|
الوعيد والتهديد وتجاوز الشرعية الدولية لن يحقق السلام
نشر بتاريخ: 10/01/2018 ( آخر تحديث: 10/01/2018 الساعة: 12:35 )
الكاتب: سمير عباهره
كثير ما تنشأ خلافات ونزاعات وصراعات في هذا العالم المليء بالمتغيرات والتحولات وتعتبر العلاقات بين الدول مجالا خصبا للصراعات بمختلف أشكالها وأنواعها وتقدم نظريات العلاقات الدولية نماذج وأطراً نظرية متعددة للتعامل مع الصراعات فهما وتحليلا ومعالجة. فالصراع ظاهرة معقدة ومستمرة يولدها اختلاف الأهداف القومية التي تنعكس على السياسات الخارجية للدول وعلى علاقاتهما فيما بينهما. ولهذا فان أهمية الصراعات والنزاعات تنبثق من منظور واقعي فيما يتعلق بتفسيرها حيث تدفع هذه الصراعات والنزاعات غالبا إلى خوض الحروب أو لإيجاد حلول واقعية لها. وإن كانت الحروب والنزاعات المسلحة هي الوجه الأبرز للصراع إلا ان هناك أدوات أخرى أوجدتها الدول النافذة في السياسة الدولية وأصبحت تحكم العلاقات الدولية وسلوكها ونزوعها نحو استعمال القوة لتعظيم مصالحها من جهة ولخلط الاوراق في مناطق الصراع من جهة اخرى بدلا من صياغة آليات لحل النزاعات والصراعات والحد من تفاقمها. وهكذا أرادت الولايات المتحدة في تعاملها مع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ان تفرض حلولها على الفلسطينيين من منطلقات تتعلق بمصالحها ومصالح إسرائيل دون الأخذ بعين الاعتبار حقوق الشعب الفلسطيني متجاوزة قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي، حيث لجأت الولايات المتحدة الى لغة التهديد والابتزاز لفرض موقفها على الفلسطينيين بعدما أخلت بحيثيات الصراع وانتزعت منه أهم عناصره بإخراج القدس من معادلة الصراع عندما اعترفت بها عاصمة موحدة لإسرائيل وشكلت ضربة لأي مفاوضات قادمة اذ انه لا يمكن تجزئة الصراع ولا يمكن تحييد أهم عناصره لأنه لم يعد بالإمكان إجراء مفاوضات مبتورة لا تلبي الحقوق الوطنية الفلسطينية. وتعتبر نظرية توازن القوى من أهم النظريات التي تحكم العلاقات الدولية وتأخذ شكل التحالفات وموازين القوة العسكرية والسياسية حيث استفادت بعض الدول من هذه النظرية بحكم تحالفاتها،لكن الدول الكبرى التي تتمتع بمكانة سياسية دولية وقوة عسكرية حاولت فرض مواقفها على الدول الضعيفة وخاصة في ظل انهيار نظرية التوازن الدولي ونتج عنه اختلال في موازين القوى بانهيار ثنائية الأقطاب وانتهاء الحرب الباردة حيث كانت الكثير من الدول تقيم توازناتها من خلال السير في فلك قطب من الأقطاب القائمة وادى هذا الانهيار ال ىتبوء الولايات المتحدة الامريكية عرش السياسة الدولية وانفرادها بالقرار الدولي. الولايات المتحدة وجهت تهديدا مباشرا للسلطة الفلسطينية بضرورة التعاطي مع مشروعها في فرض حلولها للصراع وهذا ما رفضته القيادة الفلسطينية بل ان الولايات المتحدة ذهبت الى ما هو ابعد من ذلك فبعد ان ضربت احد العناصر الأساسية في الصراع وهو القدس ذهبت لمحاصرة "اونروا" وهي المنظمة الدولية التي تعني بحقوق اللاجئين الفلسطينيين من خلال وقف كافة اشكال الدعم والمساعدات المادية عنها وهي تهدف لضرب حق العودة.ان إسقاط أهم عنصرين من عناصر الصراع يعني انتهاء ملف التسوية اذ انه من المستحيل عودة الفلسطينيين لعملية التسوية في ظل التهديدات القائمة وفي ظل فرض سياسة الأمر الواقع. لغة التهديد التي تتبعها الولايات المتحدة مع الفلسطينيين تعني فشل السياسة الخارجية الأمريكية بل هي تقزيم لدور الولايات المتحدة التي تتربع على عرش السياسة الدولية وفشلا للدبلوماسية الأمريكية اذ ان هدف الدبلوماسية في المقام الأول هو التوفيق بين خلافات الدول لا توجيه رسائل الوعيد والتهديد والابتزاز. ولو كانت الولايات المتحدة جادة فعلا في ايجاد حلول للصراع لعملت على ردم الهوة بين طرفي النزاع او تضييقها على الاقل وذلك بتحييد نظرية موازين القوى والذي يميل لصالح إسرائيل بحكم عوامل وتداخلات كثيرة فكلما كان ميزان القوى متقاربا زاد احتمال نجاح الأطراف في التوصل الى تسوية. هل تريد الولايات المتحدة ان تضع نفسها طرفا في الصراع بما يتعارض مع مكانتها ودورها وبما يتعارض مع التوازنات الدولية القائمة فتارة تريد فصل نفسها عن الصراع وتارة أخرى تضع نفسها طرفا فيه وخاصة عندما تكون مسألة توازن القوى هي اللحظة المواتية للحل على ان الصعوبة في التقدير تكون عند من يدير الصراع، حيث ان بعض الباحثين تحدث عن الفرص المحفزة في ظل تحييد نظرية التوازن بمعنى اقتناع الأطراف بوجود نتائج مشجعة وضرورة الوصول إلى مرحلة النتائج لكلا الطرفين وهنا يجب ان تكون جوهر عملية التسوية. فشل الترتيبات الدولية في إيجاد حل للصراع خلال ربع القرن الأخير هو من أطلق يد العنان لسياسة الولايات المتحدة للتحكم بكل عناصر الصراع بما يتقاطع مع مصالحها،ونحن ندرك جيدا ان السياسة تتميز بصراع المصالح وان مصالح الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط لا تقتصر على إسرائيل فحسب بل تمتد الى باقي مناطق الشرق الأوسط وفي مختلف الأقطار العربية ويجب ان يكون هذا دافعا للولايات المتحدة لتعديل سياساتها تجاه الفلسطينيين. في مرحلة إدارة الصراع نتحدث عن التسوية والتسوية الحقيقية التي تبحث في جذور الصراع تطرح السؤال التالي: لماذا يتوقف الناس عن الصراع ويبحثون عن السلام؟ هذا سؤال جذب الباحثين والمهتمين، وهو سؤال يرتبط بالموارد والقدرة والفرصة، ومرتبط كذلك بإرادة القرار التي تقوم على القناعة بأن هناك طرقا كثيرة للحل بدون عنف وتهديد. |