وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ورقة بحثية لشبكة المنظمات الاهلية حول المصالحة

نشر بتاريخ: 21/11/2017 ( آخر تحديث: 21/11/2017 الساعة: 17:51 )
ورقة بحثية لشبكة المنظمات الاهلية حول المصالحة
رام الله- معا- أصدرت شبكة المنظمات الاهلية الفلسطينية ورقة بحثية حول المصالحة، تضمنت محطا الحوار الوطني لانهاء الانقسام.
وفيما يلي نصها:"
محطات طويلة من الحوار الوطني لانهاء الانقسام ....
هل تنجح الجهود هذه المرة ؟
اعداد شبكة المنظمات الاهلية
مقدمة
لم يعد خافيا ولا سرا مدى الارتباط الوثيق بين استمرار الانقسام الكارثي الذي اصاب عمق المجتمع الفلسطيني منذ اكثر من 10 سنوات وبين حجم الضرر الكبير الذي لحق بالمشروع الوطني، وحالة التدهور المتواصلة لمكانة القضية الوطنية عموما التي تمر بادق واصعب مراحلها على الاطلاق مع استمرار توسيع الاستيطان، وخطط الضم والتوسع، وسلسلة القوانين العنصرية الجاري اقرارها من حكومة الاحتلال، وتشير الاحصاءات التي نشرت مؤخرا الى تضاعف حجم الاستيطان عدة مرات خلال السنوات الماضية بما في ذلك في مدينة القدس المحتلة ومحيطها، وارتفاع معدلات مصادرة الاراضي وهدم البيوت والنتيجة في ذلك واحدة وهي تضاؤل امكانية قيام دولة مستقلة كاملة السيادة وفرض للحل من طرف واحد اي دولة الحدود المؤقتة فاسرائيل هي المستفيد الاول من استمرار الانقسام وتفتيت وحدة الاراضي الفلسطينية جغرافيا وسياسيا وهو ما تريده اسرائيل حتى عندما فرضت خطة الانفصال واخلاء مستوطنات قطاع غزة بشكل احادي كان الهدف الوصول لليوم الذي تتحقق فيه حالة الانقسام بين الضفة والقطاع.
الخشية اليوم وبعد سنوات الانقسام العجاف ورغم كل الجهود التي بذلت في معظم العواصم ان يتحول الانقسام الى "انفصال"، اي استحالة قيام دولة متواصلة وبنظام سياسي موحد بين ما يطلق عليه شطري الوطن هذا بدل الاحساس بالامل وامكانية احراز تقدم، وتحرر الاطراف من الاجندات الخارجية والمصالح الحزبية الضيقة، وتضييق الخناق على جماعات المصالح التي ارتبط وجودها ونمت بوجود الانقسام ولها مصلحة في الابقاء عليه وترسيخه، ومعها يفقد المواطن العادي الصبر ويتراجع الامل بتحقيق المصالحة، وتنحسر معها قوة تاثير الارادة الشعبية لاحداث التغير المرجو وتسود حالة من اللامبالاة تجاه الاحساس بالانتماء والمواطنة.
تطوف هذه الدراسة المتواضعة في جوانب الاتفاقات التي تم التوصل اليها لانهاء الانقسام وتستعرض تلك المحطات التي اصبحت مع مرور الزمن بلا جدوى بنظر الناس عامة وغير قابلة للتحقيق بالمعنى الفعلي محطات جابت الوفود عواصم عديدة اتفاقات وخطط تنفيذ لكنها كلها باءت بالفشل، كانت التفاصيل تحول دون اتمام هذه الاتفاقات والنتيجة المزيد من التراجع في المزاج الشعبي العام انعكس سلبا على حالة السلم الاهلي، واضر بالاوضاع المعيشية والاقتصادية وتهميش الاغلبية الصامتة من الناس التي وقفت دون حراك بانتظار الايام عسى ان تحمل البشرى بالتغير المنظور.
هذه المعادلة من استمرار الانقسام الداخلي والشرخ الحاصل في تفاصيل المجتمع الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة افقيا وعموديا مع استمرار تراجع الحريات العامة، في ظل غياب الهيئات والاطر التي تعنى بالقوانين والرقابة على اداء السلطة التنفيذية ومساءلتها ومنها المجلس التشريعي؟ ودور المؤسسة الفلسطينية احزابا وقوى سياسية ومجتمعية؟؟ وكيف يمكن استنهاض الشارع في ظل عدم الثقة بما هو قائم حيث تشير استطلاعات الرأي العام التي اجريت مؤخرا الى تراجع كبير لدور القوى وحجم الرهان على دورها في التأثير فيما يتعلق بانهاء الانقسام الداخلي والعمل على هذا الصعيد في المستقبل!!
لا توجد جهة او ربما بيت لم يتضرر بفعل استمرار الشرخ الحاصل في النسيج الوطني والمجتمعي والاستقواء على المجتمع من حيث هيمنة السلطة التنفيذية او اجهزة الامن ومصادرة الحريات العامة ومظاهرها عديدة لاسيما الاعتداء على المسيرات، ومنع التجمع السلمي وحق التظاهر، والتعدي على حرية الرأي والتعبير، وسلسلة مراسيم بقوانين تحد من الحقوق المدنية وتتنافى حتى مع مبرر اصدارها حسب القانون الاساسي تسببت في اغلاق العديد من الجمعيات والمؤسسات واحدثت قطيعة في عمل بعض المؤسسات التي كانت قبل ذلك تتمتع بحق العمل في الضفة الغربية وقطاع غزة كلها مظاهر تذوب معها امكانية تعاطي المجتمع المدني معها باعتبارها حالة سليمة وهي تبعث على الريبة والقلق المتواصل.
هذه جولة في ابرز الاتفاقات واللقاءات التي عقدت على امل الوصول لحل تزول معه هذه الغيمة السوداء التي تكدر سماء الوطن وتصبغ وجوه الناس فيه بحالة من المرض المتواصل وهو الانقسام.
ويمكن توزيع المحطات على النحو التالي
- اواخر حزيران 2006 اعدت قيادات من الحركة الاسيرة في السجون وثيقة عرفت "بوثيقة الاسرى" التي دعت الى انهاء الانقسام فورا، وحددت العديد من القضايا تتعلق بالمقاومة، والنظام السياسي، الحكومة، منظمة التحرير، الانتخابات. الاجهزة الامنية ... الخ وتم تبنيها من الجميع لكنها لم تطبق.
- التاسع عشر من كانون ثاني 2006 – اطلقت منظمة المؤتمر الاسلامي بعد مشاورات ولقاءات عديدة مبادرة تم بموجبها الاتفاق على 9 نقاط تضمنت سحب المسلحين من الشوراع، والاحتكام للقانون، وتشكيل غرفة عمليات مشتركة من كافة القوى، ولجنة تحقيق محايدة فيما جرى ولكنها هي الاخرى ذهبت ادراج الرياح ولم يتم العمل بأي بند من بنودها.
- الثامن من شباط 2007 بعد جهود شاقة وبرعاية سعودية تم التوقيع على اتفاق مكة الذي تضمن بنودا واضحة تحرم الدم الفلسطيني، واعتماد الحوار كأساس وحيد لمعالجة الخلافات والتباينات السياسية، وكذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية وتطوير المنظمة برنامجها ومؤسساتها، واعادة بناء هذه المؤسسات وقوبل الاتفاق بمباركة عربية وعمت الفرحة اوساط الشارع الفلسطيني لكنها لم تلبث ان تبخرت امام استمرار الانقسام دون الوصول الى النتيجة المرجوة باستعادة الوحدة.
- بعد نحو عام من هذا الاتفاق وفي الثاني والعشرين من اذار 2008 وقع في العاصمة اليمنية صنعاء اتفاق جديد من 7 نقاط ينص على عودة قطاع غزة الى وضعه السابق اي قبل حزيران 2006 والالتزام باجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، واحترام القانون من قبل الجميع، وبناء الاجهزة الامنية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تقوم الجامعة العربية بمتابعة تنفيذ بنود الاتفاق الذي تم التوصل اليه عبر لجنة خاصة تتولى تشكيلها.
- حزيران 2008 رعت السنغال حوارا وطنيا تمخض عن الاتفاق في العاصمة دكار برعاية الرئيس عبد الله واد تضمن البدء بحوار "اخوي" بين الاطراف المختلفة وكان بمثابة اعلان نوايا سرعان ما تلاشى دون ان يكاد يذكر مع استمرار الانقسام.
- في التاسع من تشرين ثاني 2008 اعلن من القاهرة مع استمرار الدور المصري والجهود التي تبذلها مصر عن اطلاق دعوة او مبادرة جديدة تضمنت ثلاث نقاط اهمها توفر ارادة للحوار وانهاء الانقسام وتحديد الاهداف المرجوة منه، واجندة واضحة لهذا الحوار ولم تلق تلك الافكار اذانا صاغية وبقي مجرد اعلان.
- 21/10/2008 تم توزيع مسودة الاتفاق الذي توصلت اليه القوى والفصائل برعاية مصرية مجددا وعرفت بمسودة اتفاق تضمنت الحديث عن وحدة الاراضي الفسطينية جغرافيا وسياسيا، وان الحوار هو الوسيلة الوحيدة لانهاء الخلافات وشددت على المصالحة الوطنية التي تسمو على الحزبية الضيقة.
- بعد نحو عام من ذلك في السابع عشر من ايلول 2009 تم طرح اتفاق الوفاق الوطني عبر الورقة المصرية، وتضمنت هي الاخرى تفعيل منظمة التحرير وتطويرها ، اجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية بالتزامن مع انتخابات المجلس الوطني حيث تم تحديد 28/6/2011 موعدا لها، اعادة بناء الاجهزة الامنية على اسس مهنية باشراف مصري وعربي، وقف التحريض والتراشق الاعلامي ، وتشكيل لجان المصالحة، وتم الاعلان عن تشكيل لجنة من كافة الفصائل بعد ان وقعت عليها.
- التاسع من تشرين ثاني 2010 احتضنت العاصمة السورية دمشق في حينه جولة اخرى من الحوارات الفلسطينية التي ضمت قيادات من كافة الفصائل، تركزت الجهود خلالها لمناقشة مواقف الاطراف غير انها لم تفض الى نتيجة تذكر.
- في شباط 2011 مع اندلاع الثورات العربية او ما يعرف "بالربيع العربي" شهدت الاراضي الفلسطينية تحركات وفعاليات شبابية ونسوية ولعدد من منظمات المجتمع المدني التي نظمت فعاليات عديدة واعتصامات للمطالبة بانهاء الانقسام، واستمرت عدة اسابيع ولكنها لم تكن بحجم التاثير الفعلي لانهاء الانقسام بضغط شعبي وجماهيري من الشارع.
- منتصف اذار 2011 في خطاب له بمقر المقاطعة برام الله اعلن الرئيس محمود عباس استعداده للذهاب لقطاع غزة لتوقيع المصالحة مع حماس وانهاء الانقسام وعزمه لقاء قيادة الحركة في القطاع لطي هذه الصفحة الا ان الزيارة لم تتم.
- 27/4/2011 اعلن في القاهرة عن تتويج الجهود المصرية بالتوصل الى اتفاق ينهي الانقسام الداخلي ويضع حدا له تم التوقيع عليه يوم الرايع من ايار بمشاركة القوى كافة وبحسب الاتفاق الجديد ستجرى انتخابات رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني في غضون عام، وتشكيل لجنة مشتركة لاعادة هيكلة وتفعيل منظمة التحرير ، وتشكيل مجلس اعلى للامن، وتشكيل حكومة مؤقتة من شخصيات مستقلة وهو ما فتح الطريق لحالة من التفاؤل سادت اوساط وقطاعات واسعة في المجتمع الفلسطيني.
- استمرت المشاورات واللقاءات لتنفيذ بنود الاتفاق ووضع اليات الواضحة لذلك بمشاركة كافة الفصائل والقوى ، حيث اصدر الرئيس محمود عباس مرسوما رئاسيا يقضي باعادة تشكيل لجنة الانتخابات المركزية، وتشكيل كافة اللجان الاخرى لبدء العمل وتم ذلك اواخر كانون ثاني 2011.
- فيما كانت المحطة الاخرى هي اعلان الدوحة يوم السادس من شباط 2012 الذي تضمن تشكيل حكومة وحدة يتولى الرئيس عباس رئاستها وهي لفترة انتقالية تتشكل من مستقلين وتكون مهمتها الاعداد للانتخابات، واعادة اعمار قطاع غزة ومثل اعلان الدوحة تتويجا لجهود ومسار طويل من الحوارات العسيرة في محطات الحوار الوطني السابقة.
- ايار 2013 القاهرة بعد سلسلة من الاجتماعات التي احتضنتها العاصمة المصرية بين وفود من حركتي فتح وحماس تم الاعلان عن اتفاق الطرفين برعاية مصرية على صيغة لانهاء الانقسام وفق جدول زمني محدد وبدء المشاورات الفنية لبحث القضايا العالقة، وتضمن لاول مرة تشكيل لجنة تضم ممثلين عن الحركتين وترأسها مصر هدفها ضمان تنفيذ الاتفاق وتذليل العقبات على ان يكون التنفيذ رزمة واحدة وتلعب مصر كراع للاتفاق دور الضامن له، وتضمن الاعلان اتفاق الاطراف على تشكيل حكومة وفاق وطني برئاسة الرئيس محمود عباس سرعان ما تعثر الاتفاق الجديد بسبب العديد من التعقيدات وفي مقدمتها الامن.
- اعلن توصل حركتي فتح وحماس الى تفاهمات جديدة وهو ما بات يعرف باتفاق الشاطيء اواخر ابريل نيسان 2014 وتتضمن بنودا واضحة تجاه القضايا الشائكة التي شكلت عقبة سابقا وتم الاتفاق على عناوين رئيسية محددة منها التحرك السياسي، المجلس التشريعي، اعادة الاعمار ورفع الحصار ووضعت اليات عمل حول ملفات الموظفين، الامن، تشكيل لجان للحريات والمصالحة المجتمعية ، الانتخابات، كما تم الاتفاق على تهيئة الاجواء لاجراء الانتخابات، وعلى تشكيل حكومة توافق وطني خلال 5 اسابيع، وانتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني بعد 6 اشهر.
وقد تم تشكيل حكومة التوافق وادت اليمين في الثاني من يونيو 2014 ولكن الاتفاق لاقى مصير الاتفاقات السابقة واصطدم بملفات رواتب الموظفين في قطاع غزة، وتفعيل حكومة الوفاق، ومعبر رفح وازمة الكهرباء ونقاط اخرى عديدة.
- شهد العام 2015 جهودا وتحركات عربية قطرية ومصرية وعقدت العديد من اللقاءات بين حركتي فتح وحماس، منها لقاء في العاصمة اللبنانية بيروت لتحريك المياه الراكدة في ملف المصالحة بعد توقف عجلتها واستكملت اللقاءات في القاهرة دون ان تصل لنتيجة ولم تتكلل الجهود بالنجاح ايضا.
- بعد عدة اشهر من الجمود استضافت الدوحة منتصف العام 2016 لقاء جمع الرئيس محمود عباس مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل وناقش ملف المصالحة وتم الاعلان عن الاتفاق على عدة تفصيلات تتعلق بالحكومة، وملف الموظفين اضافة لتفعيل المجلس التشريعي ورحبت القاهرة بما جرى ودعت لانجاح جلسات الحوار استمرارا لجهود قطر عامي 2008 و2012.
وشهد العام 2016 مبادرة قدمها الامين العام لحركة الجهاد الاسلامي رمضان عبدالله من 10 نقاط لتحقيق المصالحة، وصياغة برنامج وطني جديد موحد للشعب الفلسطيني
فيما اعتبرت اوساط ومؤسسات عديدة قرار حكومة الوفاق اجراء انتخابات الهيئات المحلية في الضفة الغربية وقطاع غزة التي كانت مقررة في تشرين اول من العام الماضي 2016 في416 هيئة محلية بمثابة بارقة امل ومقدمة لاجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية الامر الذي يدفع عجلة المصالحة للامام، وقد قامت لجنة الانتخابات المركزية بجميع التحضيرات الفنية واللوجستية لاجراء الانتخابات ثم فوجيء الجميع تقريبا بقرار محكمة العدل العليا في الثالث من تشرين اول باجرائها في غزة ثم بعدها بقرار تأجليها لمدة 6 اشهر
كما تم ارجاء عقد جلسة للمجلس الوطني الفلسطيني بعد سلسلة من المشاورات التي اجريت بهذا الشأن وسط خلافات على مكان المجلس وجدول اعماله ومشاركة قوى فلسطينية ليست ممثلة فيه اضافة للعديد من القضايا والتباينات الاخرى.
- اواخر كانون ثاني 2016 عقد في العاصمة السويسرية جنيف بحث العديد من القضايا منها تشكيل حكومة وحدة وطنية، وصيغة لقاء لعقد المجلس الوطني وهو لقاء غير رسمي بدعوة من مركز مسارات للدراسات وهو اللقاء الاول بعد المؤتمر السابع لحركة فتح.
- اجتمعت في العاصمة اللبنانية بيروت في 11كانون ثاني 2017 اللجنة التحضيرية للمجلس الوطني الفلسطيني وتم الاعلان بعد ختام يومين من الاجتماعات والمشاورات عن الاتفاق على تشكيل مجلس وطني بمشاركة جميع القوى وفقا لاعلان القاهرة 2005 واتفاق القاهرة مايو ايار2011، كما دعا الاجتماع لضرورة تنفيذ الاتفاقات السابقة كمقدمة لانهاء الانقسام، واعلن اتفاق الاطراف على بدء التحضيرات لتشكيل حكومة وحدة وطنية تمارس صلاحياتها في الضفة الغربية وقطاع غزة ودعوة الرئيس محمود عباس لبدء المشاورات لتشكيل الحكومة.
- استضافت العاصمة الروسية موسكو منتصف كانون ثاني 2017 بدعوة من مركز الاستشراق لقاءات للفصائل الفلسطينية، واجتمعت مع وزير الخارجية الروسي، وهدف الاجتماع لبحث السبل التي من شانها تذليل العقبات امام تحقيق المصالحة الفلسطينية باعتبارها المسألة الحاسمة في امكانية الوصول للحقوق الوطنية وانهاء الاحتلال، واعلن البيان الختامي بدء المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية وكان التوقع الاعلان عنها مطلع الصيف، وتشكيل مجلس وطني يضم كافة القوى في اطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده .
وبالنظر لتلك المحطات يمكن ان تتكشف الصورة في ان هذه الحوارات التي استمرت على مدار السنوات الماضية، والتي اعقبت جلسات طويلة من الحوار والنقاش، وتوقيع اعلانات او تفاهمات او وثائق للوصول الى اتفاق، وابرمت جميعها او معظمها برعايات عربية وبشكل خاص كان لمصر نصيب الاسد فيها ، الا ان الموقف بقي على حاله في نهاية الامر ولم يتم تحقيق الهدف المنشود بتحقيق المصالحة على الارض ولم يلمس الشارع والمواطن العادي تغييرا جوهريا فيما يجري باستثناء المزيد من تفجر العديد من الازمات الداخلية والقضايا المطلبية لقطاعات وشرائح واسعة اهمها الضمان الاجتماعي، اضراب المعلمين ازمة الكهرباء في قطاع غزة، ناهيك عن ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والعزوف عن المشاركات الشعبية في معظم الانشطة نتيجة الاحساس بفقدان الثقة بما يجري.
وتثبت الوقائع ايضا بعد اكثر من 10 سنوات ان العبرة بما يجري لا تتعلق بالتواقيع ولا حتى مكان التوقيع فمن السجون ووثيقة الاسرى الى دكار في السنغال ثم مكة والقاهرة والدوحة ورام الله وغزة مرورا بالخرطوم وصنعاء وتونس ووصولا لجنيف وموسكو مؤخرا كلها شهدت جولات طويلة استمرت مئات الساعات من العمل الشاق كانت كلها محكومة بالفشل ولم تحقق الانجاز الذي طال انتظاره، غياب الارادة السياسية هو المعطل الرئيس للمصالحة والاحتكام احيانا لنظرات ضيقة للحفاظ على "مكتسبات" تتعلق بحساب الربح والخسارة ذاتيا وليس وطنيا.
هذا الاستعراض لتواريخ ومحطات الحوارات الطويلة لما يقارب 10 اعوام من الانقسام يفتح الباب من جديد لتساؤلات مشروعة عديدة من حق المواطن ان يطرحها لذوي الامر والقرار الى متى ستستمر هذه الحالة ؟؟ ومتى يمكن لنا ان نشهد واقعا مغايرا لما يجري ؟؟.
ربما تشهد الفترة المقبلة حراكا لانهاء الانقسام الداخلي فلا يعقل ان تستمر الحالة الراهنة التي توصف "بالغريبة والشاذة"ونرى انهيار الحلم ببناء مستقبل الاجيال المقبلة ولا نحرك ساكنا، واذا كانت عشرات اللقاءات التي جرت كما تم استعراضها سابقا لم تفلح في اقناع الاخوة الخصوم للعودة للوحدة والنزول عن الشجرة فلماذا لا يكون التغيير من الاسفل الى الاعلى اي من القاعدة للقمة عبر الارادة الشعبية مؤسسات العمل الاهلي والجمعيات وقوى المجتمع المدني بامكانها ان تلعب دورا فاعلا في ذلك وان يكون لها صوتها في تحشيد الشارع لاسقاط الانقسام بقوة الارادة الشعبية .
السؤال المطروح للجميع لماذا علينا ان نعود انفسنا على تقبل فكرة ان الانقسام حالة مستدامة في حياتنا غير قابلة للاطاحة بها ؟ وان ممارسة رياضة فكرية في احداث التغير المنشود تبدو مستحيلة؟ مع انها ليست كذلك باي حال من الاحوال؟؟ ام ان الانقسام دخل تفاصيل الحياة اليومية والمعيشية يتأثر به رب الاسرة والموظف والطالب، والمعلم، والعامل، وكافة شرائح المجتمع، تتراجع حياة القطاعات وقوى الانتاج وتتضرر مصالح الغالبية الساحقة بسببه وهي ليست سببا فيه!! فلماذا لا تدق ساعة العمل لانهاء هذه الصفحة مرة واحدة وللابد.
فصل اخر من فصول الانقسام اكثر عمقا وللاسف يولد مع كل توقيع على اعلانات ووثائق المصالحة يتبعها تلاشي للامال الكبيرة التي علقت عليه ثم يولد شعور قاتم يتكرس معه جوهر هذا الانقسام المدوي فيترك ندوبا قاسية ويخيم على المشهد صورة الاحباط، واهتزاز الثقة وفقدان القدرة على التغيير .
اما ان لهذا الانقسام البغيض ان ينتهي من تفاصيل حياتنا؟؟ والكل بات يدرك ان اطالة امده من شأنها اطالة عمر الاحتلال وان الوصول للحقوق الوطنية لا يمكن ان تتحقق بدون استعادة الوحدة ، وان ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية مقدمة للوصول للحقوق الوطنية عبر انهاء الانقسام ايضا.
وتكمن النتيجة النهائية التي يخلص اليها هذا الاستعراض السريع ايضا لمحطات الحوار التي جرت في عديد من العواصم ولم تسفر عن اي تقدم يذكر وبالتالي هذا يفتح المجال للسؤال عن امكانية بدء حوار وطني جدي في الداخل هنا في رام الله وغزة يضع النقاط على الحروف ، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه قبل حدوث الانهيار المحدق،النتيجة مفادها ضغط شعبي واسع ولقاءات برعاية المجتمع المدني والاطر والاجسام المحلية الموجودة وذات التاريخ الطويل، هذه المرة عبر ضغط شعبي يعيد الاعتبار للقضية الوطنية ويحافظ على ما تبقى من النظام السياسي ويعيد الهيبة لمبدأ سيادة القانون بعد هذه السنوات الطويلة التي تحتاج الى افعال على الارض للخلاص من اثارها، فالانقسام لا يعالج بالتمني نحن فعلا بحاجة للعمل بمشاركة كافة المكونات.
من اهم النقاط والتوصيات بهذا الشأن
- يمكن للعواصم ان تساعد وان تقدم خبراتها وتلعب دورا ايجابيا باتجاه تحقيق المصالحة ولكن القرار في نهاية المطاف فلسطيني .
- بامكان المجتمع المدني ان يلعب دورا رئيسا لانهاء الانقسام كونه احد ضحايا الانقسام ومؤسساته ما زالت موحدة بعملها في الضفة الغربية وقطاع غزة ولها باع طويل في العمل في هذا الاطار.
- هناك جهات تسعى لمأسسة الانقسام وجماعات مصالح نمت ولها مصلحة في استمرار الانقسام.
- المبادرات والجهود هي موسمية وغير قادرة فعلا على خلق حالة ضغط حقيقي، ومن المهم استمرار الجهود وتوسيع الائتلافات بين مختلف الاطراف لا سيما تشجيع مبادرة وطنيون لانهاء الانقسام.
- من الاهمية التمسك بمبدأ سيادة القانون ورفض اي اجراءات تمس القانون والعمل على منظومة قانونية واحدة وفصل السلطات، وتفعيل المجلس التشريعي كمصدر للتشريعات.
- تعزيز الجهد الشعبي الضاغط من قبل المؤسسات الاهلية والمجتمع المدني بهدف انهاء الانقسام وتشكيل لجان متخصصة في مجالات الاعلام والسلم الاهلي والمجتمعي وتشجيع الناس للنزول للشارع والتعبير عن رايهم وموقفهم بالاضرار التي لحقت بالمجتع الفلسطيني جراء استمرار الانقسام وتداعياته.
ملحق لابزر المحطات للعام 2017
مع اعلان حركة حماس حل اللجنة الادارية في قطاع غزة اواسط ايلول الماضي هل تكون الاجواء التي رافقت سلسلة من الاجراءات التي اتخذت بحق قطاع غزة قد تبددت الى الحد الذي يوفر مناخات ايجابية للمزيد من الخطوات لطي صفحة الانقسام الداخلي، والوصول لمصالحة جدية؟ فعلى ضوء المتغيرات التي تعصف بالاقليم ودول المحيط العربي بشكل خاص ضمن ما يجري لاعادة ترتيب المنطقة وفي ظل موازين القوى ومصالح الدول الكبرى، وانعكاس كل ذلك على مستقبل القضية الوطنية للشعب الفلسطيني برمتها ومعها مستقبل حقوقه الوطنية ايضاهل بدء قطار المصالحة يسير على الطريق الصحيح!!.
الجديد في ملف المصالحة هذه المرة ايضا هو الثقل المصري الكبير الذي يعول عليه كثيرا في اطار دور مصر الاقليمي المرتقب، ووصول الاطراف المختلفة الى نتيجة ان استمرار حالة الانقسام الحالية سيكون مكلفا على مختلف الصعد، فلا حركة حماس بمقدورها استمرار السيطرة على القطاع، ولا حركة فتح يمكنها ايضا استمرار الوضع القائم امام تدهور الوضع المعيشي في القطاع ، وتراجع حالة الحريات العامة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على حد سواء، والوضع الانساني المقلق في غزة تحديدا حيث اعلنت اعلنت ( الامم المتحدة ان قطاع غزة ربما يكون منطقة غير صالحة للعيش بحلول العام 2022 ) جراء استمرار الحصار، وارتفاع معدلات البطالة، والتلوث الموجود في المياه والبيئة، وغيرها من المشكلات التي يواجهها، ويضاف الى ذلك ان الاطراف المختلفة تدرك ان المعادلة الشرق اوسطية الجديدة التي يجري التسويق لها مؤخرا تتطلب تقليل الخسائر التي يمكن ان تحلق بالشعب الفلسطيني ومن عدم فائدة استمرار تجاهل ما يجري والاحتفاظ بذات المواقف والتمترس خلفها كل هذه العوامل وغيرها ساهمت ساهمت الى حد كبير في احداث تغيرات واضحة في هذه المواقف المعتادة.
من التطورات التي شهدها العام الجاري 2017 ازاء ملف المصالحة يمكن ان نذكر اهم تلك المحطات التي تستكمل وتضاف للحراك على مدار السنوات الماضية لرحلة المصالحة، والتي كان اخرها لقاء اللجنة التحضيرية في بيروت يناير 2017 والجديد من المحطات التي تلت ذلك لابرز ما جرى نستعرضه في هذا الملحق على النحو التالي.
- استمرار الجهود المصرية ضمن اللقاءات والاجتماعات التي عقدت مع مسؤولين من حركتي فتح وحماس تم خلالها طرح العديد من الافكار والمقترحات التي من شانها دفع عجلة المصالحة للامام، والحاجة المصرية الملحة لمعالجة الوضع الامني في سيناء والمنطقة المتاخمة لقطاع غزة.
- نهاية اب الماضي وفود من فتح وحماس تصل للعاصمة التركية بشكل منفصل تبعها لاحقا لقاء بين الرئيس محمود عباس والتركي اردوغان اعلن بعده عن مبادرة تركية لانهاء الانقسام ثم زيارة من اردوغان للعاصمة الاردنية اعلن في نهايتها ان ملف المصالحة الفلسطينية قد حظي بجانب هام خلال المباحثات في عمان مع الملك عبد الله الثاني، وتتضمن المبادرة حل اللجنة الادارية، وقف العقوبات بحق القطاع المتمثلة بخصومات الرواتب، احالة عدد كبير للتقاعد، وقف التحويلات الطبية، وتقليص الكهرباء عن القطاع، والمبادرة من سبع نقاط وتضمنت تشكيل حكومة وحدة وطنية وبرنامجها هو بمثابة وثيقة وفاق وطني،وحل قضية الموظفين الحاليين والقدامى، والتحضير لاجراء انتخابات عامة في فترة لا تتجاوز الستة اشهر، والدعوة لاجتماع الاطار القيادي في فترة لا تتجاوز الثلاثة اشهر من تشكيل حكومة الوحدة على ان يتم وضع الاليات والجداول الزمنية في حال موافقة كافة الاطراف على هذه المبادرة.
- حزب الشعب طرح حزب الشعب مطلع اب الماضي ما سماه مبادرة جديدة لانهاء الانقسام تتكون من اربعة نقاط تضمنت الاولى حل اللجنة الادارية وايضا وقف الاجراءات بحق قطاع غزة، وتمكين حكومة التوافق من اخذ دورها في القطاع وفق خارطة طريق واليات محددة، وثالثا فتح حوار لتشكيل حكومة وحدة بعد اربعة اشهر من عمل الحكومة لتهيئة الاجواء وتتولى الحكومة اجراء الانتخابات العامة بعد ثلاثة اشهر من تشكيلها.
- وطنيون لانهاء الانقسام حيث اطلق حراك وطنيون لانهاء الانقسام ما عرف بمبادرة "نداء القدس" حملت توقيع مئات من قوى مختلفة، والشخصيات الوطنية، والمستقلين، والشباب، والنساء وتضمنت عدة نقاط منها حل اللجنة الادارية، ووقف الاجراءات بحق القطاع بالتزامن، مطالبة الرئيس محمود عباس ببدء المشاورات لتشكيل حكومة وحدة وطنية لتنفيذ قرارات المجلس المركزي، التحضير لاجراء الانتخابات في غضون عام ، وتفعيل العامل الشعبي الضاغط لانهاء الانقسام ، واستمرار وقف الاتصالات مع الاحتلال بما فيها وقف التنسيق الامني.
- طرح جمال الخضري - رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار منتصف تشرين اول الماضي مبادرة جديدة اعلنها في مؤتمر صحفي في غزة تنص على ضرورة حل اللجنة الادارية وبالتزامن يتم وقف الاجراءات المتخذة بحق القطاع، وتمكين حكومة الوفاق من العمل في القطاع بكافة صلاحياتها وبضمان حقوق الموظفين الجدد والقدامى، كما دعت المبادرة لتشكيل حكومة وحدة فلسطينية، وتفعيل المجلس التشريعي للمصادقة على الحكومة، الى جانب اجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات للمجلس الوطني.
منعطف هام وتطور دراماتيكي
في كل الحراك الذي واكب العام الجاري 2017 تبقى نقطة التحول الهامة هي اعلان حماس عن مبادرة قدمت من طرفها منتصف شهر اب اشارت فيها الى انها تقدمها استجابة لما سمته صوت الجماهير الثائرة في القدس، واعلنها عضو مكتبها السياسي صلاح البردويل مشيرا الى ان اللجنة الادارية ستنتهي مهمتها فور استلام حكومة الوفاق مسؤولياتها كافة في القطاع، وعلى راس مهماتها، كما اشار استيعاب وتسكين كل الموظفين القائمين على راس اعمالهم، كما طالبت المبادرة بالغاء كافة الاجراءات التي فرضت على غزة مؤخرا، وتضمنت الدعوة للشروع في حوار وطني ومشاورات تشكيل حكومة وحدة وطنية، مع التاكيد على اهمية تفعيل المجلس التشريعي لاداء مهامه ، والدعوة لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، كما شددت على دعوة الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير لاتخاذ قرارات وطنية ملزمة للجميع تحقق مصلحة الشعب الفلسطيني .
- حل اللجنة الادارية في السابع عشر من ايلول سبتمبر الماضي اعلنت حركة حماس في تطور مفاجيء حل اللجنة الادارية التي شكلتها في مارس الماضي الامر الذي مهد الطريق امام المساعي المصرية لبدء الخطوات الجدية لانهاء الانقسام، وقوبلت الخطوة بترحيب محلي واقليمي ودولي كبير، وهو ما فتح الطريق لحكومة الوفاق لاعلان استعدادها للتوجه للقطاع، واستلام صلاحياتها هناك اسوة بالضفة الغربية، وهو ما تم فعلا بتوجه الحكومة برئاسة دكتور رامي الحمد الله للقطاع مطلع تشرين اول الماضي ووصفه المحللون بالخطوة الاولى على طريق انهاء الانقسام وانجاز المصالحة ، وعقدت الحكومة اول اجتماع لها من ثلاث سنوات في القطاع.
- في الثاني من تشرين ثاني وقع وفدا فتح وحماس في القاهرة ما عرف ببروتوكول المصالحة الذي يتعلق بتمكين حكومة الوفاق الوطني من العمل في غزة كما في الضفة الغربية، ويتضمن الاتفاق اليات محددة باشراف مصري مباشر للعمل على المعابر، الموظفين وغيرها من القضايا الحياتية الاخرى.
هذه لمحة سريعة استعرضنا خلالها ابرز المحطات التي تاتي استكمالا للمحطات التي عرضت سابقا في هذا البحث ضمن المبادرات والجهود المبذولة عربيا واقليميا ودوليا على مدار السنوات السابقة للوصول لانهاء الانقسام السياسي والجغرافي وطي صفحته تمهيدا لبدء مرحلة جديدة مختلفة هذه المرة عن سابقاتها وتؤسس لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني والمرجعيات المختلفة .
اللقاء في القاهرة يوم 21/11 يمكن وصفه بالحاسم والمصيري، حيث تتجه الانظار مجددا وسط امال بتنفيذ الاتفاقات السابقة بضمانة مصرية، الفصائل كلها ستحضر، الشخصيات المستقلة، وكافة القطاعات النسوية والمجتمع المدني لكن السؤال الذي يبقى مفتوحا هل تتحقق المصالحة هذه المرة ؟؟ المقصود مصالحة بشراكة وارادة سياسية جدية ام ان ما يجري على ضوء التجارب السابقة هو تكتيك مرحلي لدرء المخاطر الانية المحدقة وهي التي قادت للموافقة على المصالحة ، وهل ما يجري هو جهدجدي لانهاء الانقسام ام لاعادة الاقتسام؟ الاجواء مبشرة والمناخ مهيأ للاعلان عن جدية الاطراف كافة للمصالحة والمقياس المباشر في نظر الناس سيكون حكومة وحدة وطنية تحضر لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية وللمجلس الوطني عنوانا للمرحلة المقبلة وحدوث الانفراجة التي طال انتظارها ؟؟."