأرض ، فالكل نيام ؟؟ إلا روحك تنتقل من صورة إلى صورة منك إليك، تحمل الشموع وتوزعها على صورك لتضيء بها قنديل الله للروح في القلب الواهي، ليرى نور الحياة من جديد وتشعر انه لا مهرب منه إلا إليه، وأينما وليت وجهك فليس وجهة لك غير وجهة الله وهذا في قوله تعالى " ولكل وجهة هو موليها ". لكل شخص منا وجهته نحو الله ، ولكل شخص اللحظة التي يكذب بها ، فالجميع يكذب بلا استثناء ، الا اللحظة التي تقف بها أمام نفسك ويخاطبك الله برسائله المتعددة التي لا نهاية لها ، هذه أصعبها ربما أجملها عندما تنفض غبار الآخرين من المجاملات المتعددة التي لا تتوقف نهائيا ... تلك اللحظة ، لحظة الخلو مع الذات ، هي لحظة الحقيقة الصادقة التي لا غبار عليها ، تتكشف كل الوجوه ، وجه الخير والشر والمتسلط والقوي والضعيف ، بلحظة ركوع وسجود على سجادة صلاة طاهرة تسبح بحمد الله ، وأنت بين يدي الله ، تلك الحقيقة التي لا مفر منها ، تشعر بكل الرسائل الموجهة إليك سواء استشعرت بها من قبل أم لا ، آمنت بها أم أنكرتها .. تلك اللحظة التي تغمر قلوبنا السكينة والطمأنينة حينما نستودع همومنا، وكل ما يقلقنا ويفرحنا عنده، ونسلمه مقاليدنا، هناك دائما،هناك نستظل بظل الله بالحضور المطلق الممتد إلى أعمق الأعماق، وتكون على يقين أن للوجود حكمة لا تكن إلا في كنف الله .. ذلك السر برؤيتك نور الله في كل شيء جميل ،في بديع خلقه ، زقزقة العصافير ، تفتح الورود ، صدح الفجر العميق ، في حمرة الغروب ، في العبادة ، في السماء ، في ضوء النجوم ، في زرعك وحصادك وعلمك ، وتراه في بر أمك وأبيك وكل عمل خير لكل من تحب ممن حولك ... نقول الله وحده الله ، هذا صوت القلب الذي نادى ورأى الطابع الإلهي في كل ما حوله ، في كل كاهل ألقيت به إلى الله ، ذلك الإحساس بالحضور الإلهي شوقا وحبا .... عندما تشعر باللذة كلما توجهت إلى الله، ووقفت بين يديه، تلك لحظة الصفاء الكامل لحظة إفشاء السر من الروح والقلب والبصيرة ، حينها يقول الله لعبده : سرك أقوى من الأرض والسماء ، سرك يرى بدون عين ، ويسمع بدون آذان ، سرك لا يسكن الديار ولا يمشي أرضا ولا يأكل خيرات ولا يخبئ بالليل ، ذلك السر أمام عظمة الله مناجيا لتحقيق مطالبك ، ليقول الله : يا عبد لا تعين حاجتك بل أخفها ، وقل يا رب أسالك ما ترضاه و أسالك حبا لأصل إليك .. هذه اللحظة الصادقة ، هي وجه الحقيقة وحتى تصون الحقيقة ، يجب ضبط حدودها وأنت متوجها إلى الله ليضيء قنديلك بنوره في ليل معتم ... يقول رسول الله _ عليه الصلاة والسلام _ : اذا مضى شطر الليل ، ينزل الله تبارك وتعالى الى السماء الدنيا ، فيقول : ما من سائل فيعطى ؟ هل من داعٍ فليستجاب له ؟ حتى يتفجر الفجر ... وفي حديث قدسي عن الله عز وجل : " يا ابن اّدم ، ألك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن اّدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرت ، غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن اّدم لو آتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة ... وهل هناك اكبر من هذا القنديل لتضيء به حياتك ! هذا ما يحي الأمل فيك والإرادة المخدرة ، فتنهض بعزيمة وقوة خجلى للسير نحو الله وتجدد حياتك ، بعد كل قنديل أضاءه الله في دربك ، لتعيد ترتيب حياتك وتنظمها بين الحين والأخر ، وينقذك من كل كرب أو موجة ساخطة هبت في وجهك .. كيف لا وهو اقرب الينا من حبل الوريد .. " اللهم لك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، اللهم لك اسلمت وبك آمنت وعليك توكلت واليك انبت وبك خاصمت ، واليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا اله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله " . من نور كلماته ، كانت كلماتي هذه ، التي تضخ بقلبي بقوة ، ويحثني على التجدد ، ورؤية الحقائق مرة أخرى في أعماق فطرني عليها بحب الله ، فلا ترقد إلا بدعاء ، وتحصين نفس بذكر وقراّن ، تلك رسائل النور في حياتي لحقائق الإيمان والآخرة وغنيمة الدنيا ، فمن كانت وجهته لله نال ما تمنى من قناديل تنير دربه وتملئ الحياة بنور الأمل كلما تعثر بأزمات الزمن وضغوطات حياة مليئة بالصخب والضجر ، حيث يقظة القلب والمناجاة الحلوة لا تكن إلا في خلوتك مع الله بعيدا عن ضوضاء الآخرين ولغوهم الطويل ، هذا التفاني في مرضاة الله بالتوجه المستمر إليه والتمسك بذكره الذي ينعش غفوة القلب والعقل .... |