|
كاترينا فلسطينية- بقلم: عيسى قراقع
نشر بتاريخ: 08/10/2005 ( آخر تحديث: 08/10/2005 الساعة: 10:48 )
معا- يكفي ان تقرأ عناوين الصحف اليومية لتدرك حجم الحرب التي تشنها حكومة اسرائيل على الشعب الفلسطيني، وخطورة هذه الحرب انها تشن بلا ضجيج، تسلخ الجسد، وتمزق الهوية، وتحطم المستقبل وتزيد من اليأس والفقر والاحباط، تضع كل الناس في سجون مادية ونفسية وكل ذلك تحت شرعية "مكافحة الارهاب الفلسطيني" والحفاظ على الامن بمباركة دولية واوروبية.
لقد شنت اسرائيل حملات اعتقالات جماعية سياسية طالت ما يقارب 500 مواطن فلسطيني في الاونة الاخيرة اغلبهم حولوا الى الاعتقال الاداري المحرم دولياً بعد ان هدد شارون بمنع مشاركة حركة حماس في انتخابات المجلس التشريعي لتصبح حكومة الاحتلال لاعباً اساسياً في تحديد طبيعة النظام السياسي الفلسطيني القادم. وقامت اسرائيل بشن حرب صاروخية ومدفعية على قطاع غزة واكملت مسار جدار الفصل العنصري حول القدس وبدأت بتنفيذ رؤيتها على الارض بتعزيز الاستيطان في الضفة الغربية لترتفع نسبة الوحدات الاستيطانية الى 83% حسب تقرير منظمة السلام الان الاسرائيلية. لقد مزقت اسرائيل المجتمع الفلسطيني الى اشلاء منفصلة عن بعضها البعض ولم يبق من حلم الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة والتواصل الجغرافي سوى الوهم او الاستسلام. وامام هذا الخطر الذي يهدد المستقبل الفلسطيني تتراجع الذات الفلسطينية الى الداخل، تناحراً وصراعاً مخيفاً من عمليات اختطاف متبادلة ومرعبة واستعراض للقوى وتحشيد بالسلاح والجمهور وفلتان على كل المستويات، المستوى القيمي والسياسي والقانوني والاخلاقي... فالمليشيات المسلحة هي السلطة الفعلية على الارض، ميليشيات عشائرية او مراكز قوى لم تنجح كل جهود لجان المتابعة الوطنية واللقاءات الفصائلية وتشريعات القوانين من وضح حدٍ لها. ولست مع هؤلاء الذين يعلقون على الاحتلال كل هذا الخراب الداخلي، فمقتل اكثر من 140 مواطناً في صراعات مسلحة داخلية واطلاق النار على النواب والمسؤولين واقتحام المنازل والاختطاف والثأر وتصفية الحسابات تشير الى انهيار الجهاز السياسي والامني والقضائي الفلسطيني، ولم يحاسب احد...ملفات ظلت مفتوحة او مغلقة او أُغلقت بقرار من احد ملوك الصراع.. ان "كاترينا" فلسطينية في الطريق...عاصفة سوداء ساخطة وغاضبة تجتاح المجتمع الفلسطيني، ولم يعد احد يصدق الرئيس ابو مازن وهو يقول لا يجوز لأحد ان يأخذ حقه بيده في الوقت الذي عجز فيه عن ملاحقة ومحاسبة من قتل اللواء موسى عرفات بطريقة مثيرة وبعقلية مخيفة لا يتصورها احد...ولم نر القضاء الفلسطيني قد قدم أي شخص او مسؤول للمحاكمة على اطلاق النار وارتكابه جرائم قتل سياسية لأنصاف الضحايا، فالمحكمة يقودها مسلحون، والحكم يصدر في بيان صحفي علني وفي وضح النهار. انا شخصيا وكمواطن تمنيت امنية صغيرة فقط وهي ان ارى ذلك المسؤول الذي خلط البنزين بالماء في سنوات الاجتياح القاسية عام 2002 يمثل امام المحكمة الفلسطينية، سأقول له ان ما فعله كان اقسى من رؤية مجنزرات شارون ودباباته في حاراتنا وشوارعنا لأن شارون كان واضحاً في عدائه اما انت فكنت تاجر حرب، تستغل ببشاعة ظروفنا الصعبة والقاسية. انني اشعر بقلق على الحياة الفلسطينية التي بات يحكمها الشعار...وقد ارتبكت العناوين...واختلطت الاولويات...نحن متجهون الى حجب الثقة عن الحكومة ام الى انهاء الفلتان الامني المتصاعد ام الى البرايمرز المفتوح العضوية لحركة فتح حيث يتساوى السياسي مع العشائري والصالح مع الطالح، ام نحن متجهون لاستكمال مشروع التحرر الوطني والتصدي للاحتلال ومخاطره التي بدأت واضحة في انهاء الكيان السياسي الفلسطيني. هذا القلق يجعلني اقول ان السلطة الفلسطينية بكافة هيئاتها اصبح وجودها محل تساؤل، كونها تحولت بطريقة ما الى غطاء شرعي لتعميق وجود الاحتلال في الحياة الفلسطينية، متحملة كل اعباء بناء المجتمع المدني الفلسطيني تحت حراب ومدافع وحصار الجيش الاسرائيلي، وقد تكون اسرائيل قد نجحت وبغطاء دولي في تحويل السلطة الى سلطة وظيفية، الرواتب، والوظائف والشؤون الاجتماعية وحل الصراعات الداخلية ومكافحة الفقر والبطالة ليرتاح الاحتلال من هذه الاعباء ويخلي مسؤوليته الدولية والقانونية والاقتصادية منها. والذي يؤكد اننا الشعب الفلسطيني بكافة الوانه السياسية المحشورين في سجون وكانتونات والملاحقين والمذلين على الحواجز العسكرية من جنود الاحتلال، قتلاً واعتقالاً بدأت اولوياتنا بقدرة قادر تتجه نحو الصراع على السلطة....ليصبح خبر اغتيال خمسة شهداء في طولكرم او خانيونس او حتى خبر بناء مزبلة ضخمة للنفايات الاسرائيلية في رام الله لا يثير الاهتمام بقدر ما يثيره التزاحم المحموم الان حول انتخابات المجلس التشريعي. نعم ان كاترينا فلسطينية في الافق...كاترينا مسعورة ستضرب الجميع، وتهزّ العروش والطموحات والحسابات الضيقة...كاترينا ستقول لكل التنظيمات كفى...اعيدوا صياغة الرؤية وانتبهوا بمسؤولية لضحاياكم القادمين... كاترينا قادمة من ثمانية وعشرين سنة في السجن للاسير سعيد العتبة، عمر مقصوف، وجوع للحرية محشوة بالرماد والملح والانتظار... كاترينا من دموع عصام سلامة الذي ظل يبكي حتى مات في السجون المصرية بعد 25 عام دون ان يتحرك احد وكانوا يعلمون... كاترينا الطفل نور غانم اصغر اسير فلسطيني، يفارق امه بعد ان اصبح جسده من حديد ولغته من دخان... كاترينا الفقراء الذين ينتظرون برنامج البطالة ليعودوا برغيف الخبز الى ابنائهم ساعة الافطار... كاترينا المسحوقين الذين لم تشفع لهم سنوات السجن والمرض ان يكونوا اسياداً وحراساً على نضالاتهم الغابرة.. كاترينا شعب حولوه الى ارهابي ومجرم حتى نسي الانشودة وحشروه في برنامج الاصلاح اللغوي والسلام الذي يثبت ان الضحية تجيد النسيان... كاترينا اجيال لا زالت تبحث عن المعنى الاخير في قصائد ابراهيم طوقان قبل ان يرقص الحبشي الذبيح في حوش الدار.. ان الاهتمام بتسعة الاف معتقل يعيشون في اوضاع مأساوية والعمل على اعادة رفات مئات الشهداء المحتجزين في مقابر الارقام الاسرائيلية، وتحريك المجتمع الدولي انسانياً وقانونياً وكشف جرائم الحرب التي تمارس بحق الانسان والارض، وتكريس وحدة وطنية قائمة على برنامج التحرر الوطني وليس على تكريس مراكز القوى افضل الف مرة من الصراع على سلطة وظيفية لا ارض محررة لها ولا سيادة لمجالها القانوني والاداري يُحّملها الجميع كل اعباء العاصفة... |