|
لماذا يُحجم مالكو "فيسبوك" و"تويتر" عن استخدامهما؟
نشر بتاريخ: 25/01/2018 ( آخر تحديث: 25/01/2018 الساعة: 11:23 )
بيت لحم-معا-على الرغم من حرص شركات التكنولوجيا المختلفة على استخدام منتجاتها في عملياتها الداخلية، كإشارة إلى جودة تلك المنتجات وفاعليتها، فإنَّه يندر أن نجد بين مستخدمي الشبكات الاجتماعية المنتظمين مَن هو في موقع السلطة في تلك الشبكات.
لا يستخدم مارك زوكربيرغ موقع فيسبوك كما يستخدمه رواد مواقع التواصل الإجتماعي. فالرئيس التنفيذي ذو الثلاثة والثلاثين عاماً لديه فريقٌ من المشرفين، وظيفته هي إزالة التعليقات والرسائل المزعجة من حسابه، وفقاً لوكالة "بلومبيرغ". ولديه مجموعة صغيرة من الموظفين لمساعدته في كتابة المنشورات والخطابات، ومصورون محترفون لالتقاط صور احترافية مُصممة بشكل معين أثناء اللقاءات. وطبيعة القيود على حساب زوكربيرغ، بحسب ما ذكرت صحيفة "غارديان" البريطانية، تعني أنَّ الناس العاديين لا يستطيعون رؤية المنشورات الخاصة على حسابه، لكن من الصعب تصور أنَّه قد يشارك في جدال على منشور عنصري يُهاجم المهاجرين مثلاً. وهذا ليس أمراً خاصاً بزوكربيرغ فقط، بل جميع مديري الموقع التنفيذيين الرئيسيين. فجميعهم لا يملكون حساباتٍ "عادية" على فيسبوك. إذ ليس بإمكانك إضافتهم إلى قائمة أصدقائك، ونادراً ما ينشرون شيئاً للعامة، ويحفظون معلوماتهم الشخصية بشكلٍ سري، حتى تلك التي يقترح فيسبوك إبقاءها علنية كإجراء اعتيادي، كعدد الأصدقاء على سبيل المثال. الأمر نفسه ينطبق على "تويتر"، فمن بين المسؤولين التسعة الأكثر أهميةً في الشركة، يغردّ أربعةٌ منهم فقط أكثر من مرة في اليوم الواحد في المتوسط. نيد سيغال المدير المالي للشركة لديه حساب على الموقع منذ أكثر من ست سنوات، ولكنَّه غرَّد بمعدل يقل عن تغريدتين شهرياً. والشريك المؤسس جاك دورسي، الذي يُعدُّ ممن يغردون كثيراً بين مسؤولي تويتر، غرَّد نحو 23 ألف مرةٍ منذ انطلاق الموقع، وهو رقمٌ يقل بفارق كبير عن نصف عدد تغريدات المستخدمين الذين يتفاعلون مع الموقع باستمرار في نفس الفترة الزمنية. وتندر ردود دورسي على الغرباء، وهو يتجنب المناقشات والجدال على الموقع. ولا يغرد عن البرامج التلفزيونية أو الأحداث الرياضية. في الحقيقةِ، إنَّه لا "يستخدم" تويتر، بل يغرد عليه من وقتٍ لآخر. والسؤال الأهم هو كيف سيقدم هؤلاء أفضل خدمة إذا لم يستخدموا شبكاتهم كبقية الناس؟ معارضو استخدام فيسبوك من مؤسسيه خرج شون باركر الرئيس المؤسس لموقع فيسبوك عن صمته، في تشرين الأول العام الماضي، قائلاً في مؤتمر بمدينة فيلادلفيا، إنَّه كان "واحداً من المعارضين لاستخدام الشبكات الاجتماعية". وأضاف باركر: "كانت الفكرة وراء إنشاء هذه التطبيقات، وفي مقدمتها فيسبوك... تتمحور حول كيفية دفع المستخدم لقضاء أطول وقت ممكن وجذب أكبر انتباه ممكن. وهذا يعني أنَّنا بحاجة لإعطائك جرعةً من الدوبامين من وقتٍ لآخر، لأنَّ شخصاً أحبَّ أو علق على صورة أو منشور لك، وهذا يدفعك للمساهمة أكثر في الموقع... والحصول على إعجابات وتعليقات أكثر، وهكذا". وتابع: "إنَّها حلقةٌ مُغلقة من ردود الفعل للحصول على القبول الاجتماعي... شيءٌ قد يفعله أو يبتكره أحد قراصنة الإنترنت مثلي، لأنَّك تستغل به نقاط الضعف في الطبيعة البشرية. المخترعون والمبتكرون أمثالي، وأمثال مارك زوكربيرغ وكيفن سيستروم في إنستغرام، كل هؤلاء يعُونَ ذلك جيداً، ولكننا فعلنا ذلك على أي حال". بعد ذلك بشهرٍ انضم إلى باركر معارضٌ آخر لاستخدام فيسبوك، وهو تشاماث باليهابيتيا النائب السابق لرئيس موقع فيسبوك لشؤون نمو المستخدمين. إذ قال باليهابيتيا في مؤتمرٍ عُقد بستانفورد في ولاية كاليفورنيا: "حلقات ردود الفعل المُغلقة المدفوعة بجرعات الدوبامين ذات الأثر قصير المدى التي صنعناها تُدمر الكيفية التي يعمل بها المجتمع. إذ لا يوجد حوار متمدن، ولا تعاون، بالإضافة إلى التضليل والأكاذيب. هذا لا يتعلق بالدعاية الروسية، إنَّها مشكلةٌ عالمية. وتُقوِّض أسس السلوك الإنساني وتعامل الناس مع بعضهم. أستطيع السيطرة على قراري، وهو عدم استخدام هذه الشبكات السيئة، ويمكنني التحكم في قرارات أطفالي، وذلك بعدم السماح لهم باستخدامها". إدمان الشبكات الاجتماعية أزعج بيان باليهابيتيا فيسبوك كثيراً، لدرجة أنَّ الشركة نشرت رداً اعترفت فيه بإخفاقاتها السابقة، وهي خطوةٌ نادرة لعملٍ تجاري كتومٌ بعض الشيء بشأن مواطن القصور لديه رُغم مهمته في تسهيل "التواصل بين الناس". وقالت المتحدثة باسم الشركة: "عندما كان باليهابيتيا في فيسبوك، كنا نركز على بناء تجربة جديدة لاستخدام الشبكات الاجتماعية، ونشر موقع فيسبوك حول العالم. لقد كان فيسبوك في ذلك الوقت شركةً مختلفة... وبنمو الشركة، أدركنا نمو مسئولياتنا أيضاً. نحن نأخذ دورنا على محمل الجد، ونعمل بكل جِد لتطوير الشركة". بعد ذلك بأيام أقدم فيسبوك على خطوة أكثر جرأة، إذ نشر نتائج دراسةٍ تشير إلى أنَّ فيسبوك يجعل الناس يشعرون بالسوء، ولكن ذلك يحدث فقط عندما لا ينشرون على الموقع بشكل كاف. وقال باحثان في فيسبوك في مراجعة للأبحاث المنشورة حالياً: "بشكل عام، عندما يقضي الناس وقتاً طويلاً يتصفحون فيسبوك ويستهلكون المعلومات بشكلٍ سلبي؛ يقرأون ولكن لا يتفاعلون مع الناس، فإنَّهم بعد ذلك يقولون إنَّهم يشعرون بالسوء"، ولكن على الجانب الآخر "فإنَّ التفاعل مع الناس ومشاركة الرسائل والمنشورات والتعليقات مع الأصدقاء المقربين، ومشاهدة المنشورات السابقة وتفاعل الآخرين معها، كل ذلك يؤدي بالمستخدم للشعور بشكلٍ أفضل". يبدو الأمر مواتياً للهدف من فيسبوك كما يبدو. ولكن بالنسبة لآدم ألتر الباحث في علم النفس ومؤلف كتاب Irresistible، الذي يتناول مسألة إدمان التكنولوجيا، فإنَّ مسألة إسهام الشبكات الاجتماعية في شعور المستخدمين بالحزن أو السعادة ليس هو المهم، لكن المشكلة الأكبر هي الاستخدام القهري للشبكات الاجتماعية، أي إدمانها. يقول ألتر: "مفهوم الإدمان ينطبق بشكلٍ أوسع وعلى الكثير من السلوكيات، أكثر مما نتصور، وعلى عددٍ أكبر من الناس. فما يصل إلى نصف البالغين من سكان العالم يدمنون سلوكاً واحداً على الأقل. لا يدمن الكثير منا المخدرات، ولكن وفقاً للطريقة التي يسير بها العالم الآن، هناك العديد والعديد من السلوكيات التي تصعب مقاومتها، والكثير منا يعتاد هذه السلوكيات بشكلٍ ضار يقترب من الإدمان أو يصل إليه بالفعل". ويجادل ألتر قائلاً إنَّ هذه السلوكيات الإدمانية لا تحدث عرضاً، بل هي نتيجة مباشرةٌ لأهداف شركاتٍ مثل فيسبوك وتويتر لبناء منتجاتٍ "يلتصق بها المستخدم"، منتجات يرغب المستخدم في العودة إليها باستمرار. قرصنة النفس البشرية باركر وباليهابيتيا ليسا سُكان وادي السيليكون الوحيدين اللذين تحدثوا عن قلقهم من طبيعة التكنولوجيا الحديثة الهادفة لتحويل استخدامها لعادة لدى المستخدمين. إذ أفاد تقريرٌ لصحيفة الغارديان البريطانية، في تشرين الثاني 2017، بارتفاع عدد المبرمجين والمصممين الذين يستقيلون من عملهم لشعورهم بخيبة الأمل تجاه ما يتضمنه ذلك العمل. إذ يملك عدد من الموظفين الحاليين في مجال تصميم الواجهات شكوكاً تجاه مهنتهم، مثل كريس مارسيلينو، أحد مبتكري نظام آبل للإشعارات، الذي ترك المجال ليتدرب كجراح أعصاب، ولورين بريتشر، الذي صمم تقنية سحب الشاشة بالضغط لأسفل لتحديث التطبيقات، ما حول تطبيقات عديدة إلى قُطاع طرق بذراعٍ واحدة. يكرس لورين الآن وقته لبناء منزلٍ في نيوجيرسي. أدرك آخرون الأمر نفسه، لكنَّهم قرروا تقبله، مثل شركة Dopamine Labs للخدمات الاستشارية في لوس أنجلوس. توفر الشركة خدمة ملحقة بالتطبيقات لجعلها تُقدم "لحظات من السعادة" مُخصصة لكل مستخدم. وتتعهد لعملائها قائلةً: "سيتوق لها مستخدمو تطبيقاتكم، وبهذا سيعشقون تطبيقاتكم نفسها". لو كان هذا هو الوضع، إذاً فالمديرون التنفيذيون للشبكات الاجتماعية يتبعون ببساطة قاعدة مروجي وبائعي المخدرات في كل مكان، القاعدة الرابعة في وصايا الاتجار بالكوكايين العشر التي غناها مطرب الراب الأميركي بيغي سمولز، وهي: "لا تنتشي أبداً بما تبيعه". وقال ألتر: "العديد من جبابرة التكنولوجيا حذرون للغاية في استخدامهم لهذه التكنولوجيا، والكيفية التي يسمحون لأطفالهم أن يستخدموها بها، وحتى بخصوص مدى دخولهم إلى الأجهزة والتطبيقات والبرامج المتعددة. يقف بعضهم على المنصة ويقول: هذا أعظم منتج على الإطلاق، لكن حين تُنقب جيداً تعرف أنَّهم لا يسمحون لأطفالهم بالوصول لهذا المنتج". وقال تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل الأسبوع الماضي لصحيفة الغارديان: "ليس لدي أطفال، لكن أحد إخوتي لديه ابن. وأضع حدوداً له. هناك بعض الأمور التي لا أسمح بها. لا أريده على أي شبكة اجتماعية". (Huffington Post) |