وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

هل المجلس الوطني قبل المصالحة أم العكس؟

نشر بتاريخ: 17/03/2018 ( آخر تحديث: 17/03/2018 الساعة: 16:55 )
هل المجلس الوطني قبل المصالحة أم العكس؟
الكاتب: نعيم الاشهب
الدعوة لعقد المجلس الوطني الفلسطيني أواخر نيسان القادم ، قبل أن يسبقه انجاز المصالحة وتوحيد الصف الفلسطيني والاتفاق على استراتيجية بديلة لتلك المفلسة ، هو كوضع العربة قبل الحصان ، بل ويدفع في الاتجاه المعاكس نحو تعميق الانقسام ، وجعله بلا رجعة ، في أدق المراحل وأخطرها على القضية الفلسطينية ومستقبلها ، وبما يشكك ، في الوقت ذاته ، بأن الدافع من وراء الدعوة لعقده ليس تبني سياسة بديلة لسياسة أوسلو الكارثية والتصدي الفعلي لصفقة العصر التصفوية ؛ يعزز هذا الشك خطوات الرئيس عباس مؤخرا. فحين أعلن التخلي عن الوساطة الأميركية المنفردة بين الاسرائيليين والفلسطينيين ، عقب قرار الرئيس الأميركي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ، فانه ، أي الرئيس عباس ، بدل أن يعزز قرارات المجلس المركزي المتواضعة ، التي جاءت في مجال الرد على خطوة ترامب سالفة الذكر، ويسّرع تنفيذها ، قام بتجميدها ! مما يترك الانطباع بأن اعلانه التخلي عن الوساطة الأميركية المنفردة في النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي هو مجرد نوع من " الحرد" ، وأن الجمود والشلل الذي أعقب هذا الاعلان ، بما في ذلك وأد قرارات المجلس المركزي سالفة الذكر، هو في انتظار "الترضية" من الطرف الأميركي.
وجدير بالذكر ، في هذا السياق ، أن اعلان التخلي عن الوساطة الأميركية في النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني تطلّب ربع قرن بالكامل، كان ربحا صافيا للاحتلال بقدر ما كان وبالا كارثيا علينا، ليدرك الرئيس عباس أن الولايات المتحدة ليست طرفا محايدا في هذا النزاع ؛ وأنه لولا خطوة ترامب الاستفزازية بخصوص القدس ، لربما كان الرهان الخادع على الولايات المتحدة يمتد ويطول ؛ علما بأن الأخيرة ، لم تخف يوما ، ولا أخفت تحيزها الكامل لاسرائيل المعتدية . ومعروف في هذا السياق أيضا أن الرئيس عباس ، مهندس أوسلو، أعلن لدى تقديمه هذا الاتفاق المشؤوم الى المجلس المركزي الفلسطيني ، بأن هذا الاتفاق اما أن يؤدي الى الدولة المستقلة أو يؤدي الى الجحيم . وها قد تجاوزنا الربع قرن دون أن يقرّ الرئيس عباس بأن هذا الاتفاق المشؤوم أوصلنا الى الدرك الأسفل من الجحيم ، بدليل أنه يواصل الوفاء بالالتزامات التي فرضها أوسلو على الطرف الفلسطيني ، في حين لم ولا يلتزم الطرف الاسرائيلي على الاطلاق بتلك الخاصة به ، بموجب هذا الاتفاق.
لكن سياسة الجمود والشلل التي اتخذها الرئيس عباس عقب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل أغرى التحالف الأميركي - الاسرائيلي - الرجعي العربي بقيادة السعودية ، بالاندفاع في هجومهم على الطرف الفلسطيني على أكثر من جبهة. وفي هذا السياق، دعت واشنطن الى عقد مؤتمر دولي تحت العنوان المخادع والمرائي:"بحث سبل اخراج قطاع غزة من الأزمة الانسانية التي يعيشها"!. أما أبرز نجوم هذا المؤتمر، الى جانب الولايات المتحدة ، فهم اسرائيل ودول الخليج وعلى رأسها السعودية ، اضافة الى مصر والاردن . والمفارقة الصارخة أن تزعم واشنطن ، راعية هذا المؤتمر ، انها مهتمة بمعالجة الأزمة الانسانية لقطاع غزة ، وهي الداعم الرئيسي للحصار الاسرائيلي الخانق عليه ولجميع الجرائم والحروب العدوانية التي شنتها اسرائيل على سكان هذا القطاع ، وهي التي خفضت بالأمس مساعدتها للسلطة الفلسطينية واتبعت ذلك بقطع نصيبها من موازنة وكالة الغوث لتجوبع اللاجئين ، الذين يمثلون أغلبية سكان القطاع، لارغامهم على التخلي عن حقهم المدعوم بقرارات الشرعية الدولية بالعودة الى ديارهم التي جرى اقتلاعهم منها بقوة السلاح. أما اسرائيل، صانعة كل مآسي الشعب الفلسطيني ، فادعاؤها الحرص على حلّ الأزمة الانسانية في قطاع غزة تثير أقصى درجات السخرية. فمسلسل الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها يوميا، ودون توقف، ضد سكان القطاع، تستعصي على الحصر. فحتى حين كان ممثلوها يجلسون في هذا المؤتمر المشبوه كانت طائراتها ترش السموم على المحاصيل الزراعية للغزيين ، غير مكتفية بالتجويع الذي يسببه الحصار الخانق وبآثار الحروب الثلاثة التي شنتها على هذا القطاع خلال السنوات القليلة الماضية .
وعلى أي حال، فالطرف الأميركي، بغبائه المعهود ، لم يخف غرضه التآمري من وراء عقد هذا المؤتمر المشبوه. فالبيت الأبيض يعلن في الثاني عشر من آذار الجاري :"أن ادارة ترامب تعتقد أن تدهور الأوضاع الانسانية في غزة يتطلب اهتماما فوريا … وأنه (أي هذا الاهتمام ) خطوة ضرورية نحو التوصل لاتفاق سلام شامل بين الاسرائيليين والفلسطينيين ، بمن فيهم الفلسطينيون في كل من غزة والضفة الغريية".
يكشف هذا البيان المقتضب عددا من الحقائق ، منها: اولا - ان المشاعر الانسانية المزيفة للمبادرين والمشاركين في هذا المؤتمر المشبوه ، والتي هبطت عليهم فجأة ، بينما كانت غائبة على مدى سنين طويلة من معاناة سكان القطاع، ليست سوى غطاء رخيص ومبتذل للهدف السياسي لهذا المؤتمر، باعتباره فصلا من مؤامرة تصفية القضية الفلسطينية في اطار صفقة العصر اياها، وأن التركيز على القطاع يفضح التوجه لاقامة دويلة مسخ في القطاع واعتبارها الدولة الفلسطينية الموعودة، بينما يجري ترك مصير الضفة والقدس العربية للمحتلين الاسرائيليين ؛
وثانيا - ان تجاهل هذا البيان لذكر مدينة القدس العربية ليس من باب الصدف أو السهو، وانما اعتبار قضيتها قد سقطت "وسويت" باعلان ترامب القدس عاصمة لاسرائيل.
وثالثا - أن الدول العربية المشاركة في هذا المؤتمر، بقيادة السعودية، ضالعة وعلى المكشوف، في عملية تصفية القضية الفلسطينية واهدارحقوق شعبها ، في اطار صفقة العصر؛ تمهيدا لفتح الطريق العريض والعلني أمام تحالف هذه الدول ، بقيادة السعودية ، مع اسرائيل ضد ايران ومحور المقاومة ،الحليف الرئيسي للقضية الفلسطينية ، والمعادي لاسرائيل والولايات المتحدة,
والمفارقة الصارخة أن يخرج الرئيس عباس ، ردا على هذا التآمر العلني والصارخ من بعض الدول العربية بقيادة السعودية على القضية الفلسطينية مع الاسرائيليين والأميركيين ، بتحذير وتوعد " بالمساءلة ، تحت بند المس بالأمن القومي العربي والفلسطيني، في حال مسّ أحدهم أو شهّر بأي من القيادات العربية "، كما جاء في الصحف. واذا كان الرئيس عباس قد واصل حتى الأمس القريب تكرار الاعلان "بأننا مع السعودية" بمناسبة وبدون مناسبة، في وقت كانت تصعّد تآمرها مع حكام اسرائيل والأميركيين على القضية الفلسطينية ، وأنه مؤخرا فقط ، أعلن عقب بيان ترامب حول القدس، في احدى جلسات اللجنة التنفيذية "أن العالم معنا ولكن العرب ليسوا معنا" محجما عن الايضاح من هم العرب الذين ليسوا معنا ولماذا؟ فان تحذيره وتوعده اليوم ، المستهدف كم الأفواه ، في أدق لحظات تآمر الأنظمة الرجعية العربية على القضية الفلسطينية ، يعيد الى الأذهان فصولا من تآمر هذه الأنظمة على القضية الفلسطينية عام 1948، فقد كان أول اجراء قامت به جيوش هذه الأنظمة ، لدى دخولها أرض فلسطين ، هو مصادرة الأسلحة الدفاعية المتواضعة من أيدي السكان الفلسطينيين ومنعهم من أي نشاط سياسي ، بدعوى أن هذا يعرقل عملهم في تحرير فلسطين. أما نتيجة ذلك ، فمعروفة جيدا.
ان التصدي الفعلي والفوري لهذه الموجة الجديدة من التآمر، لتصفية القضية الفلسطينية يتطلب ، أولا وقبل كل شيء ،استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية بأي ثمن ، باعتبارها الشرط الذي لا بديل عنه لاستنهاض كل طاقات وقدرات شعبنا للتصدي للمؤامرة وافشالها، كما فعل في مرات سابقة، وفي الوقت ذاته تحديد موقعنا من المحاور المتصارعة في المنطقة ؛اذ لا يمكن دحر مؤامرة بهذا الكم من المتآمرين ونحن نتزلّف لمحور الأعداء ولا نجرؤ حتى على تحديد هويتهم ، والاتفاق على خطة عمل لهذه المعركة الشرسة، ليجري تحشيد القوى من حولها.أما عقد المجلس الوطني ، مهما كانت مبرراته وضروراته ، فلا يجوز الاقدام عليه الاّ اذا جاء ليعزز نضال شعبنا ووحدته أمام أعدائه ، لا تعميق انقسامه . بينما تصعيد الاتهامات المتسرعة ، كما جرى مؤخرا، عقب محاولة التعرض لحياة رئيس الوزراء الفلسطيني ، لا ينمّ عن ادراك دور الاحتلال في وقوع الانقسام وتآمره الدائم لتعميقه ، وأن هذه المحاولة الاجرامية هي في اطار قطع الطريق على مساعي المصالحة الوطنبة . ان تجاهل هذه الحقيقة الأولية هو بمثابة توريد الماء الى طاحونة العدو.
واذا كانت ظروف المواجهة المحتدمة ، اليوم، مع محور المتآمرين تستصرخ كل وطني فلسطيني لأخذ دوره في المعركة مع هؤلاء المتآمرين المتكالبين ، فان اليسار الفلسطيني مدعو، قبل غيره، للنهوض من كبوته الطويلة وأخذ دوره الفاعل في مقدمة الصفوف في هذه المعركة والاّ ، فاستمرار كبوته قد يعني نهايته الفعلية.