وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

المصالحة والمتنافسون السياسيون

نشر بتاريخ: 05/10/2017 ( آخر تحديث: 05/10/2017 الساعة: 11:14 )
المصالحة والمتنافسون السياسيون
الكاتب: نبيل الزيناتي
المصالحة لا تعني تصالح القوى السياسية مع بعضها، فهذا لا يحصل حتى في أرقى الدول الديمقراطية، فمن الطبيعي أن يكون المتنافسون السياسيون مستمرون في الخلافات الفكرية والمرجعيات الأيدلوجية بين بعضهم البعض. المصالحة الوطنية تحصل بين أبناء المجتمع الذي يعاني أزمة في العلاقات بين مكوناته الاجتماعية أو العرقية أو الدينية وحتى الطبقية، مما يشكل حالة إنهاء العداء والعنف وانعدام الثقة بين فرقاء في المجتمع، والانتقال بالجميع إلى مجتمع جديد قائم على الوئام والتفاهم وفق قوانين وأسس جديدة يتم التوافق عليها والالتزام بهاء في كل الأوقات والظروف، وأول هذه القوانين وأهمها هو العفو عن التجاوزات التي حدثت عندما تجاوز الفرقاء القانون الأساسي واحتكموا لأساليب أوصلت قضيتنا إلي ما وصلت إليه.
المصالحة تعني التضحية بالحقوق والعفو عن المتجاوزين الذين اضطرتهم الظروف السابقة -ربما كانت مفروضة عليهم- إلى ارتكاب أعمال غير إنسانية، لكنها كانت مقبولة لدى الأطراف المتناحرة، وهؤلاء الذين يطالبون بالثأر والعدل إنما لا يعرفون معنى المصالحة الوطنية ولا يفهمون طبيعة المجتمع؛ فالمتجاوزين السابقين مستفيدون من تلك الفترة، والمجتمع ككل سيستفيد اليوم من المصالحة الوطنية وسينعم الجميع بالاستقرار والقبول الدولي والتقدم الاقتصادي.
وبالنظر لكثير من التجارب، كجنوب أفريقيا اليوم فإننا سنكتشف كيف أصبحت من الدول المتقدمة علمياً والصاعدة في مقياس التقدم الاجتماعي والاقتصادي، والسؤال: كيف تحقق ذلك؟ بالتأكيد ستكون الإجابة: إن أحد أهم هذه الأسباب هو المصالحة التي تمكن قادتها من تحقيقها بالصفح عن المتجاوزين إبان نظام الفصل العنصري السابق. ولولا المصالحة الوطنية لبقي الجميع يتحاربون حتى اللحظة، وأصبحت جنوب أفريقيا من البلدان المدمرة اقتصادياً واجتماعياً فيسعى أهلها لطلب اللجوء في البلدان الأخرى.
إن قادة الأزمات والحروب لا يصلحون لمرحلة المصالحة، إلا إن غيروا من أفكارهم وأساليبهم وقد يكون ذلك صعباً على بعضهم، وبالنظر إلى المصالحة في جنوب أفريقيا التي لم تتحقق إلا بعد أن غادر (بي دبليو بوثا) المسرح السياسي وتولى خلفه (أف دبليو دكليرك) القيادة، لنفهم معنى المصالحة الحقيقي بتغير الشخوص أيضاً. كما الحال في أيرلندا الشمالية عندما تنحى الزعيم البروتستانتي المتشدد (إيان بيزلي) عن القيادة لجيل جديد يريد أن يمضي في طريق الحياة والتقدم. و(نستون تشرشل) الذي قاد بريطانيا نحو النصر في الحرب العالمية الثانية فشل في انتخابات ما بعد الحرب لأن الشعب البريطاني أراد قيادة جديدة تبني ما دمرته الحرب وأدرك أن الذي انتصر في الحرب ربما لا يصلح لأن ينتصر في معركة السلام والبناء.
المصالحة الوطنية مرهونة بقدرة القادة السياسيين على التوصل إلى صيغة ترضي الجميع وتقنعهم بالعمل معاً لإصلاح العلاقات الوطنية التي أفسدها الانقسام والاقتتال، والتزام الجميع بالاحتكام للنظام الأساسي الفلسطيني.
إن عدم قدرتنا علي تقديم نموذج وطني موحد نقدمه للعالم سيحرج المناصرين لقضيتنا العادلة وسيهدم صرحنا في المحافل الدولية، لذا المصالحة عمل نضالي رفيع خاصة في ظل الظروف الراهنة.
قادة حكومة الاحتلال أعلنوا رسمياً موقفهم من المصالحة الفلسطينية، وبذلك يصبح كل من يتساوق مع مطالب الاحتلال هو جزء من هذه المنظومة الاحتلالية التي تسعي دائماً لتعزيز الفرقة والانقسام الوطني واستنزاف طاقاتنا بعوامل الانقسام.
غزة تنتظر أفعال يلتمسها المواطن الذي دفع ثمن الانقسام وليس أقوال، وبحاجة إلي جني ثمار المصالحة الوطنية عملاً وليس قولاً كي تدعم الجهود ويحتضن الناس حكومتهم.