|
الهجوم "الاستثقافي" على حركة المقاطعة- بي دي أس
نشر بتاريخ: 31/10/2017 ( آخر تحديث: 31/10/2017 الساعة: 12:33 )
الكاتب: حيدر عيد
أثارت قضية منع عرض فيلم للمخرج المطبع زياد دويري في رام الله العديد من التساؤلات التي كالت الاتهامات - جزافاً ودون سند في معظم الأحيان - على حركة مقاطعة إسرائيل بي دي أس وقيادتها المتمثلة باللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل, والحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل.
ويتراوح النقد الوارد في بعض المقالات ما بين نعت الحملة بـ"الاستبدادية" أو “الانتقائية," أو "عدم الوضوح" في معايير المقاطعة وتعريف "التطبيع". رغم الادعاءات المغلوطة والاستنتاجات غير المنطقية الواردة في العديد من هذه المقالات، إلا إن الحركة أعلنت أنها ترحب بكل ما من شأنه أن يوسع دائرة الحوار المجتمعي الفلسطيني حول معايير ومبادئ حركة مقاطعة إسرائيل. فقد رحبت حملة المقاطعة بالمشاركة الفاعلة لعدد كبير من المثقفين/ات والفنانين/ات الفلسطينيين في لقاءاتنا العديدة التي طورنا فيها معايير المقاطعة، حيث أدلوا بآرائهم ونقدهم بشكل بنّاء، بدل اللجوء للهجوم على صفحات بعض المجلات التي تدار من قبل بعض "المستثقفين/ات" المنعزلين/ات عن الهموم اليومية للشعب الفلسطيني. بل أن الملاحظ هو عدم انخراط الكثيرين منهم في أي فعالية أو نشاط يدعو لمقاطعة إسرائيل, وتفضيلهم لتوجيه النقد من أيراج عاجية تجنبهم الاحتكاك بالقاعدة العريضة والعمل على الأرض في أطار أبرز أشكال المقاومة الشعبية. وفي ظل الخلط المتعمد أحياناً وغير المقصود أحياناً أخرى, بين الدعوة لمقاطعة مخرج مطبع يصر على الدفاع عن أفعاله التطبيعية الفجة, وحرية يتم التناسي أن أن المنطق الأساسي لحركة المقاطعة يبقى واحداً، وهو تفعيل وتعزيز كافة أشكال الضغط المتاحة على إسرائيل والمؤسسات والشركات المتواطئة في اضطهادها المركّب لشعبنا، بما يراعي خصوصية السياق في كل موقع ويضمن الاستدامة والفاعلية، من أجل استعادة الحقوق الأساسية لشعبنا وأهمها التحرر والعودة إلى الديار وممارسة حقنا غير القابل للتصرف في تقرير مصيرنا على أرضنا. من هذا المنحى، فإن مقاطعة إسرائيل هي استراتيجية رئيسية في مقاومتنا للاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي، تهدف إلى عزل إسرائيل دولياً ومقاومتها داخلياً وعربياً لتعديل موازين القوى لصالح شعبنا ونضالنا من أجل حقوقنا. لا يمكن القيام بذلك دون فك التبعية واستهداف التطبيع بأشكاله والتزام مثقفينا وفنانينا، قبل غيرهم، بقطع كل العلاقات الطوعية التي تسهم، بغض النظر عن نواياهم، في تعزيز الهيمنة الإسرائيلية وصورة "الحالة الطبيعة" التي تروجها إسرائيل دولياً. تُثير بعض المقالات حجج غريبة نوعاً ما لا بد من التوقف عندها، وهي أن كون اللجنة الوطنية للمقاطعة، التي تقود الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل (BDS) تمارس نوعا من الديكتاتورية و"القمع." كما تقوم بالخلط بين مواقف لأنصار الحركة, وقد تكون حادة أحياناً, وبين المواقف الرسمية لحملة المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل واللجنة الوطنية للمقاطعة. والمثير للاستغراب هو عدم إطلاع العديد من الناقدين/ات للحركة على أبجديات المقاطعة ومعاييرها وتعريف التطبيع! انطلقت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل عام 2004، ولعبت دوراً رئيسياً في إطلاق نداء المجتمع المدني الفلسطيني عام 2005 لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS). انبثقت اللجنة الوطنية للمقاطعة عن المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول لحركة مقاطعة إسرائيل عام 2007، وأصبحت منذ ذلك الوقت تقود حركة المقاطعة عالمياً. ومن الغريب التعامل مع اللجنة الوطنية وكأنها فصيل, أو منظمة منفصلة عن الواقع الفلسطيني. وهنا لابد من التذكير ببعض الحقائق: تتشكل اللجنة الوطنية للمقاطعة من القوى والاتحادات الشعبية الكبيرة (العمال، المرأة، الكتاب، الفلاحين، الطلاب) وجميع الاتحادات النقابية والائتلاف العالمي لحق العودة (أوسع ائتلاف يدافع عن حقوق اللاجئين) وشبكات المؤسسات الأهلية وغيرها من أهم وأكبر الأطر التي تمثل كل قطاعات شعبنا في الوطن والشتات. إن هذا التحالف، وهو الأوسع فلسطينياً دون منازع يستطيع التحدث باسم شعبنا الفلسطيني فيما يتعلق باستراتيجية مقاطعة إسرائيل وأهدافها: إنهاء الاحتلال وإنهاء الأبارثهيد وتمكين ممارسة حق العودة. إن تواجد واستمرارية المجتمع المدني تحت الاحتلال هو جزء من تواجد الشعب الفلسطيني واستمراره وتمثيل رأيه، وأدوات المقاومة التي يطورها هذا القطاع هي جزء لا يتجزأ من نضال هذا الشعب. لا يسعنا هنا إلا أن نسأل، من له مصداقية أكثر في تطوير معايير مقاطعة إسرائيل، تحالف معظم قوى ومؤسسات ونقابات وأطر المجتمع الفلسطيني في الوطن والشتات أم مثقف فرد، سواء كان في الوطن أو الشتات؟ هل من الأفضل أن يضع كل منا معاييره الخاصة، والمنحازة بالضرورة، مما يعني قيام كل فرد بما يحلو له لأنه يعتبر التطبيع فقط ما يفعله غيره، بينما ما يقوم به هو فنضال بالتعريف كون هدفه نبيل؟ إن رفض فكرة المبادئ التي يتم التوصل لها جماعياً كمرجعية للجميع في حسم الاختلافات والإصرار على مرجعية الفرد، كل فرد، هو بمثابة رفض فكرة المقاومة، كل مقاومة، جماعية للاحتلال الأبارثهيد ورفض لأسس العمل المجتمعي من أجل التحرر والتقدم سياسياً واجتماعياً وثقافياً. أما بالنسبة للالتزام بتطبيق أشكال المقاطعة المختلفة، فإن هذه الحملة كأي أداة مقاومة أخرى تحتاج إلى الوقت والجهد والحوار والإقناع والتصحيح من حين إلى آخر والتطوير المستمر لترسيخ جذورها في الأرض ولخلق تراكم فعلي في نتائجها الملموسة، خاصة أنها تستهدف محلياً تفكيك علاقة اقتصادية وثقافية عملت اسرائيل جاهدة على مدى عقود على نسجها بشكل محكم. إن التأييد الشعبي لمقاطعة إسرائيل يتجلى لا في التأييد العلني للغالبية الساحقة من أطر شعبنا لهذه المقاطعة وحسب، بل في انحسار ظاهرة التطبيع الثقافي والأكاديمي في فئة صغيرة للغاية، تكاد تكون معزولة جماهيرياً. كما تتجلى في انخراط عدد متنام بتسارع من شعبنا في مطالبة العالم بمقاطعة إسرائيل في شتى المجالات وفي فرحة قطاعات واسعة من شعبنا، بالذات المُعبّر عنها في وسائل "الإعلام الاجتماعي"، كلما نجحنا في إفشال نشاط إسرائيلي أو في امتناع كاتبة عالمية، مثلاً، عن طباعة كتابها من قبل دار نشر إسرائيلية أو في إلغاء مخرج عالمي مشاركته في مهرجان سينمائي إسرائيلي، إلخ. يستخدم البعض مفردات "الفرض" و"القمع" و "المنع" في وصف آلية عمل حركة المقاطعة، مما يعكس ضحالة فهم هذه الآلية على أرض الواقع وإهمال كم هائل من الدلائل التي تثبت زيف هذه الادعاءات، بل وتثبت أن المقصود من توجيهه هو التبرير للخروج عن مبادئ المقاطعة المقرة من قبل غالبية أطر مجتمعنا. إن أي باحث/ة في مسيرة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات منذ 2005 تستطيع بسهولة أن تفهم الطبيعة الجماعية المميزة في آلية عمل الحركة وأن القوة الوحيدة التي تمتلكها لمواجهة التطبيع ولفرض العزلة على إسرائيل هي القوة الأخلاقية التي تنبع من قناعة بفك الارتباط مع دولة الاحتلال الأبارثهيد ومؤسساتها. بالتأكيد لا يمكن لأي شخص أو مؤسسة أو حتى تحالف واسع من الأطر المجتمعية أن "يجبر" أحداً على الالتزام بمعايير المقاطعة. كما لا يمكن لأي أحد أيضا بالضرورة أن ينفي حق أطر شعبنا في تطوير استراتيجيات مقاومة جماعية خلاقة، من ضمنها حركة مقاطعة إسرائيل، فهذا أيضا جزء من ممارسة الحرية الفردية، كما هو واجب في ظل الاضطهاد الاستعماري لشعبنا. كما لا يستطيع أحد أن يمنع حركة المقاطعة من توجيه النقد المبدئي لأي شكل من أشكال التطبيع أو تقويض حملات مقاطعة عينية. إن حركة مقاطعة إسرائيل، رغم شعبيتها الواسعة، لم ولن تنصّب نفسها وصية على وطنية أحد، فأعضاء الحركة هم متطوعون ونشطاء في هذا الشكل من أشكال المقاومة، لا أكثر من ذلك. وقد تم التوافق بين أكبر أطر ومؤسسات المجتمع المدني على تفعيل المقاطعة من خلال مجموعة من المعايير التي تهدف إلى خلق قاسم مشترك مقبول وواقعي يلتزم به الفلسطينيون كوسيلة للضغط على اسرائيل. وترى حركة المقاطعة أن من دورها نشر هذه المعايير والرد على استفسارات الجمهور والشركاء العالميين بخصوصها ومواجهة محاولات خرقها، سواء من قبل فلسطينيين أو عرب أو دوليين، بأسلوب أخلاقي يستند دائماً إلى المعايير الجماعية المنشورة، لا على الآراء والمشاعر الفردية لهذا الناشط أو ذاك. وبالتالي فإن الدعوة لموقف "جماعي" من التطبيع ينافي الواقع حيث أن التعريف الحالي تم اعتماده من الغالبية الساحقة لقطاعات المجتمع المدني الفلسطيني في الداخل و الشتات. ومن المعروف أن حركة المقاطعة الفلسطينية لإسرائيل لا تؤمن بـ"القوائم السوداء" ولا تخوّن أحداً، كما لا تمنح الأوسمة لأحد، ولكنها تناضل من أجل توسيع دائرة التأييد الفلسطيني والعربي والدولي لمقاطعة إسرائيل في كافة المجالات للمساهمة في الوصول إلى حقوقنا، دون انتقاص. تقف في صف هذه الحركة الغالبية العظمى من الأدباء والفنانين والأكاديميين الفلسطينيين وعدد مهم من نظرائهم العالميين. في هذا السياق، تتنامى الحاجة لتعزيز الالتفاف الجماهيري الفلسطيني والعربي الواسع لمقاطعة إسرائيل ومعايير هذه المقاطعة، كما تزداد الحاجة لمشاركة كل مثقفينا وفنانينا لا في نشر ثقافة المقاطعة فحسب، بل والمساهمة الفاعلة والإيجابية في سيرورة تطوير معايير المقاطعة باستمرار للتلاؤم مع الواقع المتغير وضرورات النضال من أجل الحرية والعدالة والمساواة. |