وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الذئاب لا تقايض على احترامها

نشر بتاريخ: 23/08/2017 ( آخر تحديث: 23/08/2017 الساعة: 14:09 )
الذئاب لا تقايض على احترامها
الكاتب: د.نادر صالحة
الذئب، هذا الأنيق المهيب لا يقايض على احترامه. وملفتٌ أنه الوحيد في فصيله وفصيلته الذي لا يشارك في السيرك. عنقه عصيةٌ على أن يؤخذ بزمامها، لا يستبدل بعرينه قفصاً. لا يستعرض، ولا يبتذل نفسه ببهلوانيات لإمتاع الجمهور، ولا يأبه بمداعبة الِحسان لفروه الفخم، ولا الصخب والأضواء وتصفيق الجمهور. هذا تصفيق يحتفي بامتهانها وبقرع سوط مروَّضها الذي جعل من الضواري ذوات الأنياب، دمىً منزوعة الإرادة والعنفوان. ولا يكون الترويض إلاّ بفهم الطبائع والإطعام والتجويع المنهج، والايهام بالإبقاء على السيادة والهيبة، هيبةٌ وشراسة للهو والترفيه.
الأسد من فصيلة السنوريات توجناه ملكاً، والحاشية والخاصة لأقرانه من نفس الفصيل؛ النمور والفهود والقطط. فهذه رغم غلاظة طبعها، إلّا أنها تنصاع، وتتوالف مع التسحيج والتهريج. تأبى الذئاب، متححرة من وهم الهيبة. لا تقايض التبجيل باحترامها، يبدو لها كعظْمة بالية مقابل ما لا يُقابَل.
بعد ما كان منها، اتخذه البشري عدواً. وتقول اسطورة الأناضول؛ أنه أرضع البشريين قديماً فورثوا عنه الاعتداد وسادوا. الحقنا به صفة الغدر في رواياتنا المحكية والمغناة كما الثعالب، وافتئتنا عليه افتئاتا عظيما للنيل من استعلائه وخروجه عن الطاعة. ويُقال إن ليلى أوقعت بالذئب في حبائل كيدها ونالت منه بالحيلة والغدر، فشقت صدره، وانتزعت كبده واتخذت جلده الأنيق معطفاً، وزيّنت جدار مطبخها بتعليق رأسه المهيب بمسمار لتعليق الثوم. وإمعاناً في الإهانة وضعت في فمه ضمة بقدونس، وأخذت صورة سيلفي بخلفية هذا المشهد مُنعت من النشر حتى اللحظة بقرارٍ من النائب العام حباً لليلى وبغضاً بعلي. ولم يسبق أن ورد في الإعلام الرسمي أو الخاص أي ذكر لحقيقة هذه الواقعة التزاماً بقانون الجرائم قديمها والجديد، فالفتنة نومها أسلم، والنبش وخيم العواقب.
ينبغي أن تبقى الأسطورة أسطورة؛ مناسبٌ أكثر لقصص ما قبل النوم أن دماء الذئب ماء. حظيت ليلى بدور البطولة والتعاطف والدعم على أوسع نطاق وما زالت. وأشادت جمعية الرفق بالحيوان العالمية بشجاعة ليلى وحقها المشروع في الدفاع عن نفسها، ونددت بالذئب بأقسى العبارات.
وورد أيضاً في المرويات غير المتواترة، أن الذئاب كانت ممن تصدى للإنسان في أول قدومه إلى الأرض، وعارضت مشروعه الذي قال فيه إنه سيحكم بأخلاق سماوية وعدلٍ محض. وكان من عدله أن جعل ملاقيط القوم سادة، وناصر القوي على ضعيفهم، واستعان بالحيلة لا بالحق، وسَفَك الدماء، وقطع أشجار الغابات وجعلها طاولات قمار وحروب ومؤامرات. فعرفت ما كان منه وما سيكون. فزهدت بما سيغدق عليها من نياشين وألقاب، فاعتزلته إلى البراري، مستأنسة بوحشتها.
مجدداً، وقع البشري في الغواية، غواية الاستذآب. وما لا يدركُ، يؤفَك. تفوقت على كيدنا بكيدٍ أشدّ. فكانت أسطورة الاستذآب، مصحوبة بكثير من النُبل والاحترام والأنسنة بأعلى مستوياتها، مؤدرمة بأسلوب رفيع، وطقوس قدسية “للرجل القادم من الغابة”. فانعكست الآية، وتبدلت علاقة الرمزية بدلالاتها ومدلولها؛ فانتزع الذئب من البشري أسمى صفاته؛ الجدارة، فكرة الخلود، والسيد المتألّه. ولاذ البشري بالغابة والتوحش في تبادل فاضح للأدوار.
يبقى مجاز الاستذآب واقعاً متقمَّصاً، يعبُّ الدماء البشرية الطازجة ليبقى على قيد الأسطورة.