|
إمرأة من رام الله: السرطان لا يعني الموت
نشر بتاريخ: 07/02/2018 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:05 )
القدس- معا- بقوة يتحدون، وعلى آلامهم يصبرون، يرفضون نظرة الشفقة أو جعل من يحبونهم يحزنون، يقعون بين خيارين إما الإستسلام للموت أو أن يخوضوا معركة طويلة وقاسية فيخرجون منها فائزون ، هي لحظات قصيرة تفصلهم بين الحياة والموت بسبب مرض فتاك اقتحم أجسادهم دون استئذان، إنه مرض السرطان الخبيث الذي هو أشبه بكابوس مظلم ينقل حياة المريض نقلة نوعية من حياة طبيعية إلى حياة تملؤها الفوضى الجسدية والنفسية بين آلام غير طبيعية وبصيص أمل وثقة بالله، وننقل إليكم في هذا التقرير قصة إمرأة جبارة قهرت مرض سرطان الثدي لتكون نموذجا يحتذى بها أمام كل إمرأة في العالم.
(م.ن) من مدينة رام الله (43) عاما، هي نموذج للمرأة الجبارة التي تحدت سرطان الثدي بكل قوة وإرادة رافضة اليأس والضعف والإستسلام للمرض، أو أن تكون محل شفقة أمام الأخرين، وبدأت حديثها قائلة بحزم : "السرطان لا يعني الموت، هو مرض كأي مرض يشبه الإنفلونزا أو أكثر بقليل فقط ، والشفاء منه لم يعد مستحيلا، أريد من الجميع أن يعلم ذلك"، مضيفة: "إن الإصابة بالسرطان هو مرحلة من العمر يعيشها البعض وستمضي مع مرور الوقت، إما أن يسجلها المريض انتصارا او انهزاما واستسلاما للموت، فالمريض له الخيار وبيده القرار". البداية وعن بداية اكتشافها للمرض، قالت: أنا زوجة وأم لأربعة أولاد، كنت أعيش عالمي الخاص، لا يعكر صفوه سوى متاعب الحياة ومشاغلها، كان جميلا وهادئا لكن لحظة اكتشاف المرض انقلبت أموري رأسا على عقب، كان ذلك قبل 3 أعوام حين كنت أستحم شعرت بكتلة صغيرة بالقرب من الثدي الأيمن، لم أتوان لحظة وذهبت إلى الطبيب على عجل، وأخبرني بأن الأمر مطمئنا، وأن الكتلة ليست سرطانا ، لم أرتح لكلامه وذهبت لطبيب آخر الذي بدوره قال لي بأنه لا داعي للقلق، لكن يجب أن أجري عملية لاستئصال الكتلة في الوقت الذي أحب، وبالفعل قمت بتأجيل الموضوع من أجل ابني الذي كان يتقدم لامتحانات الثانوية العامة، وبعدما أنهى امتحاناته ، أجريت العملية وانتظرت نتيجة الفحوصات، التي لم أكترث بها وإذ بالطبيب يخبرني بأنه للأسف الكتلة كانت ورما خبيثا أي "سرطان". مصدرا القوة والضعف وبنظرة حزينة قالت : للوهلة الأولى، لم أهتم ولم أبكِ وعلى الفور نظرت إلى زوجي الذي انهار باكيا وفزعا من هول تلك الفاجعة، احتضنته ومسحت دمعه، لم أرد أن أخبر أحدا من أبنائي أو عائلتي ، لا قريب ولا بعيد ، لكن كانت الصدفة بأن ابنتي كانت تجري فحصا لعينيها بذات العيادة وكان يجب علينا انتظارها ، فرأت والدها والدمع بعينيه، فسألته عن السبب فأخبرها ، لم أكن أود اخبارها فهي حساسة جدا، لكن شاءت الظروف أن تعرف، فكانت هي ووالدها بالنسبة لي مصدرا القوة والضعف في آن واحد. صبر وتحدٍ وتضيف: حين غادرت العيادة إلى البيت، لم أنم يومها وأصابني شعورا بالقلق ليس على نفسي وإنما على مصير عائلتي، وكنت لا أعرف شيئا عن هذا المرض ، فتصفحت مواقع الانترنت لأعرف أكثر ، وحينها قررت بأن أحارب المرض بتحد وصبر، وألا أدعه يسيطر على جسدي، أو أن أسمح له بأن يدمر حياتي، وفورا في اليوم التالي ذهبت إلى عيادة مستشفى المُطّلع في رام الله والتقيت بالدكتور يوسف حمامرة مدير مركز علاج الأورام في مستشفى المُطّلع بالقدس، الذي أخبرني بخطأ اجراء العملية بهذه السرعة وأنه كان من الضروري أن يأخذوا خزعة من الورم، لكنه طمأنني حين أخبرني بأني بالمرحلة الأولى من المرض وأن علي اجراء صورة طبقية لمعرفة اذ ما تم انتشار المرض في جسدي أم لا، وتقول بحزن وألم : "غلطة الطبيب كانت بألف، وتحولت حياتي من حياة طبيعية ، إلى قلق وتوتر ومصير مجهول". وتتابع: يوم اكتشاف مرضي كنا بشهر رمضان وكان علي لقاء أمي واخواتي، فسألتني أمي عن نتيجة الفحص فأجبتها خوفا عليها بأنها لم تظهر بعد ، فنزلت أمي من السيارة وبقيت وأخواتي فأخبرتهم بأنه الورم كان حميدا فرجعت أمي مسرعة كأن قلبها أجبرها بالعودة وسألتني ماذا كانت النتيجة فأخبرتها بأن الورم كان حميدا لكن علي الخضوع للعلاج، فكانت صدمة كبيرة لعائلتي . وتتابع : في اليوم التالي التقيت بالدكتور عمر عبد الشافي الذي أخبرني بضرورة الخضوع لعملية في مستشفى المُطّلع في القدس، وبفضل الله كنت قد حصلت على تصريح دخول للقدس بشهر رمضان وأجريت العملية وكانت النتائج مطمئنة ولم ينتشر المرض في جسدي وهذا يعني إن كانت المرحلة من المرض في بدايتها ، وقمت بالتشخيص مبكرا فهذا يساوي شفاء عاجلا، وبفضل الله كنت بالمرحلة الأولى من المرض. الخجل خسارة عظمى وتقول (م.ن) عن خجلها من مرض سرطان الثدي : شعرت بالخجل للوهلة الأولى، لكني لو خجلت لخسرت الكثير، ودفعت الثمن غاليا، ومن هنا ، أنصح كل إمرأة بضرورة الكشف المبكر، وألا تستهين بنفسها وصحتها، لكي لا تخسر نفسها وعائلتها، فلا حياء بالدين ولا بالعلم ولا حياء بالمرض أيضا. وتضيف: لم أرغب في إخبار أولادي وعائلتي ووالد زوجي خوفا عليهم وليس حياء أو خجلا، لأنه كما هو متعارف في مجتمعنا السرطان يعني الموت فرفضت إخبارهم لأني سأقلق راحتهم وأدمر نفسيتهم، لكن التطور الكبير في العلم والاجهزة الطبية الحديثة الموجودة كلها تؤكد بأن السرطان لم يعد يسبب الموت. رحلة العلاج خضعت (م.ن) لخمس طرق علاج في مستشفى المُطَّلع، لم تشتك يوما أو قامت بالبوح بآلامها لأحد، تقول : كنت دائما بأبهى حلة في مرضي، ورفضت أن أظهر لأحد أوجاعي وآلامي، فلم اشتكِ يوما أمامهم، فقد ألهمني ربي الصبر والقوة ، وان زادت على آلامي كنت أذهب إلى مستشفى المُطَّلع الذي كان يحتوي كل مريض ويدعمه فلم أشعر بأني غريبة فيه يوما ، بل كانت الطواقم الطبية والممرضين والممرضات يعتنون بي أفضل اعتناء كأني في بيتي وأكثر ، وكان للدكتور حمامرة دورا كبير في دعمي والتخفيف من قلقي . وتضيف بضحكة خجولة: أنا إمرأة تحب ذاتها والإعتناء بجمالها وأناقتها ، لم أستخدم المواد التجميلية يوما إلا عندما أصبت بالمرض كي أبقى كما أنا أمام عائلتي وكل من أحب. شعور لا يوصف وعن أصعب مرحلة خاضتها في رحلة العلاج، أوضحت : خضعت للعلاج الهرموني والبيولوجي والاشعاعي والكيماوي والدوائي، لكن أصعب مرحلة كانت هي العلاج الكيماوي حيث كان المرض بكفة وتساقط شعري بسبب الكيماوي بكفة أخرى ، كان وجعا لا يطاق ، كأن شيئا ينتزع من روحي ، مع أني قبل أن أخضع للكيماوي قمت بتقصير شعري ، لكن لم يخفف هذا الأمر عن نفسي بل زادني وجعا وألما. وتتابع: كان الوجع نفسي أكثر مما هو جسدي، فذهبت مسرعة إلى الدكتور حمامرة وأطلعته عما أشعر به، فقال لي بالحرف: احلقي شعرك على الفور، رجعت إلى البيت وبداخلي بين الرفض والقبول ، وسألت زوجي: هل تحلق لي شعري أم أحلقه بنفسي؟ فرد علي بسؤال: هل أنت متأكدة؟ فقلت له: نعم. كانت ترغب (م.ن) أن تخفف من وجعها النفسي قليلا ، فتحدت ذاتها ، وصبرت ودعت الله أن يعوضها خيرا، وهذا ما حصل حيث قالت: بدأ زوجي بحلاقة شعري، وكنت أشعر حينها بأن هما كبيرا قد زال، وغصة كبيرة لا تحتمل قد أزيحت عن صدري ، وبعد أن انتهى ، لم أنظر إلى المرآة ، وعلى الفور استحميت ولبست الحجاب لكي لا يراني أولادي. وتضيف: إن الحالة النفسية السيئة للمريض قد تضعف مناعته الجسدية ، فهذا المرض يحتاج لمعنويات عالية لمقاومته ، فإذ كان المريض ضعيفا ونفسيته متعبة سيستسلم للمرض، وهذا كان دوري وتذكرت وعدي لنفسي منذ بداية اكتشاف المرض بأن أقاوم بقوة كأني في جبهة حرب، وسعيت لأن تكون انتصارا ، وبالفعل كنت قوية وصبرت وتحديت المرض، وتقول بحزن: أذكر كم كنت قوية أمام أطفالي، ففي إحدى الأيام كنا نجلس على مائدة الطعام كعائلة فأخذت ابنتي الصغيرة تبكي بحرقة وتطلب مني أن اشلح الحجاب ، فمسكتها وضممتها وأخبرتها بلطف وخوف بأن هناك مرض أصاب جسدي فسقط شعري لكنه سيعود مجددا قريبا. عام ونصف العام عانت فيها (م. ن) من المرض الخبيث لكن رغم معاناتها القاسية إلا أنها كانت قوية وصلبة وقتلت السرطان قبل أن يقتلها ، وأبت أن يكسرها أو يضعفها واختتمت حديثها بالقول: لا يمكن للسرطان أن يسرق الحلم، ولا أن يحطم الأمل أو يدمر القوة فالقوة بالله دائما وأبدا، وأنا اليوم دست على المرض ومضيت ، فالشكر لله والحمد. |