كانت هذه مذبحة مدروسة.. محسوبة.. في وَضَح النهار
نشر بتاريخ: 05/03/2018 ( آخر تحديث: 05/03/2018 الساعة: 14:47 )
عميره هس
الهجوم على الراعي الفلسطيني وعلى قطيعه لا يدل على أنه عملية عابرة أو على أن الشباب اليهود الذين قاموا بها نموذجيون وذوو قيم طغت على عواطفهم ذكرى المجازر. إنه هجوم إرادي جدا، مدروس جدّا، وله هدف مقصود.
إن ال-96 تعليقا على صفحات الفيسبوك على الخبر الذي نُشِر في جريدة "هآرتس" عن المقنعين اليهود الذين هاجموا الراعي الفلسطيني وذبحوا أغنامه. عمّا تعبّر هذه المشاركات - عن صدمة من الهجوم أوعن تأييد له؟ هذا أو ذاك، تذكّر هذه الجريمة التي اقْتُرِفَت قبل أسبوعين تقريبا، بتاريخ 21 فبراير/شباط، ومن المؤكّد أن ذكرها قد سُحِقَ تحت العناوين المفرقعة عن التحقيق مع رئيس الحكومة وغيره وقد زُجّ به إلى مستودع الذاكرة المفقودة للعنصريّة اليهوديّة.
أسبوع بعد هذا الهجوم، كان ظافر ريّان، إبن أل - 27 لا يزال في حالة ذهول. والدُه، محمد،وأخوه يؤكّدون أنه لم بعد إلى طبيعته. وأجاب هو بالموافقة عندما سُئل إن كانت الجريمة لا تزال تؤثّر عليه. لكن ليكن واضحا: هذا لم يمنعه من العودة تقريبا ليرعي قطيع العائلة، مع إخوته. عادة يخرج الأخوة إلى المرعى معا. تقع الحظيرة على بُعْد عشرات الأمتار عن بيتهم، على منحدر الجبل، ويقع المرعى فوق الحظيرة على مسافة قصيرة.
في ذلك اليوم خرج ظافر وحده مع الأغنام. كان الوقت ساعة ظهيرة. ومَن كان هناك، في البؤرة الاستيطانيّة غير المرخّصة وغير القانونيّة في أعلى الجبل، انتهز الفرصة، هذه ما يستنتجه الأب. أسرعوا بالهبوط باتجاهه: خمسة معا ، مُقنّعين، ضربوه بالعِصيّ على رأسه وعلى يديه.كان معه عصا، حاول الدفاع عن نفسه والردّ عليهم، يقول كانوا كثيرين. ومجهولون آخرون ممَن كانوا معهم هجموا على القطيع، ذبحوا عددا من الأغنام، وجرحوا أغناما أخرى، وطردوا ما تبقى.
كان أحد أقاربه ممَن يعملون بالبناء قريبا فاستغاث طالبا المساعدة. سارع شباب القرية بالصعود إلى المكان، ونزل من أعلى الجبل جنود ورجال شرطة إسرائيليين. اهتم ظافر بالأغنام التي هربت. لم يُعْرَف عدد الأغنام التي ذُبِحت، وعدد التي أُصيبت وعدد التي فُقِدَت. نُقِل ظافر للفحص في المستشفى في نابلس وبقي هناك حتى المساء. وقد زال الورم من رأسه. كانت بيده جروح جافة، معظم اغنام القطيع حوامل، بعض ممّا ذبحه المعتدون وبعض مما فُقِد حوامل. إن واحدة من الأغنام التي جُرِحَت أجهضت بمولود ميّت، لم نسمع إن كانت شرطة إسرائيل قد اعتقلت متّهَمين.
هذا الهجوم لا يدل على مهووسين أوعلى طفرة عاطفيّة آنيّة لشباب يهود نموذجيين وذوي قيَم أو مجهولين متعصبين دينيّا، وقد حرّكت فجأة عواطفهم المجازر التي إرتكبها المسيحيّون ضدّ اليهود، هذا الهجوم على ألفلسطينيين كمئات الهجمات السابقة لها، هو إراديّ جدا، مدروس جدّا، وموجّه إلى هدف.
في كل هجوم يوجد توزيع واضح للأدوار بين جميع العوامل الميدانيّة: المهاجمون أنفسهم؛ الجيش الإسرائيلي الذي من واجبه حماية كل يهودي أيّا كان، مستوطنا أو زائرا لمستوطنة، بما في ذلك ممن يرتكب المجازر؛ مراقبو الإدارة المدنيّة، ومن مهامهم توزيع أوامر وقف البناء اليهودي غير المرخّص في الضفة الغربيّة (وجميع المباني اليهوديّة غير قانونيّة بموجب القوانين الدولية)، ومن واجباتهم أيضا عدم التنفيذ في مُعْظم الحالات؛ مجلس التنظيم الأعلى في الإدارة المدنيّة، من واجباته تنفيذ السياسة التي بموجبها يُمنع الفلسطينيون من البناء والتنزّه والزرع والرعي في أراضيهم، ليأخذ المجلس هذه الأرض ويمنحها لليهود ليبنوا ويتكاثروا عليها؛ ألمستوطنون الذبن لا يهاجمون جسديا لكنهم يجولون بأنظارهم ويطلبون الحماية، لهم وللبؤر الاستيطانية التي يخرجون منها؛ والشرطة التي من مهامّها غضّ النظر عن هجمات الإسرائيليين واليهود الذين من واجباتهم عدم الربط وعدم التفكير وعندئذ حماية قداسة المستوطنات وملحقاتها.
البؤرة الإستتيطانيّة التي نزل منها المهاجمون هي واحدة من تسع بؤر استيطانية وُلِدْن خلال السنوات من مستوطنة يتصهار غير القانونية وغير المرخّصة. كل بؤرة استيطانيه هي لبنة في كتلة استيطانية جديدة. بؤرة تقرب اليهود من القرى الفلسطينيّة، من بساتينهم ومراعيههم. أمّا المُدماك الهام في الشبكة الدفاعية لجيش الدفاع الإسرائيلي هو أمْرُ العقيد [الألوف] الذي يمنع الفلسطينيين من دخول أراضيهم، من أجل منع الاحتكاك مع مُرتكبي المجازر. هكذا، الدائرة الإقليميّة التي يستطيع يهودنا، أن يدخلوها، منتصبي القامة، لترعى أغنامهم وليبنوا بها تتسع قليلا .ثمّ قليلا.ثمّ قليلا. وفي المرحلة القادمة سيقتربون من بيوت الفلسطينيين. وعندئذ سيأتي الجيش وحرس الحدود ليهاجموا الفلسطينيين الذين يدافعون عن أنفسهم، وعن عائلاتهم وعن أملاكهم. بقنابل الغاز المسيّل للدموع والقنابل الارتجاجيّة وبالرصاص المعدني المغلف بالمطّاط .
كل شيء مدروس. إن توزيع المهام أعطى ثمارا في كلّ أنحاء الضفة الغربيّة. هنا سنتيمتر، وهناك رُبع دونم، وفي مكان آخر قطعة أرض كاملة - والفلسطينيون يُحْشَرون أكثر وأكثر إلى جيوبهم المبنيّة.
بالمناسبة، أصل عائلة ريّان من القرية الفلسطينيّة المهدومة مجدل بابا أو مجدل الصادق (جنوبي راس العين حاليّا). كانت مساحتها حوالي 26 ألف دونم. في القرن التاسع عشر بنى الشيخ صادق ريّان قرية صغيرة على أنقاض قلعة صليبيّة كانت هناك. لا زالت القرية الصغيرة تشرف على الشارع حتى يومنا هذا. كان لجدّ ظافر أخ يسكن قبل حرب 1948 في قرية عينبوس [جنوبي نابلس– ]. وقد انضم إليه بعض إخوته، بدلا من الإقامة في مخيّم للاجئين. لقد مات الجد في سنوات الستين من شدّة شوقه لبيته. أقام الأب محمود دارا للطباعة، وتعلّم أبناؤه مِهَناً مختلفة كالهندسة والغرافيكا، لم تكفِ دار الطباعة لإعالة العائلة. قبل حوالي سنة باع دار الطباعة واشترى أغناما.
ترجمة: مين خير الدين