|
نيويورك .. الجميع يحتاجها وهي لا تحتاج احد
نشر بتاريخ: 11/09/2017 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
اعادة نشر
لا أحب الكتابة عن الزعماء والقادة ولا حتى البشر ، لانهم يتغيرون بسرعة كبيرة ، اما المدن والانهار فلا تتغير بسهولة ، ولا أبالغ اذا قلت ان المدينة لا يكتمل جمالها الا اذا كان بها نهر يشقها ويفتح صدرها لتتلألأ منها كنوز الحضارات . ومثل القاهرة والخرطوم وبغداد وصوفيا وبخارست وباريس وجدت مدينة نيويورك (New York City) وهي الأكبر والأكثف سكانا من مدن الولايات المتحدة. عدد سكانها 8٫538 مليون حسب احصائيات عام 2016 وهي أحد أهم مراكز التجارة والمال في العالم. نيويورك هي أيضا أكبر مدن ولاية نيويورك الأمريكية (New York State)، كما تعد المدينة عاصمة اقتصادية للولايات المتحدة لكثرة مقار الشركات والبنوك العالمية فيها. يوجد بها مقر هيئة الأمم المتحدة وسوق الأوراق المالية مؤشر الداو جونز الصناعي.فيها جمال اوروبا وحماس الافارقة وتاريخ الهنود ونشاط المكسيك ومغامرة الاسبان وخيال الاغريق ونفط العرب وغرائب استراليا وصقيع كندا وشساعة الاطلنطي وبهارات الهندي وسوبرنيك اليابان وطعم المتوسط ... أول مرة دخلت نيويورك ، لم أفهمها . وفي المرة الثانية ازداد اندهاشي بها ، وفي المرة الثالثة بقيت صامتا وفي الرابعة أكتب من حي بروكلين ومن شارع برودوي الشهير ، ارى نهر الهودسون فأخاله يتخذ شكل مقاتل في مهمة ، نهر صامت وقوي ، لئيم في تحديه للبنايات الشاهقة ولسان حاله يقول للبشر : ابنوا ما شئتم من عمارات شاهقة لكنكم ستعودون لنيل الرضى مني أنا ، نهر مكابر ومغرور . يمشي وكأنما لا يكترث لاحياء مانهاتن وبرونكس وبروكلين وسنترال بارك. ومهما غاب الناس في شارع برودواي ، الا أن اية حركة من الزائر ستؤدي به الى النهر مرة اخرى ، وكأنه يقول : ألم اقل لكم انا المدينة والمدينة انا ، ولان الانهار لا تكذب ابدا ، بداخلنا هاجس يهمس ان نصدق الانهار اكثر مما نصدق البحار والمحيطات والبحيرات وحتى الابار .. فالنهر فعل مضارع اما البحر فهو نهر ماضي بينما البحيرات والابار مجرد سكون . أهل نيويورك ذوي البشرة الشقراء جاءوا اصلا من هولندا حين اكتشف جيوفاني دي فيرازانو ميناء نيو يورك في 1524. وفي عام 1624 تأسست أول مستعمرة هولندية في مدينة فورت اورانج وهي حاليا مدينة الباني عاصمة ولاية نيويورك. وقام بيتر مينويت بشراء جزيرة مانهاتن من الهنود الحمر في نفس العام وأسس مستعمرة نيوامستردام مدينة نيويورك حاليا. البريطانية غزت مستعمرة الهولندية في 24 يونيو 1664 ،واحتلتها في اكتوبر 1664.لقد تكون أساسا سكان نيويورك من الهجرة الوافدة المسترسلة في الزمان، وفي سنة 1626 شهدت نيويورك ارتفاعا في عدد سكانها إلى حوالي الألف أي سنة 1656 على أثر قدوم البريطانيين والألمان والاسكندنافيين. وفي سنة 1800 بلغ عدد السكان 60000 نسمة وكان جلهم من البريطانيين، ثم توافد بين سنتي 1850 و1860 الألمان والإيرلنديون بأعداد كبيرة فتضاعف عدد السكان 10 مرات. وفي نهاية القرن التاسع عشر أفضى توافد الأوروبيين الشرقيين والإيطاليين إلى تضاعف العدد ثلاثة مرات. ولما دخل قانون الحصص حيز التطبيق لصد الهجرة الوافدة خلال العشرينات أقبل السود على المدينة من جنوب الولايات المتحدة الأمريكية بأعداد غفيرة فبلغ العدد 5.2 مليون ساكن. وفي سنة 1990 قدر عدد سكان نيويورك المولودين بالخارج بنسبة 30 % نتيجة توافد اللاجئين من جنوب شرقي آسيا والكراييب وإفريقيا وأمريكا الجنوبية والوسطى منذ الستينات. النساء تعمل ولذلك ترى معظم من يسير في الشارع نساء بينما الاطفال مع جليسة الاطفال في المنزل أو في الحضانات والمدارس ... ويبدو ان الأمر منوط بالواقع الاقتصادي فعلا . فقد لاحظت قبل شهر ان معظم النسوة يسرن في شوارع بوخارست الرومانية ومعهن أطفالهن بسبب البطالة وعدم وجود عمل ، اما نيويورك فتوفر سبعة ملايين وظيفة، منها ثلاثة ملايين وثلث مليون وظيفة في داخل المدينة، والبقية في الضواحي. واقتصاد المدينة وضواحيها في نمو مستمر. ومنذ عام 1940م، واقتصاد الضواحي يتطور بصورة أكبر نتيجة لانتشار الطرق وزيادة القوى العاملة. واريد ان اكتب حتى يقرأ رؤساء بلدياتنا " تأتي نيويورك في المرتبة الثالثة بعد لوس أنجلوس وشيكاغو، من حيث النشاط الصناعي؛ إذ يوجد فيها 17,000 مصنع تعمل في مجال الملابس، وتنتج نيويورك سدس إنتاج الولايات المتحدة من الطباعة والنشر، كما تنتج الأغذية والمواد الكيميائية، والأثاث والورق والمنسوجات. ويعد ميناء نيويورك من أكبر الموانئ التي تعمل في مجال الاستيراد والتصدير، حيث يعمل به 200,000 عامل، لكن مكانته تدهورت قليلا بعد فتح الموانئ الأخرى على البحيرات العظمى ونهر سانت لورنس. أما شركات المال والتأمين والأسهم والعقارات، فيعمل بها نحو 495,000 عامل، وأشهرها بورصة نيويورك. ثلاثة ملايين ونصف مليون فرد في نيويورك يستخدمون سيارات الاجرة والمترو والقطارات والسفن يوميا !!!! وتعد نيويورك أيضا أكبر مركز للاتصال في الولايات المتحدة، حيث يوجد بها العديد من شركات الاتصال والطباعة والنشر، وبها نحو 60 محطة للإرسال الإذاعي والتلفاز. كما تعد نيويورك من أكبر المراكز الثقافية في العالم، حيث يوجد بها العديد من قاعات الفنون والمسارح والموسيقى والمتاحف والجمعيات الثقافية الشهيرة على شارع برودواي. كما ينتسب إليها بعض الشعراء والكتاب والممثلين والفنانين المشهورين. أدى أغنياء المدينة دورا مهماً في دعم النشاط الثقافي. كما كان لوجود جو التعبير الحر والعديد من شركات الإعلان والاتصال إسهام كبير في ازدهار الثقافة في المدينة. ولم استغرب حين استوقفني شبان اكثر من مرة يطلبون مساعدة دولار او اقل ، وكم كان استغرابي وجود الفقر والجريمة والمخدرات والتفرقة العنصرية بكثرة في هذه المدينة الهائلة ؛ ففي نيويورك وحدها نصف مدمني المخدرات في الولايات المتحدة، كما أن بها أربعة ملايين مواطن يعيشون على اعانات الضمان الاجتماعي. ويعد السكن من أهم المشاكل في نيويورك. إذ يسكن نحو 65% من سكان المدينة في شقق أو فنادق مؤجرة خلافـًا لما يوجد في الولايات الأخرى، حيث تسكن غالبية الأسر في منازل منفردة ومملوكة. كما أن غالبية منازل المدينة قديمة بنيت قبل عام 1940م، وتحتاج إلى التجديد. ومنذ عدة سنوات لا يوجد حاويات نفايات في شوارع نيويورك لان رئيس البلدية أمر باخلاء جميع النفايات على مدار الساعة دون تراكمها في الحاويات . وبعيدا عن ارقام واحصائيات جوجل حول نيويورك ، اني ارى مرة اخرى واخرى ، ان المدن تشبه انهارها ، ونيويورك تشبه الهودسون ، جميلة وغريبة ، لا تكترث باحد ، لا تعتذر لاحد ، ولا تريد من احد ان يعتذر لها ، تعيش لوحدها الف عام اخر دون الحاجة ان تنافق اية مدينة او تحبو لها ... وفي نيويورك تجد كل شئ مصنوع بدقة لكنه ناقص ... ينقصه الحنان ، لذلك يمكن لنيويورك ان تكون اي شئ الا ان تكون منزلا ، يمكن ان تكون مصنعا او مطارا او مكان عمل او حديقة عامة او مسرح او فندق ، لكنها ليست منزلا هادئا ... وكأنني اشعر بنهر الهودسون ينظر نحوي من شدة الغضب ... لكن نيويورك لا تغضب ابدا ، وحين ضربها اسامة بن لادن غضب اهل واشنطن اما اهل نيويورك ...... فلا يكترثون اصلا . ويواصلون توحّدهم مع نهر الحياة السريع . نيويورك ليست لاحد .. وكل غريب يعتقد انها صارت له . |