وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

غزو بريطانيا

نشر بتاريخ: 30/10/2017 ( آخر تحديث: 30/10/2017 الساعة: 10:29 )
غزو بريطانيا
الكاتب: د. هاني العقاد
تعتزم الحكومة البريطانية هذه الايام الاحتفال بالذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم الجريمة البريطانية الكبيرة بحق شعبنا وارضنا وتاريخنا الفلسطيني والتي منحت اليهود وطن قومي في فلسطين وانكرت في نفس الوقت وحتى الان الحقوق الفلسطينية لهذا الشعب في ارضه وترابه وحقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني, اليوم تعتزم بريطانيا تكرار هذه الجريمة النكراء بالاحتفال بمرور مائة عام على هذا الوعد اللا اخلاقي والا انساني وغير القانوني، هذا الوعد الذي كان سببا في ابادة شعب وسرقة ارضه واستحلال ترابه الوطني بالاستيطان وكان سببا في سرقة حضارته وانكار وجوده الانساني والسياسي وطمس كل عناوين هويته الوطنية، هذا الوعد الذي كان سببا في عدم استقرار المنطقة العربية لمائة عام حتى الان ليس بسبب الانحياز الواضح والجلي لهذه القوة التي اعطت نفسها الحق في الاتجار بالأرض واوطان الامة العربية واولها الوطن الفلسطيني بل وتقديم كل اشكال الدعم المادي والعسكري لدولة الاحتلال منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا.
تمادت بريطانيا في غيها وسطوتها على حقوق الغير والغريب انها تتمادي اليوم وعلى امتداد المائة عام دون ان تجري اي مراجعة لجريمتها او دون ان يكون للشعب البريطاني حتى رأي فيما تصر حكومتهم على فعله بإعلانها الاحتفال باحياء ذكرى بلفور اللعين، ولم تكن تلك الاحداث والجرائم الكبيرة والمذابح الدامية التي ترتكب على مدار الساعة بحق الانسانية من قبل الاحتلال الاسرائيلي قادرة على احياء ضمير بريطانيا لتصحح جريمتها وتعود عن ما فعلته على الاقل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية على التراب الوطني الفلسطيني بحدود الرابع من يونيو حزيران 1967، ولعل هذا التمادي يعني أن بريطانيا بلا ضمير ويعني ان شعبها لم يتم العمل عليه والتأثير عليه من قبل دعاة الحق الفلسطيني والجهات الفلسطينية المختصة سواء من الجاليات المقيمة هناك او من قبل الهيئات السياسية المختلفة.
اليوم مع حملة النضال الدبلوماسي والسياسي الواسعة للقيادة الفلسطينية والتي تسعى الى الانضمام لعشرات من الهيئات والمنظمات الدولية والنجاح الذي حققته والاعترافات التي جاءت على اثر ذلك لم تكن كافية لان تحقق اختراقا في موقف بريطانيا الازلي من نصرة الحق الفلسطيني وتبني على الاقل سياسة معتدلة نوعا ما تجاه الصراع والوقوف انسانيا في وجه الاحتلال الاسرائيلي باعتباره احتلالا جاء بفعل وعد بلفور الذي مكن اليهود من فلسطين وابقى احتلالهم حتى هذا التاريخ، لذا بات علينا كفلسطينيين ان نغزو بريطانيا ونحارب اعلاميا وثقافيا على كافة المستويات والاصعدة وهذا الغزو يحتاج الى جيش كبير ومتخصص من النشطاء والاعلامين والمثقفين والسياسيين الذين لديهم القدرة على ادارة وتنفيذ برامج موجهة وبرامج نوعية مبنية على الحقائق التي غيبت عن المواطن البريطاني ولم يستطع الحصول عليها او ما اكترث بالحصول عليها لأسباب مختلفة، ولعل هذه البرامج تستهدف كل فئات المجتمع البريطاني ومؤسساته المدنية والسياسية على السواء، ويستطيع هذا الجيش العمل مع كافة الاحزاب السياسية التي مازالت تناصر الحق الفلسطيني كحزب العمل البريطاني والذي رفض رئيسه مؤخرا السيد جرمي كورين ما ستقوم به حكومة بريطانيا من اعادة التأكيد على جريمتها بالاحتفال بذكرى وعد بلفور المشئوم وبالتالي رفض حضور هذا الاحتفال الذي سيؤثر على علاقة بريطانيا بكل الشعوب المتحررة.
لذا فان غزو بريطانيا اصبح من الاهمية الكبرى والضرورية قبل محاكمتها وقبل ان نستخدم مزيدا من العبارات التي تدين قيام حكومتها الحالية بفتح الجراح ووضع مزيد من الملح فيها ليتألم اصحاب الجرح النازف منذ اكثر من مائة عام حتى الان وهم الفلسطينيون اصحاب الارض التي سرقتها بريطانيا واهدتها لقوى الشر والاحتلال، ولعل غزو بريطانيا لا يحتاج الى جيش يمتلك كل القدرات والادوات والوسائل الاعلامية فقط بقدر ما يحتاج الى خطة للغز ولغة جيدة يفهمها المقابل المستهدف، ولتنجح الحملة في اقصر وقت ممكن وتستطيع احداث اختراق فكري وثقافي يعمل على معالجة الثقافة السياسية للمواطن البريطاني لابد من دعم كل عمل او نشاط بالحقائق والمستندات والوثائق التاريخية الرسمية، واذا حققت الخطة نجاحا تجاه تغيير الثقافة السياسية للمواطن البريطاني فان هذا التغير سيتجه بالتأكيد تجاه مناصرة الحقوق الفلسطينية التاريخية وغير قابلة للتصرف.
في الجانب الاخر لا بد من الاستمرار في محاسبة بريطانيا وحكومتها قانونيا وامام المحاكم الدولية ذات العلاقة وامام المجتمع الدولي لكي تجبر بريطانيا على الاعتراف ان جريمتها كانت ومازالت جريمة بحق الانسانية تتطلب التكفير عنها بدفع التعويضات المطلوبة ماديا ومعنويا وسياسيا لصالح الفلسطينيين، هذه الجريمة التي ستبقي تتسبب في مزيد من العذابات والالم وترسم اثار تلك الالام على الجسد الفلسطيني في المنافي والمخيمات والمدن والقرى الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية والقدس والقطاع الى ان يحقق ابناء الشعب الفلسطيني استقلالهم ويعلنوا قيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس العربية .
[email protected]