وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

غزة بانتظار محمد الفاتح الحقيقي

نشر بتاريخ: 24/08/2017 ( آخر تحديث: 24/08/2017 الساعة: 09:45 )
غزة بانتظار محمد الفاتح الحقيقي
الكاتب: د. وليد القططي
عندما تعيش المجتمعات البشرية فترات زمنية صعبة، وأوقات تاريخية حرجة، وتنزل بهم المحن والخطوب، وتمسهم البأساء والضراء والزلزلة، ويتملكهم الشعور الجمعي بالقهر والضيق والعجز؛ فإنهم حينئذٍ يتطلعون إلى بطلٍ يُخلّصهم من حالهم البائس وواقعهم اليائس، ويمنحهم الأمل بغدٍ أجمل ومستقبلٍ أفضل. وقد يكون هذا الأمل الوهم فيه أقرب من الواقع، والسراب فيه أقرب من الحقيقة، ولكنه وهمٌ مفيد وسرابٌ نافع؛ لأنه يُضفي على الحاضر أملاً يجعل الحياة مُحتملة، ويكسي الواقع بنوعٍ من الرجاء يُخفف ثقل كآبته؛ وهذا ما يُفسّر لجوء الناس إلى أحاديث المهدي المنتظر أو الإمام الغائب أو المسيح المُخلّص، أو إنتظار قائد مثل فاتح القسطنطينية محمد الفاتح أو مثل فاتح القدس صلاح الدين الأيوبي إذا ما طالت أزماتهم واستحكمت مآزقهم ورسخت مأساتهم وضاقت عليهم الدنيا بما رُحبت، فتلجأ إلى المُخلّص المجهول الذي سيملأ الدنيا قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً.
وهذا المنطق المتكرر الذي يجمع بين سنن التاريخ وعلم نفس الجماعات البشرية، ينطبق بقدر أو بآخر على مختلف الشعوب بطريقة نسبية تتناسب عكسياً مع مستوى تقدمها ورُقيها، ويتناسب طردياً مع مستوى أزماتها ومشاكلها. وهذا المنطق يسري علينا في فلسطين كوننا نمر بمأزق دائم هو الاحتلال الصهيوني لكل فلسطين، ولكنه يسري علينا بطريقة أكثر وضوحاً في قطاع غزة بشكل أكثر حدة كوننا نعاني إضافة للاحتلال من الحصار والانقسام، ولكننا لا ننتظر المُخلص الذي سيملأُ الأرض قسطاً وعدلاً، فمُخلصنا على قدر أحلامنا على رأي المثل القائل (الجوعان بيحلم برغيف العيش)، فنحن ننتظر المُخلّص الذي سيفتح معبر رفح أمام المسافرين، وحينها سنضعه في مرتبة أعلى من الناصر صلاح الدين فاتح القدس للمسلمين ، وتفوق مكانة محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية، وننتظر المُخلّص الذي يملأ الثلاجات لحمةً ودجاجاً وسمكاً بعد أن أصبحت خاوية على عروشها تشتكي إلى الله انقطاع الكهرباء وفراغ الجيوب من النقود، وننتظر المُخلّص الذي سيملأ السندويتشات شاورما وكباباً بعد أن مُلئت فلافلاً وفولاً.
وربما حديث الساعة المتكرر في غزة عن قرب تطبيق اتفاق التحالف بين حركة حماس وتيار دحلان يتم في إطار ذلك السياق من الرغبة الكامنة في مجيء المُخلّص الذي سينهي أو يخفف معاناة الشعب المحكوم عليه بالإقامة الجبرية الدائمة في قطاع غزة، ولكن هذه الآمال المبالغ فيها عمداً لا تملك رصيداً حقيقياً يُمكن البناء عليه في بيع الناس أوهام الانفراج الذي أن تم فعلاً لن يكون بحجم الآمال المعقودة عليه في إنهاء المعاناة أو تخفيفها، وبوادر ذلك ظهرت قبل أن تبدأ، فبعد الوعد بفتح معبر رفح يومياً في بداية سبتمبر، تغيّر الحديث إلى فتح المعبر على فترات متقاربة ثم أصبحت متباعدة، كما أن موعد فتح المعبر في سبتمبر مشكوك فيه في ظل تباطئ إعادة إعمار المعبر من الجانب المصري، ومنذ أن وُعدنا بزيادة ساعات الكهرباء تناقصت تدريجياً، والمساعدات الإماراتية الموعودة ليست بالحجم المؤثر بحيث تؤدي إلى تغير إيجابي ملموس في حياة الناس بالقطاع، كما أن الإجراءات العقابية غير الإنسانية التي بدأتها السلطة في رام الله ستبّتلع كل تحسّن يدخل على غزة في إطار مشروع التحالف بين حركة حماس وتيار دحلان.
وهذه الآمال المعقودة على التحالف بين حركة حماس و(التيار الإصلاحي) داخل حركة فتح الذي يتزعمه السيد محمد دحلان مرتبط بمزاج صانع القرار السياسي المصري المرتبط بدوره بالأمن القومي المصري والمصالح العليا للدولة المصرية التي لا يمكن أن تتناقض جوهرياً مع مصالح السلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية الرسمية، وبالتالي علاقة مصر بغزة ليست تحوّلاً استراتيجياً في السياسة المصرية، بل هو تغيير تكتيكي يهدف إلى الحفاظ على أمن الحدود المصرية على غزة وهذا الهدف لا يمكن بدون التعاون مع الطرف الذي يسيطر على الطرف الثاني من الحدود وهي حركة حماس، ويهدف أيضاً إلى الضغط على السلطة للقبول بشروط الرباعية العربية للمصالحة مع النائب محمد دحلان، وقد يكون من أهدافه سحب ورقة حماس من أيدي كل من قطر وتركيا. وإذا ما انتهت فعالية هذه الأهداف فقد تغيّر مصر سياستها فيصبح تحالف حماس ودحلان بدون مضمون فعلي وفائدة ملموسة.
والآمال المعقودة على السيد محمد دحلان أو ما يُطلق عليه التيار الإصلاحي داخل حركة فتح تتجاهل كون الجهات والدول التي تقف خلفه وتموّل أنشطته ليس لديها مشروع خارج إطار المشروع الصهيو أمريكي في المنطقة وبدون الدخول في تفاصيل هذا المشروع فهو لن يكون بمنأى عن المصالح الأمريكية في المنطقة والمنسجمة مع المصالح الإسرائيلية، أو على الأقل لا تناقضه، وقد يكون إحدى أهدافها الإبقاء على حالة الإنقسام الفلسطيني أطول فترة ممكنة. كما أن (التيار الإصلاحي) لا يملك مشروعاً وطنياً أو برنامجاً سياسياً يختلف عن مشروع وبرنامج حركة فتح المرتكز على البرنامج المرحلي الذي حط رحاله في مشروع أوسلو وأنتهى مآله في سلطة فلسطينية تحت الاحتلال كان السيد محمد دحلان من مؤسسيها وواضعي فلسفتها الأمنية وبادئي التنسيق الأمني.
في الختام ما ذُكر سابقاً لا يستهدف بشكل شخصي النائب في المجلس التشريعي السيد محمد دحلان أحد القادة المعروفين في حركة فتح، ولا يستهدف التقليل من الجهد الذي يبذله لإنهاء أو التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني في غزة فهو جهد مشكور، ولا يستهدف كذلك التشكيك في نوايا الجهات المشتركة في هذا الجهد والداعمة له... ولكن يستهدف التحذير من بناء آمال وأماني لا تستند على أُسس متينة ثابتة في الأرض، خاصة وأن هذا التحالف لم يأتِ في إطار وطني شامل يُساهم في إنهاء الإنقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ولم يتم في سياق مشروع وطني متكامل يُنهي الأزمات الحياتية للناس ويضع أقدامنا على الطريق الصحيح للتحرير والعودة والاستقلال الوطني. وحتى يظهر محمد الفاتح الحقيقي أو المهدي المنتظر غزة على موعدٍ مع الانتظار.