|
احترام القانون الدولي الإنساني بين النصوص والتطبيق
نشر بتاريخ: 17/11/2017 ( آخر تحديث: 17/11/2017 الساعة: 10:07 )
الكاتب: وسيم جابر الشنطي
محامي وباحث قانوني
نصت اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949م، والبرتوكول الإضافي الأول الملحق بها لعام 1977م على وجوب تعهد الأطراف في نزاع مسلح دولي باحترام وكفالة احترام تلك المعاهدات والاتفاقيات, ويجب على كل طرف في الاتفاقيات أن يلتزم بالقيام بكل ما هو ضروري لضمان امتثال جميع السلطات والأشخاص الواقعين تحت سيطرته لقواعد القانون الدولي الإنساني. وينبع التزام الدول باحترام أحكام القانون الدولي الإنساني، من المبدأ المعروف بالقانون الدولي: "مبدأ الوفاء بالعهد"؛ لأن الدول عند توقيعها ومصادقتها على اتفاقيات جنيف, وبروتوكوليها الإضافيين, فإنها تكون قد تعهدت بضمان احترام هذه الاتفاقيات من جانب كل منها في إطار سلطتها, ومن المسلم به أن عنصر الإلزام في القاعدة القانونية الدولية هو الذي يميزها عن قواعد الأخلاق والمجاملات التي تراعيها الدول في علاقتها الدولية دون أن تكون ملزمة قانوناً بإتباعها, فأساس الفكر القانوني بشكل عام؛ يكمن في أن قواعده تتمتع بصفة الإلزام؛ ولقد نصت المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع على أن الدول الأطراف المتعاقدة تتعهد بأن تحترم ما ورد في الاتفاقيات ، وكذلك نص البرتوكول الإضافي الأول على أن الدول الأطراف تتعهد بأن تعمل مجتمعة، او منفردة، في حالات الخرق الجسيم لهذا البروتوكول، بالتعاون مع الأمم المتحدة وبما يتلاءم مع ميثاقها . ولقد ثار اختلاف فقهي حول طبيعة التزام الدول باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني؛ فيرى بعض الفقهاء أن طبيعة هذا الاحترام، الوارد بموجب المادة الأولى من اتفاقيات جنيف لعام 1949، هو التزام يجب أن يكون موضع احترام في الدولة وأجهزتها, بينما يرى آخرون أن المادة الأولى لا تفرض على الدول التزامات باحترام قواعد القانون الدولي الإنساني المتمثلة في اتفاقيات جنيف, ولقد حسمت محكمة العدل الدولية هذا الخلاف برأيها الاستشاري الصادر بتاريخ 8/7/1996م بشأن مشروعية الأسلحة النووية, حيث أكدت فيه أن عدداً كبيراً من قواعد القانون الدولي الإنساني الواجبة التطبيق، أثناء النزاع المسلح، تعد أساسية جدا إلى الحد الذي يجب على جميع الدول احترامها, سواء كانت تلك الدول قد صدقت على الاتفاقيات أم لم تصدق . ويجب أن أنوه هنا أن واجب الدول لا يقتصر فقط على إحترام قواعد القانون الدولي الإنساني , إنما يمتد إلى كفالة احترام تلك القواعد, وهذا ما نصت عليه المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع, واستناداً لذلك يجوز لدولة متعاقدة أن تطالب أخرى بالكف عن انتهاك القانون الدولي الإنساني، ويحق للدول اتخاذ تدابير عقابية ضد الدولة المنتهكة لأحكام القانون الدولي الإنساني لإجبارها على احترام التزاماتها الدولية . ووفقًا لما تقرره المواد ( 49 و 50 و 129 و 146 ) من اتفاقيات جنيف الأربع على التوالي؛ فإنه يتعين على كل دولة متعاقدة بأن تتخذ تدابير تشريعية تكفل "فرض عقوبات جزائية فاعلة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف أي من الانتهاكات الجسيمة المبينة بالاتفاقيات، كما تفرض هذه المواد على الدول التزام يتمثل بملاحقة الأشخاص المتهمين باقتراف هذه الانتهاكات الجسيمة أو الآمرين باقترافها وتقديمهم أيًا كانت جنسياتهم إلى المحاكمة. ولا يجوز للدول مطلقا أن تنتهك أحكام القانون الدولي الإنساني بناء على مبدأ المعاملة بالمثل، فيجب على الدولة احترام القواعد الإنسانية حتى لو لم تحترمها الدولة الأخرى المنازعة لها, ولا يمكن لها، بأي حال من الأحوال، تبرير عدم احترامها للقانون الدولي الإنساني بأن دولة أخرى بادرت بالانتهاكات, وهذا ما أكدته اتفاقية فيينا بأن احترام المعاهدات ذات الطابع الإنساني لا يمكن أن يتوقف على الاحترام من قبل الدول الأطراف الأخرى. وعلى الرغم من كل الاهتمام النظري بالنص على وجوب احترام الدول لقواعد القانون الدولي الإنساني, وإلزام الدول بوجوب وكفالة احترامه، إلا أن الممارسات العملية والتجارب والعبر المستفادة من نزاعات العصر الحديث تدل وتكشف عن عدم احترام الدول لأحكام القانون الدولي الإنساني بالمطلق، الأمر الذي ساعد على حدوث انتهاكات جسيمة جعلت قواعد القانون الدولي الإنساني " حبراً على ورق ". ومن جانب آخر فإن الدول مقصرة في كفالة احترام القانون الإنساني ومقاضاة مرتكبي خروقات القانون الدولي الإنساني فمعظم الجرائم التي ارتكبت في العصر الحديث أفلت مرتكبوها من العقاب ، والمؤسف - في هذه المسألة- عدم تعاطي بعض الدول -أساساً- مع التزامها بكفالة احترام القانون الدولي الإنساني, وبدلاً من مقاطعة الدولة، التي تقوم بارتكاب انتهاكات جسيمة لأحكام القانون الإنساني، نجد مجموعة من الدول الأطراف تقوم بدعمها . ويمكنني القول أن افتقار الدول والجماعات المسلحة المنخرطة بنزاع مسلح، إلى الإرادة السياسية والقدرة العملية على تحمل التزاماتها القانونية، أدى إلى عدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني بالقدر الكافي. ومما لا شك به أن العالم سيبقى يعاني من ويلات الحروب والصراعات طالما لم تحترم الدول والجماعات أحكام القانون الدولي الإنساني، ولم تقم بكفالة إحترامه، ولن يَحل السلام إلا عندما يُحترم القانون . |