وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اسرائيل تسعى لتحويل الصراع

نشر بتاريخ: 14/10/2017 ( آخر تحديث: 14/10/2017 الساعة: 13:55 )
اسرائيل تسعى لتحويل الصراع
الكاتب: سمير عباهرة
برزت في الاونة الاخيرة محاولات عديدة من قبل اسرائيل لإدخال عوامل ومتغيرات على طبيعة الصراع بهدف إخراجه من مضمونه وتركزت هذه المحاولات في مجملها على الحل الاقليمي والاقتصاد واستبعاد قيام دولة فلسطينية والاستمرار في سياسة الاستيطان. وتزامنت المحاولات الاسرائيلية هذه مع تحولات وتغيرات اخرى تركت تداعياتها على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وعلى السياسة الدولية منذ اخر محاولة قادها وزير الخارجية الامريكي السابق جون كيري لإعادة الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي الى طاولة المفاوضات.
وكثيرا ما تفرض هذه التحولات نفسها على مواقف أطراف الصراع التي تتأثر كثيرا بهذه التحولات في مواقف ربما مغايرة او مسايرة لها. ومنذ ان بدأت وسائل الاعلام تتناقل اخبار اتفاق الفلسطينيين على انهاء الانقسام وتحقيق المصالحة هبت رياح التنغيص على اسرائيل وانشغلت الاوساط السياسية والأمنية الاسرائيلية بالمصالحة الفلسطينية وتسابق الساسة الاسرائيليين على الادلاء بتصريحاتهم والتي شكلت مفاجأة لهم.
وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان ووسط هذه الاحداث والتطورات المتعلقة بالقضية الفلسطينية والتي ربطها بعض المحللين والمراقبين بأنها تأتي في سياق ترتيبات اقليمية محتملة لتحريك عملية السلام استنادا الى بعض المؤشرات الواردة من واشنطن، واستبق ليبرمان هذه التفاعلات بتأكيده على معارضة أي اتفاق ثنائي مع الفلسطينيين وان التسوية معهم ممكنة فقط من خلال تسوية اقليمية شاملة وان القضية ليست قضية تسوية مع الفلسطينيين وإنما مع العالم العربي.
ليبرمان لا يختلف عن رئيسه نتنياهو فمنذ فترة ليست بالقصيرة ومحاولات نتنياهو جارية من اجل التقارب مع العالم العربي انطلاقا من محددات عدة اهمها ان اسرائيل والعالم العربي يجمعهما مصير واحد في مواجهة بعض الاخطار التي تحيط بالجانبين وأهمها الخطر القادم من داعش والخطر الايراني الذي يتقاسمه جزء كبير من العالم العربي مع اسرائيل.
وكثيرا ما تحدث نتنياهو حول عدم الاستقرار في الشرق الاوسط الذي يعود في اسبابه الى التطرف الاسلامي وتنظيم داعش وادعاء نتنياهو ان اسرائيل مستهدفة ايضا من قبل الارهاب كما هي البلاد العربية وأبرز نتنياهو في تصريحاته بأن هناك ارهابا آخر يضرب اسرائيل وهو "الارهاب الفلسطيني". ويحاول نتنياهو تعزيز مواقفه بالإشارة الى ان جذور النزاع الاسرائيلي في الشرق الاوسط ليس بسبب المستوطنات والاحتلال وانما بسبب الاسلام المتطرف، وكأن نتنياهو يريد ان يضفي صبغة الشرعية على احتلاله للأراضي الفلسطينية وإقامة المستوطنات عليها.
لكن وزير الخارجية الامريكي السابق جون كيري كان المح الى ان عدم الاستقرار في المنطقة ايضا يعود في اجزاء منه الى عدم تحقيق السلام الذي قد يؤدي الى تداعيات خطيرة في المنطقة يتحمل مسئوليتها اؤلئك الذين "لا يؤمنون بحل الدولتين" مؤكدا انه ان لم يكن هناك دولتين فلن تكون هناك "دولة واحدة" متسائلا فيما اذا كانت اسرائيل تعي مثل هذه العواقب،وهذه اشارة واضحة بان عدم الاستقرار في المنطقة ليست بسبب الخطر الايراني وخطر داعش فحسب بل بسبب السياسة الاسرائيلية او الخطر الاسرائيلي.
ربما يحاول نتنياهو ان يقنع نفسه ببعض المقولات التي يتم تداولها منذ فترة في بعض وسائل الاعلام المؤيدة لاسرائيل نتيجة الاضطرابات في العالم العربي والذي اطلق عليها الكثيرون بشكل خاطئ "الربيع العربي" والتي تقول ان ذلك ادى الى انخفاض غير مسبوق في طريقة تعامل الانظمة العربية مع القضية الفلسطينية وفي الدعم الذي تقدمه للمطالب الفلسطينية. وكان نتنياهو يمني النفس ان تكون قناعاته دقيقة حتى يستطيع الدخول الى اعماق العالم العربي تحت حجة المصالح المشتركة. لكن هناك حقائق متعارضة تقفان ضد منطلقات نتنياهو للنفاذ الى العمق العربي وهي ان الارهاب الاسرائيلي سبق التطرف الاسلامي الذي انبثقت عنه داعش بعشرات السنين والحقيقة التي لا تقبل التأويل وبات يعرفها القاصي والداني بأن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في الشرق الاوسط هو الاحتلال الاسرائيلي وهو الذي شجع على ظهور تيارات الاسلام المتطرف حيث ان ظهور هذه التيارات اكد وجود علاقة بين احتلال فلسطين وبين الاهداف التي انطلقت من اجلها.
الصراع في المنطقة اخذ طابعا فلسطينيا اسرائيليا وهذا يعترف العالم اجمع به والا لما كانت هناك مفاوضات استمرت لاكثر من عقدين من الزمن بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ولما كانت هناك مطالب دولية بحل الدولتين وليبرمان لا يستطيع تغيير حقائق تاريخية بين عشية وضحاها وعليه ان يوفر عناء جهوده وأحلامه في امكانية استنساخ سلام اقليمي على حساب القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني. ولو كان ليبرمان يستطيع تحقيق تسوية اقليمية في ظل غياب الفلسطينيين فلماذا تأخر عنها.
صحيح انه هناك اختلال في موازين القوى لصالح اسرائيل لكن مفهوم التسوية تفترض اتفاق الطرفين وليس فرض الحل من طرف واحد وان افق ليبرمان ليس بأوسع من الافق السياسي للولايات المتحدة ولو كانت الولايات المتحدة تعتقد بما يقوله ليبرمان لوقعت على هذه الاتفاقيات منذ فترة لكنها تعتقد بان لب الصراع هم الفلسطينيون والحل يجب ان يبدأ بهم.
وعندما يتحدث ليبرمان بنبرة غريبة بأن التسوية في المنطقة ليست قضية تسوية مع الفلسطينيين وإنما ستكون نتيجة لتسوية مع العالم العربي فانه يكون قد وقع في شرك ادعاءاته بتجاهل الفلسطينيين، فقد جربت اسرائيل انواعا من الحلول من خلال اتفاقيات سلام مع اطراف عربية لكنها لم تحل المشكلة وبقي الصراع قائما وبقيت اسرائيل تعاني من عدم توفر الامن والأمان وان التسوية الشاملة مع العالم العربي التي يتحدث ليبرمان عنها لن تتحقق في ظل غياب الطرف الفلسطيني الحاسم.