|
سعاد شواهنة: ثقافة الهبل وجرأة الطرح
نشر بتاريخ: 06/09/2017 ( آخر تحديث: 06/09/2017 الساعة: 16:37 )
الكاتب: جميل السلحوت
حمل العام 2017 منذ مطلعه أزوف نهايات عدد من دكتاتوريات الحكم الديني السياسي التعسفي، التي بدأت في الوطن العربي منذ قرابة القرنين من الزمن، ورغم أن هذه النهايات لا زالت عاجزة عن تسجيل حضور قوي لها، واثبات ذاتها في ظل حالة التغير والتهتك المستشرية في المجتمع العربي، إلا أن الوقت بات سانحا لأقلام الأدباء والكتاب والمفكرين والباحثين لكتابة وتسجيل رأيهم دون أن يخشوا على أنفسهم هول وعواصف التيارات المتشددة، هكذا جاء كتاب " ثقافة الهبل وتقديس الجهل" على هذا النحو المباشر من الوضوح،بما يحمله العنوان من السخرية السوداء المؤلمة.
"ثقافة الهبل وتقديس الجهل" هو كتاب فكري مرحلي سياسي، ذاتي ثقافي قومي فلسطيني عربي، صادر في طبعته الأولى عن مكتبة كل شيء / حيفا للعام 2017، بلوحة غلاف مباشرة تحمل روح العنوان و أثره في ذات الفرد، إذ كانت اللوحة بعنوان " بقايا عربي" للفنان جمال بدوان، وقد وقع الكتاب في 184 صفحة من القطع المتوسط، وتقديم الأستاذ خضر محجر لصفحاته قبل الولوج لموضوع الكتاب بمدخل استهل به الكاتب حديثه. نحت العنوان: إن فكرة الكتابة حول الإسلام السياسي والمجموعات السلفية الأصولية التي قادت عددا من البلاد العربية إلى التغيير بشكل جذري مخيف موضوع شائك، ويظل النص فيه مرتبكا وعرضة للالتباس في واقع متغير متجدد، إذ لا يمكنك أن تتكهن بين إغفائتين عن قادم قد يحصل تحت ظل نافذتك. هكذا يغامر جميل السلحوت في نحت عنوان " ثقافة الهبل وتقديس الجهل " جاهدا في وصف حالة الفوضى العربية السائدة التي لا زالت تراوح ذاتها، ومفتشا في سفر التاريخ عن جذور ومرجعيات تفسر الإرباك والفوضى الحالية. "جاء هذا واضحا في حديثه عن حركة الإخوان المسلمين في مصر خلال حكم جمال عبد الناصر، والعشرية السوداء في الجزائر 1992-2002، فشل مشروع الوحدة العربي مصر – سوريا 1958،أزمة العراق – الكويت والمواقف العربية آن ذاك." تتوافق خطوات السلحوت والإستراتيجية التي استخدمها في بعض الزوايا مع كتاب "حيونة الإنسان" للكاتب السوري ممدوح عدوان ،الصادر بعد وفاته عام 2007،حيث ناقش عدوان استشراء الرغبة الاستعمارية لدى الدول الغربية وانتهاجها سياسة التطهير العرقي الإثني في جنوب أفريقيا، أمريكا، الهنود الحمر، وغيرها من الشعوب، حيث عملت القوى الاستعمارية على تحييد وقتل وإقصاء الآخر" المواطنين الأصليين" لإثبات وجودها وفرض هيمنتها، حيث أبادت مجموعات وثقافات، وقتلت عادات وتقاليد من أجل فرض السيطرة السياسية والاقتصادية، وتحقيق الهيمنة الاقتصادية من خلال السيطرة والإحلال الثقافي والفكري . عدوان نحت مصطلح الحيونة كما نحت السلحوت مصطلح ثقافة الهبل. شرق أوسط جديد: وإن ما يحدث اليوم لا يختلف كثيرا عما تحدث به عدوان، وإن اختلفت أدواته حيث تسيطر الدول الغربية - بدعم حلفائها في الوطن العربي - بوسائل أكثر جدوى من خلال مواطني هذه الدول المسيطر عليها من المتزمتين و المتشددين والمنضوين تحت إطارات سلفية وهابية متشددة، حيث أطبقت الدول الغربية الخناق على الشرق الأوسط بأيدي أبنائه الذين تشددوا فكّروا، وقتلوا، واستباحوا، ودموا، هدموا حضارات شعوبهم و ثقافات ومستقبل أرضهم، ليكون اقتصاد البلاد ومقدراته الثمينة رهينة بأيدي الدول الغربية. "يذكر الكاتب تدمير جماعات مثل القاعدة لآثار عديدة مثل تمثال بوذا، وتدمير داعش لمدينة تدمر وعدد من الأماكن الأثرية التاريخية، ويقارن هذا بما فعله التتار في العراق ومكتباتها." بلادي قاب قوسين أو أدني من الخطر: يدق السلحوت نذير خطر إذ يعنون كتابه ب " ثقافة" وهي نمط وأسلوب الحياة السائد في مجتمع ما، ويصف الحالة الراهنة بالهبل، وكأنه يقرع بذلك جدران الخزان في كل قارئ ومتتبع للأحوال الراهنة، قائلا أن استمرار حالة الخضوع والصمت حيال الخطاب الديني المستحدث السائد من شأنه أن يخلق مجتمعات تتبع هذا النهج كثقافة غير واعية، أقل ما توصف به " الهبل" إذ لا مرجعية حقيقية لها. يظل الكاتب الفلسطيني محموما بالهمّ الفلسطيني، قلقا عمّا قد تحمله التغيرات المحيطة للبلاد، إذ يفرد الكاتب الجزء الأخير من كتابه ليعرض صورا واضحة من التغيرات في المجتمع الفلسطيني وثقافته الأصيلة، تبعا للتغيرات المحيطة والمؤثرة وارتفاع الخطاب الديني التكفيري، وقد عرض الكاتب ذلك من خلال ملاحظاته الشخصية المباشرة، ومن خلال تجربته الذاتية في عدد من المواقع الثقافية والعلمية، إضافة إلى مشاهدات مجتمعية يلاحظها بشكل يومي، وربما تكون الكتابة عنها في وقت مبكر أمرا جيدا حتى لا يستشري الأمر في المجتمع، ويصبح ظاهرة يصعب الحد منها. البحث العلمي والذاتية: راوح الكاتب بين مسلكين في كتابه إذ راعى في المراحل الأولى المنهج العلمي، فشرح وفصل بعض المفردات وردها إلى جذورها اللغوية وفصلها تفصيلا، كما بوّب وعدّد عددا من السّمات والخصال المتصلة بهذه المفردات كالثقافة والقومية، وعرف بعض المفردات كالثقافة والقومية، كما أشار معرّفا بعدد من الأصول والعرقيات والإثنيات والطوائف، واعتمد في مراحل أخرى من كتابه على ذكر عدد من الإحصائيات الدقيقة تارة لعدد القراء ونسبة القراءة في المجتمع، وتارة أخرى لقياس نسبة التدمير والخراب وعدد القتلى والجرحى واللاجئين، وقياس نسبة التدمير الملموس ماديا على الأرض. وفي أبواب أخرى من الكتاب فضل الكاتب أن يكون ذاتيا وربما قاصّا وروائيا في سرده بعض الأحداث التاريخية، والوقائع والحوارات والقصص الشعبية والحكايات المحلية، وقد جاء سرد الكاتب ذاتيا خلال حديثه عن الانقلابات العربية المتتالية، وسقوط أنظمة الحكم العربي وتغيرها، إذ يمكن للقارئ التكهن ومعرفة توجه الكاتب ورأيه بما يحدث حاليا، وبما حدث تاريخيا وصولا إلى التغيرات الأخيرة في تونس، مصر، العراق، اليمن، البحرين، ليبيا، سوريا) ويمكن تفسير الذاتية ردها إلى حداثة الموضوع الذي يتمّ تناوله، إذ لم تمض عشر سنوات على التغيّرات الحالية بداية من ثورة الياسمين في تونس 2011 حتى اليوم. آليات عرض شائكة: قدم الكاتب موضوعا شائكا حديثا، واستجمع أفكارا بين دفتي كتاب سيطر العنوان فيه على الكاتب، فكرّر استخدامه مرارا في عناوينه الجزئية - رغم أن عددها كان قليلا قياسا بحجم الكتاب- وساعدت المراوحة بين الذاتية وأسلوب البحث العلمي على ذلك، وكنت أجد أن الكتاب يمكن أن يكون أكثر سلاسة في العرض لو قسم كتابه إلى فصول عدة، وحمل كل فصل منها عنوانا ما، وناقش التراكمات السياسية في كل دولة عربية بشكل منفصل، وردّها إلى جذورها التاريخية، حيث أنني أرى أن هذا الأسلوب سيسمح أكثر للكاتب في تسليط الضوء على بعض المفردات والمسميات والأحداث، التي مر الكاتب عنها مرورا سريعا، ولم يشرحها، ولم يشر إليها في هوامش الكتاب، مثل انقلاب حماس، العشرية السوداء،القاعدة، حرب أمريكا على أفغانستان،أسماء بعض القادة السياسيين والعسكريين والجماعات الإسلامية،إضافة إلى الإعلاميين والبرامج التلفزيونية. كما أجد أن إضافة فهارس للأعلام والأماكن والمحتويات يمكن أن يكون إضافة جزلة لهذا النوع من الكتب الفكرية. ملاحظة تقنية: خلال الطباعة هناك بعض الأخطاء البسيطة مثل اتصال كلمتين معا بين صفحة 25،26، 27. |