وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

قراءة في الذكرى المئوية للوعد بلفور

نشر بتاريخ: 03/11/2017 ( آخر تحديث: 03/11/2017 الساعة: 09:29 )
قراءة في الذكرى المئوية للوعد بلفور
الكاتب: عباس الجمعة
بعد مائة عام من وعد بلفور (1917) الذي شرّع اغتصاب فلسطين، تجد الشعوب العربية نفسها في مواجهة محاولة تقسيم جديدة، تدفع إليها القوى الامبريالية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وحليفها الكيان الصهيوني والرجعية العربية بالمنطقة التي تعمل على تنفيذ مشروع التقسيم بعد تقسيم السودان يأتي دور العراق من خلال اقليم كردستان.
منذ مائة عام استباح الطامعون أرض فلسطين ووصلت الوقاحة بـ"آرثر جيمس بلفور" وزير الخارجية البريطاني آنذاك إلى أن يسمح لنفسه تقرير مصير ارض فلسطين وتشريعها دولياً كوطن قومي لليهود بناءً على ادعاء "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض"، هذا الوعد المشؤوم كان السبب في تقطيع أوصال الأمة التي وحدتها الطبيعة وقسمها الأجنبي من أجل مصالح خاصة إلى كيانات سياسية لا قدرة لها على مواجهة الأخطار المحدقة بالأمة العربية.
إن مشروع التقسيم الجديد، وإن كان هدفه لا يختلف عن هدف اتفاقية "سايكس ـ بيكو" بتقسيم المنطقة وخاصة اقليم كردستان، فهذا الموضوع حذرنا منه منذ احتلال العراق عام 2003، وخاصة بعد ان نشرت الادرة الامريكية مشروع الفوضى الخلاقة ومن ثم الحديث عن الشرق الاوسط الجديد، وبعدها اطلقت ما يسمى الربيع العربي، ودعمت الجماعات والعصابات الإرهابية المتطرفة التي تعمل على تنفيذ مشروع التقسيم هذا، الا ان صمود قوى المقاومة العربية كان له تأثير مباشر في المنطقة حيث حققت المزيد من الانتصارات بمواجهة القوى الارهابية، خاصة في سوريا والعراق وان هزيمة داعش أصبحت قاب قوسين او ادنى، حيث سقطت كل محاولات الادارة الامريكية في املاء سياسة الطاقة في المنطقة من خلال فرض اشكال استغلال وتسويق الغاز، وبالتالي ستحقق دول المنطقة حرية أكبر في استغلال هذه الثروة والتعامل معها، وان الاهتمام الكبير حالياً باعادة اعمار سوريا، والبحث الدولي العميق والعملي حول هذا الموضوع يؤكد هذه النتائج.
إن الإرهاب وأدواته هما من صنع القوى الامبريالية وعلى رأسها الامبريالية الأمريكية، وفي كل يوم تنكشف معطيات جديدة حول الارتباط العضوي للجماعات الإرهابية بالقوى الاستعمارية وأذنابها في المنطقة، وما من شك في أن المستفيد الأول إقليميا من هذا الوضع الكارثي للأقطار العربية ومن تمزيق صفوف شعوبها وتدمير دولها وتخريب اقتصاداتها ونهب ثرواتها وتهجير أعداد كبيرة من شعوبها، هو الكيان الصهيوني، هذا الكيان المزروع في قلب الوطن العربي، حيث تمكن من استغلال ما يجري في دول المنطقة للانفراد بالشعب الفلسطيني والإيغال في اضطهاده وتهجيره وقتل شاباته وشبابه واغتصاب بقية أراضيه والاستمرار في تهويدها في محلة الى إلغاء هوية فلسطين، العربية الفلسطينية، كما استغله لتوسيع تأثيره ومد عروقه في المنطقة والتطبيع مع معظم دولها، بشكل علني وسافر أكثر فأكثر.
ومن هذا المنطلق فإن ما تتعرض له الشعوب العربية اليوم من مؤامرات ومحاولات تقسيم جديدة ومن مجازر ومذابح على أيدي فرق الموت المدعومة من القوى الامبريالية ومن الصهيونية والرجعية العربية والإسلامية، ليس استثناء في التاريخ، بل هو نتاج منطقي لوضع تاريخي معقّد جدّا، وليس أمام الشعوب العربية من مخرج من هذا الوضع غير استخلاص الدرس منه وأخذ مصيرها بيدها كي تستعيد المبادرة وتنتفض ضد المؤامرات التي تحاك ضدها وضد القضية المركزية فلسطين ،وتحقق آمالها وطموحاتها.
ولذلك نقول أن نضال الأكراد يدعم نضال الشعوب العربية وشعوب المنطقة من أجل حريتها واستقلالها، طالما أنه لم يوظّف إقليميا أو دوليا لخدمة أهداف الكيان الصهيوني والقوى الاستعمارية لعرقلة نضال الشعوب العربية من أجل التحرر والانعتاق والوحدة فهم جزء لا يتجزأ من شعوب المنطقة ولهم تاريخهم النضالي المشرف .
إن الحروب المذهبية والطائفية المثارة من قوى الاستعمار والتي تجد أدوات لها في الداخل، لتشهد، لمن يريد استخلاص الدرس، على أن لا بديل لأي شعب من الشعوب العربية عن الوحدة في إطار دولة وطنية مستقلة، علمانية، عصرية، اجتماعية، تقدمية، تتعايش فيها كل الأديان والطوائف والمذاهب والأعراق، دون تمييز وتكون الأساس الذي تنبني عليه أي وحدة عربية شاملة في المستقبل.
أن بريطانيا اخطأت بل وارتكبت جريمة إنسانية دولية بحق الشعب الفلسطيني من خلال وعد بلفور والعمل على تحقيقه على الأرض ، ولكن هناك عوامل أخرى جعلت الوعد قابل للتحقيق ، دولة الاحتلال قامت نتيجة وعد بلفور ونتيجة توازنات وقرارات وتفاهمات دولية ولكن أيضا نتيجة جهود صهيونية بدأت قبل أن يصدر الوعد واستمرت بعده ، وبالتالي فإن دولة فلسطين لن تقوم فقط من خلال العمل الدبلوماسي ووعود و قرارات دولية أو بمطالبة بريطانيا بالتراجع عن قرارها أو الاعتذار للشعب الفلسطيني بل تحتاج لجهود ذاتية ونضال متواصل على الأرض يفرض الدولة الفلسطينية .
لم يتوان الفلسطينيون يوما في مواجهة وعد بلفور فمباشرة بعد الوعد اخذوا ينظموا صفوفهم سياسيا من خلال حركة وطنية واجهت الامنتداب والمستوطنين معا، فكانت هبة البراق 1929 ثم ثورة القسام 1935 وثورة 1936 والمقاومة التي قادها عبد القادر الحسيني ورفاقه، وما بعد صدمة هزيمة الجيوش العربية والتي سموها نكبة نظم الفلسطينيون أنفسهم واستنهضوا الحالة الوطنية مجدد من خلال مجموعات صغيرة كشباب الثأر وأبطال العودة وغيرها ألى أن انطلقت الثورة الفلسطينية المعاصرة بقيادة حركة فتح ومنظمة التحرير وفصائل الثورة الفلسطينية لتؤكد عمليا رفض وعد بلفور وحق الفلسطينيين بتحرير بلدهم والعودة إليه.
ومن هنا تحرك الفلسطينيون دبلوماسيا وعلى النطاق الدولي لتفنيد مضمون وعد بلفور وقد نجحوا نسبيا في ذلك من خلال الاعتراف المتزايد لدول العالم بحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم على أرض فلسطين ، وفي هذا السياق كان خطاب الرئيس أبو مازن امام الامام المتحدة واضحا عندما طلب من بريطانيا الاعتذار للشعب الفلسطيني عن إصدارها وعد بلفور ، وأن تعترف بالدولة الفلسطينية ، ولاشك أن قيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين يشكك بالمنطق والأسس التي قام عليها وعد بلفور ، فقيام دولة فلسطينية على أرض فلسطين يعني إبطال مقولة إن فلسطين وطن قومي لليهود .
العمل الدبلوماسي الفلسطيني الذي يحقق انتصارات مهم ويجب استمرار الجهود من أجل تفنيد الرواية والخطاب الصهيوني حول فلسطين ، ونحن هنا نقول ماذا لو اعترفت عشرات الدول بدولة فلسطينية وصدرت عشرات القرارات تدعوا لقيام دولة فلسطين ،فهل ستنسحب حكومة الاحتلال وتُقام الدولة الفلسطينية ، أما هذا الامر سيحتاج للفعل الذاتي للشعب الفلسطيني متجسدا بكل اشكال المقاومة والمجابهة ، فلهذا نحن نرى ان المقاومة الوطنية بكافة اشكالها تشكل استراتيجية وطنية فلسطينية ، لأن ما قام به الشهيد نمر الجمل في القدس هو تأكيد على خيار الشعب الفلسطيني وقبله شابات وشباب فلسطين اضافة الاى الهبات والانتفاضات الفلسطينية المتواصلة بمواجهة الاحتلال والاستيطان والمشاريع الهادفة الى النيل من حقوق الشغب الفلسطيني ، لذلك فان الحل الواقعي الوحيد لتمكين الشعب الفلسطيني من حقه وتخليص بقية شعوب المنطقة من هذا الكيان الاستيطاني الذي زرع بالقوة في المنطقة ليمثل قاعدة متقدمة للاستعمار الغربي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، هو يكمن في جبهة مقاومة عربية شاملة .
وفي ظل هذه الاوضاع نرى المحاولات الامريكية الصهيونية الى تسعى لتصفية "الاونروا" ولكن كل تلك المشاريع بما في ذلك الحديث عن تغيير اسم وكالة الغوث أو حلها وإنهاء وجودها ودورها ، فكل المؤشرات تشير إلى مخاطر جدية تضاف إلى سلسلة من الإجراءات المتبعة من ضمنها سياسة التقليصات المتبعة فيها تجاه تقديمها خدمات للاجئين ، والعمل الجاري من قبل الكيان الصهيوني وأمريكا ودول عديدة لإنها وتصفية قضية اللاجئين بدءاً من تقليص الخدمات وصولاً إلى إنهائها وتغيير مهمات الأونروا، ولكن نرى ان هذه المحاولات لم تصمد أمام الرفض الشعبي الفلسطيني والعربي المقاوم لها ، وهذا يستدعي تعزيز الموقف الفلسطيني ، فهو مرتبط بالالتفاف الشعبي حول المبادئ والثوابت الوطنية ومواصلة النضال من أجل تحقيقها ، وفي مقدمتها رفض اي حل ينتقص من حقوق اللاجئين في العودة الى ديارهم وفق القرار الاممي 194، امع لتركيز على أهمية البعد العربي لخطاب حق العودة، وعلى ضرورة توفير الحاضنة العربية، وتركيز هذا الخطاب على ضرورة الحفاظ على وكالة الغوث "الأونروا" وفق نص قرار تأسيسها من الأمم المتحدة ، وبما تمثله من شاهد دائم على الجريمة الصهيونية المقترفة بحق شعبنا، وما تجسّده من التزام سياسي وأخلاقي من قبل المجتمع الدولي بمسؤوليته عن قضية اللاجئين الفلسطينيين وضرورة حلها.
من هنا نرى ضرورة تكوين مناخ مؤات وفعال لدعم نضال الشعب العربي الفلسطيني في تحقيق أهدافه الوطنية وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس، واستخدام النفوذ العربي الجديد من أجل تحقيق ضغط دولي على كيان الاحتلال للالتزام بالقرارات الدولية والتخلص من الرضوخ للاملاءات الأمريكية ووحدانية دورها في معالجة القضية باعتبارها قضية العرب الأولى.
وفي ظل هذه الظروف ورغم الأحداث والتطورات المتلاحقة في المشهد الفلسطيني والعربي ورغم الاعباء الكبيرة التي يرزح تحتها الواقع الفلسطيني , نقول للعرب لم يعد مقبولا موقف التنديد بالعدوان والإحتلال في ظل الحديث عن صفقة القرن ، وفي ظل استمرار مخططات الاحتلال التهويدية التوسعية وبدعم الامريكي اللامحدود، والتواطؤ بعض الدول الاستعمارية ، وتهرب بعض العرب من مسؤولياتهم ، بينما تستبيح جرافات العدو القدس لطمس معالمها العربية - الاسلامية، ولن تتوقف، لذلك لا بد من موقفي عربي من اجل اعادة الصراع الى بداية السطر، من خلال وقف التطبيع، واحياء المقاطعة الاقتصادية، ودعم التوجه الفلسطيني في الامم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطين كاملة واعادة الاعتبار للمقاومة الوطنية فهي السبيل الى لجم العدو ووقف استباحته للارض والقدس.
ومن هنا نرى ان اتفاق المصالحة الفلسطينية بين حركة فتح وحركة حماس شكل حدثاً هاماً، فقد كانت المصالحة مطلباً ملحاً للحركة الوطنية الفلسطينية بجميع فصائلها، كما كانت مطلباً لجميع القوى الوطنية والديمقراطية على الصعيد العربي، فالانقسام كان ثغرة حادة في جدار اصطفاف القوى الوطنية الفلسطينية، تنفذ من خلالها القوى المعادية للشعب الفلسطيني ولنضاله الوطني ومطالبه العادلة، رغم الشكوك بامكانية نجاحها بالاستناد الى تجارب سابقة، ومن هنا فانه يتوجب العمل السريع لوضع مضمون المصالحة قيد التنفيذ، ولا سيما الخطوات الاساسية فيها وفي مقدمتها تسليم حكومة التوافق الوطني كامل مهامها في قطاع غزة ، والعمل على بث الحياة والنشاط في منظمة التحرير الفلسطينية والوقوف وراءها، وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، باعتبارها الاداة الوحيدة للتعبير عن ارادة الشعب الفلسطيني. والسير في طريق الاجراءات من اجل الانتخابات للرئاسة والسلطة التشريعية، مما يعطي الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية دفعة قوية، وتأمين اوسع تأييد عربي للنضال الوطني الفلسطيني ولدعمه اقتصادياً وسياسياً.
ان الاسراع في انجاز الخطوات الرئيسة في موضوع المصالحة من شأنه زيادة التأييد والتعاطف مع الشعب الفلسطيني وتسهيل تقديم المساعدات المالية والتنموية له. وبالمناسبة ان الاسراع في هذه الاجراءات يفسح المجال للسلطة الوطنية الفلسطينية ان تباشر العمل الجدي للاستفادة من الثروات الطبيعية وفي مقدمتها استثمار الغاز الموجود في شواطئ غزة، والذي تتخذ اسرائيل اجراءات تحول دون الاستفادة منه.
واننا نعتقد ان الالتحاق بالمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة واستخدام الحقوق المشروعة التي تبيحها انظمتها، من شأنه ان يوجه ضربة كبرى لاسرائيل. فمن المعروف انه توجد حالياً حركة عالمية للمقاطعة وغيرها. لذلك فانه عندما تؤخذ قرارات من محكمة العدل ومحكمة الجنايات الدولية، بحق الصهاينة المجرمين على جرائهم بحق الشعب الفلسطيني فستكون العدالة الدولية قد انصفت الشعب الفلسطيني.
ختاما : في الذكرى المئوية للوعد بلفور نقول ان فلسطين الارض والشعب ملك امة لابد لها من ان تصحو من غفوتها ، وان تنهض من كبوتها، فنهوضها مرتبط بتحرير فلسطين ، وان المصالحة، واستثمار نتائجها ، والبناء على القرارات الدولية التي اتخذت يشكل دفعة هامة للأمام للقضية الفلسطينية ولحركة التحرر العربي، رغم الصعوبات والانقسامات التي تعاني منها البلدان العربية، ورغم الهجمات الارهابية في اكثر من بلد عربي، فعلى جميع الفصائل والقوى ان تتحمل مسؤوليتها في الوقت الراهن، اولاً لجهة السير في تنفيذ عملية المصالحة ووضع مخرجاتها قيد التنفيذ، وثانياً وضع خطة شاملة للنهوض بالموقف الوطني الفلسطيني على الصعيدين العربي والدولي من خلال السير الجريء باتجاه هدف اقامة الدولة الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس وضمان حق العودة، ورفع علم فلسطين على روابي فلسطين المحررة.