وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الأرقام تقرر مصير الدول !

نشر بتاريخ: 01/04/2018 ( آخر تحديث: 01/04/2018 الساعة: 13:22 )
الأرقام تقرر مصير الدول !
الكاتب: ناصر دمج
الأرقام تقرر مصير الدول!
أرحام النساء الفلسطينيات في مُواجهة استراتيجيةِ الأمنِ القوُمي الإسرائيلي

قَبل دُخول الاسّتعمار البرّيطاني لسنغافورّة في عام 1819م، كان المُسلمون يُشكلون أغلبية سُكانها، وهم الذين اعتنقوا الإسّلام تأثراً بأخلاق التُجار المُسلمون، وذلك بدءاً من العصّر النَبوي الشَرّيف، هذه الترّكيبة لم تَرُق للمُستعمر البرّيطاني الذي بدأ العمل على تَغييرها، فجَلب مَجموُعات سُكانية وعرّقية لا تَنتمي للبد من مُستعمرّاته المُجاورة لسنغافورة كتايون الصينية والهند ومالاوي وسيرلانكا، ما تَسبب على المدى البعيد بتحوُل المُسلمون لأقلية بعد أن كانوا أغلبية سكانها الممسكة بزمامها ومصيرّها، فلا تتجاوز نسبتهم الــ 15%، بَينما يُشكل الصّينيون اليوم 80% من مَجموُع السُكان، وباتوا مُمسكون بِزمام أمُورها كافة.
يَعني ذلك بأن الترّاكيب الدُيُمغرافية للدول تُسهم بتَحديد مَصيرّها وتحديد وُجهتها الجيواستراتيجية بكل ما يَحمله ذلك من فوائد ومضار على الخصوم والحلفاء.
تَساوي عَدد اليهوُد والعرّب في فلسطين التارّيخية
قَبل عَشرة أعوُام تقرّيباً تَقاطعت تَقدّرات خُبرّاء فلسطينيون وإسرّائيليون حَول عدّد العرّب واليهوُد المُتوقع في فلسطين التارّخية، واعتبروا عَام 2018م موعداً مناسباً للاستماع لما قرّرّته الأرحام المُتصارعة، وكان الإعلان عن تَساوي عَديد العرّب واليهود الموُجودين في فلسطين التاريخية، وتأسيساً على ذلك سَتكون الأعوُام التالية وُصولاً إلى عام 2048م أي عندما يصبح عمر إسرائيل مئة عام، لصالح الزيادة السكانية العربية المُطلقه.
فعندما أصبح عدد سكان إسرائيل 14.5 مليون، مع نهاية عام 2017م، فإنَّ العربَ شكلوا من هذه النسبة 58% واليهود 42%، وسيشكل عرب إسرائيل 30% من مجموع سكانها، وأنَّ شخصاً واحداً في إسرائيل من بين 5.6 هو فلسطيني، وأن شخص واحد من بين عشرة أشخاص في الضفة وغزة، هو إسرائيلي. (المصدر-Sergiodellapergola,demographic trends in Israel and Palestine: prospects and policy implications,American jewish year book 2003, vol.p38.reproduced with permission)
في ضوء ذلك لَن يَتمكمن اليهوُد من زيادة عدّدهم حتى لو شرّعوا بعمليات واسعة النطاق من زنى المحارم، لهذا السَبب ولمن لم يلاحظ، فأن برامج الدَعم الغرّبية المُوجهة لصحة المرّأة الإنجابية، وتنظيم الأسر الفلسطينة، مصممة على تحديد نسلها؛ ويقدّمون نَصائح للمرّأة الفلسطينية لإلزام زوُجها باستخدام الوُاقي الذكرّي؛ وهي بتناول حُبوب منع الحَمل، وحتى مُمارسة الجنس من الدُبر، لأن المرأة لا تَحمل من خلاف.
أرحام النساء الفلسطينيات في مواجهة استراتيجيةِ الأمنِ القومي الإسرائيلي
تَبنَّى مؤتمرُ هرتسيليا في دورتِهِ العاشرةِ المنعقدة في شهر شباط 2010م، توصياتِ الباحثِ اليهوديِّ الأمريكيِّ (مارتن كريمر) المحاضرُ في مركزِ (ويثرهيد للشؤونِ الدوليةِ) التابعُ لجامعةِ هارفاردِ الأمريكيةِ والباحثُ في معهدِ واشنطنِ لدراساتِ الشرقِ الأدنى، ورئيسُ كليةِ (شاليم الصهيونية) في القدسِ، والتي تدعو إلى الحدِّ من قدرةِ الشعبِ الفلسطينيِّ على الإنجابِ والتكاثرِ، ودعا كريمرُ، العالمِ الغربيِّ وأمريكا لمساعدةِ إسرائيلَ في هذا المجالِ، واتَّخاذُ خطواتٍ فعَّالةٍ لضبطِ المواليدِ الفلسطينيين، وقالَ في المؤتمرِ "بأنَّهُ كلَّما ازدادَ عددُ الأطفالِ، ازدادَ عددُ الشبَّانِ أكثرُ مما ينبغي، ليُصبِحوا في المستقبلِ من أنصارِ العنفِ الراديكالي".
وطالبَ كريمَرُ منَ المؤتمرِ، الإسراعَ بضبطِ أعدادِ المواليدِ في قطاعِ غزة، مدعياً أنَّ السبيلَ إلى ذلك، هو توقُّف الغربِ عن تقديمِ "المساعداتِ التي تعزِّزُ النموّ الفطريّ للاجئينِ الفلسطينيين" واعتُبِرَ أنَّ الدعمَ الإنسانيّ الذي تقدَّمُهُ الأممُ المتحدةُ، عَبْرَ وكالةِ الغوثِ، وغيرُها منَ الوكالاتِ الدوليةِ للفلسطينيين يحفِّزُهُم على التكاثرِ، ومنعِ السلطةِ الفلسطينيةِ من تقديمِ أيَّ مساعداتٍ، لعلاجِ حالاتِ تعثُّرِ الإنجابِ لدى الأزواجِ الشابةِ، ومضى يقولُ: "إنَّ العقوباتِ الإسرائيليةَ التي تفرضُها إسرائيلُ على قطاعِ غزةَ، تهدفْ إلى تحقيقِ أهدافٍ سياسيةٍ، وفي مقدمتِها تقويضِ حماس، لكنَّها قد تنجحُ في الحدِّ منْ النموِّ السكانيَّ المتزايدِ، مما سيؤدي إلى تراجُعِ ثقافةِ الاستشهادِ، التي تتطلَّبُ وفرةً في أعدادِ الشبَّانِ الذين لا حاجةَ لهُم"، وبهذهِ الطريقةِ يُمكنُ اجتثاثُ الراديكاليةَ من أصولِها"، لذا فلا يجوزُ مطالبةِ إسرائيلَ بفكِّ حصارِها المفروضِ على غزةَ.
علماً أنَّ توصياتِ المؤتمرُ، بهذا الخصوصِ يمكنُ إدراجُها تحتَ بندِ الدعوةِ للقتلِ، والتحريضِ على الشروعِ بالإبادةِ الجماعيةِ، وفقاً لتعريفِ اتفاقيةِ الأممِ المتحدةِ الخاصةِ بمنعِ جريمةِ الإبادةِ الجماعيةِ والمعاقبةِ عليها، والتي أُقرَّتْ عام 1948م، بناءاً على مطالباتٍ يهوديةٍ ملحَّةٍ بعدِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، على إثرِ ما سُمِيَ (بـالهولوكوست)، وهوَ:
"تحريمُ كافةُ الإجراءاتِ، التي يُقصَدُ منْها الحدُّ من المواليدِ لدى أيَّ مجموعةٍ عرقيةٍ، أو قوميةٍ أو دينيةٍ".
وهذا ينطبقُ على ما أقرَّهُ المؤتمرُ المذكور بحقِّ الفلسطينيين، الأمرِ الذي يوفِّرُ لدى القانونيين الفلسطينيين والعربِ، وثيقةٍ هامةٍ يمكنُ على أساسِها، الشروعُ بحملةِ ملاحقةٍ عالميةٍ، ضدَّ مؤتمرِ هرتسليا ومنظميهِ ومقرراتِه، بتهمةِ الحثِّ على الإبادةِ الجماعيةِ، وإثارةِ النزعاتِ الإثنيةِ والعرقية ِفي المنطقةِ.
تبديد صلابة الكتلة (الحيوية الفلسطينية - الأرض والسكان) هدف السياسات الإسرائيلية العليا
ما يؤرّق إسرائيل اليوم، ابتعادها عن الاستقلال، رغم مرور أكثر من سبعين عاماً على نهاية حرب عام 1948م، لأنَّ التهجيرَ الذي نفذه الإسرائيليون في ذلك العام لأكثر من 800 ألف فلسطيني لم يحلْ المشكلة، "ولأنَّ العربَ الفلسطينيون في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية وداخل إسرائيل، سيحققون توازناً ديمغرافياً مع اليهود فوقَ أرضِ فلسطين التاريخية مع نهاية عام 2017م". (المصدر- جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، أيار 2008م)
وفي بداية عام 2019م، سيبدأ العد التنازلي ليهود إسرائيل، من أغلبية نسبية، إلى أقلية ماضية إلى الاضمحلال، وفي عام 2048م، أي بعد مرور مئة عام على قيام إسرائيل سيصبح اليهود أقلية في هذه البلاد، وفقاً لمسارات ومعدلات الخصوبة والنمو الديمغرافي في فلسطين، وهذا ما أسس منذ زمن، لمجمل الدعوات الإسرائيلية المطالبة باستكمال عمليات التهجير، وطرد الفلسطينيين من فلسطين، لأن هذه الأرقام تؤرق الإسرائيليون، لما يعد أكبر وأخطر تهديد لوجودهم على المدى المنظور، وهذا على أي حال يتفق مع ما قاله المفكر العربي عبد الوهاب المسيري "بأن العقدين القادمين، سيشهدان بروز إشارات حاسمة لزوال إسرائيل".
لهذا السبب فإن إسرائيل، مع نهاية عام 2007م، أوّلت مسألة تشجيع التناسل لدى الإسرائيليين أهمية قصوى، وبدأت تشجع الأزواج على الإنجاب، وقد لقيت هذه المساعي استجابة ملحوظة، لدى اليهود الشرقيين وسكان المستعمرات في الضفة الغربية والقدس، فوفقاً لمعطيات جهاز الإحصاء الإسرائيلي، فإنه سُجَّل ارتفاعاً ملحوظاً في مُعدّلات الإنجاب والنمو السكاني، بنسبة 66% في مستعمرات الضفة الغربية والقدس، خلال النصف الأول من عام 2009م.
أي أنَّ هناك زيادة حصلت على عدد المستوطنين، وصلت إلى 5.1 % خلال النصف الأول من عام 2009م، حيث كان معدل هذه الزيادة في النصف الأول من عام 2008م، 2.75 % فقط، وقد لوحظت زيادة أخرى في المستعمرات، ذات الأغلبية الشرقية الأرثذوكسية، مثل بيتار عيليت وموديعين عيليت، حيث تتجاوز نسبة النمو في هذه المستعمرات، الأرقام السابقة لتصل إلى 6.3 % و 9.8 %، علماً أن وتيرة النمو الاقتصادي في مستعمرات الضفة الغربية، هي 3.8 %، بينما وصلت نسبة النمو السكاني في داخل إسرائيل نفسها 1.7 %، وفي النصف الثاني من عام 2009م، لوحظ إن نسبة النمو السكاني في 38 من أصل 120 مستوطنة نمت بمعدل أقل من 1.7 %، مقابل 30 مستعمرة في النصف الأول من عام 2009م، وخاصة في المستعمرات المركزية مثل، شافيه شومرون، معاليه إفرايم، بساغوت، متسبيه يريحو، بيت أيل، معاليه مخماش، مودعين، كرنيه شومرون، عوفرا وفوديئيل.
ووفقاً لإحصائيات المجالس الإقليمية للمستعمرات، سنجد إن نسبة النمو السكاني خلال النصف الأول من عام 2017م، كانت في مستعمرات الخليل بمعدل 3.81 %، أي5.909 نسمة، ومستعمرات منطقة شومرون بمعدل 3.75 %، أي 25.875 نسمة، ومستعمرات منطقة غوش عتصيون بمعدل 3.46 %، أي 15.818 نسمة، ومستعمرات منطقة ماتيه بنيامين، بمعدل 2.51 %، أي 47.636 نسمة، ومستعمرات منطقة عرفوت هيردين بمعدل 1.3%، أي 3.969 نسمة، ومستعمرات منطقة هارأدار بمعدل5.01%، أي3.540 نسمة، ومستعمرات منطقة ألفيه مينشه بمعدل 3.18%، أي 7.338 نسمة، ومستعمرات منطقة أورانيت بمعدل2.71%، أي 6.551 نسمة، ومستعمرات منطقة الكناه بمعدل2.43%، أي3.460نسمة، ومستعمرات منطقة إفرات بمعدل 2.38%، أي 8.674 نسمة، ومستعمرات منطقة كريات أربع بمعدل1 %، أي 6.774 نسمة. ومستعمرات منطقة كدوميم بمعدل1 %، أي 3.840 نسمة.
وطرأت زيادة خلال نفس الفترة على عدد سكان كل من، مستعمرة مجيلوت قدرها (1.032 نسمة) ومستعمرة معاليه إفرايم قدرها (1.624 نسمة)، وفي المستعمرات المركزية أيضاً، وطرأ هناك ارتفاع في عدد المستوطنين، فقد نمت مستعمرة بيتار عيليت بمعدل 3.15 %، أي 37.278 نسمة، وموديعين عيليت نمت بمعدل 5.1 %، أي 46.112 نسمة، ومعاليه أدوميم بمعدل 2.12 %، أي 36.508 نسمة، وأرئيل بمعدل 1 %، وبلغ إجمالي عدد سكانها مع نهاية العام 2011م، 18.264 نسمة، ويعيش في الضفة الغربية والقدس أكثر من 412.940 مستوطن.
ساهمت البرامج الإسرائيلية المشجعة للإنجاب في رفع نسبة المواليد الإسرائيليين، مقارنة بالعرب الفلسطينيين المتواجدين ضمن حدود عام 1948م، ويتضح ذلك من خلال المعطيات التي أعلن عنها جهاز الإحصاء المركزي الإسرائيلي في نهاية عام 2016م، والتي تفيد بأن "عدد سكان إسرائيل أصبح 7.980.009 منهم 6.015 يهودي، أي ما نسبته 75%، و.1.648.000 عربي، أي ما نسبته 20.6% من مجموع السكان ويشمل هذا الرقم ساكني القدس المحتلة وعددهم 300.000 نسمه، ووصلت نسبة النمو السكاني في إسرائيل خلال عام 2016م إلى 1.8% وكان نصيب العرب منها 2.6% واليهود الشرقيين بما فيهم سكان المستعمرات في الضفة الغربية والقدس الشرقية والمستعمرات المحيطة بها 3% واليهود الغربيين1.4%". (المصدر- دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية 2012م - http://www.cbs.gov.il).
وتؤشر هذه المعطيات على محاولات إسرائيل استدراك ما يسمى بالخطر الديمغرافي الناتج عن تزايد عدد الفلسطينيين في فلسطين التاريخية، وتحاول جاهدة المساس بمعدلات الخصوبة لدى الفلسطينيين وتعزيزها لدى الإسرائيليين، "حيث أشارت أحدث الأرقام الإسرائيلية إلى انخفاض نسبة الخصوبة عند العرب الفلسطينيين في مناطق (1948م)، حيث وصلت مع نهاية عام 2012م إلى 3.51 بعد أن كانت عام 1948م 9.2 وفي عام 1979م كانت 7.25 وانخفضت إلى 4.57 عام 2000م". 
(المصدر- المصدر السابق نفسه)
رغم ذلك لم تتمكن إسرائيل من تعطيل ماكينة الإنجاب الفلسطينية، أو مجاراة انتاجيتها، ولن يحدث ذلك أبداً حتى لو شرع اليهود بعمليات واسعة النطاق من زنى المحارم.

مصادر المقالة ومراجعها
1- Sergiodellapergola,demographic trends in Israel and Palestine: prospects and policy implications,American jewish year book 2003, vol.p38.reproduced with permission
2- جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني، أيار 2008م.
3- دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية 2012م - http://www.cbs.gov.il
4- ناصر دمج، معضلات استراتيجية، صفحة رقم (99) مركز باحث للدراسات الفلسطينية والاستراتيجية – بيروت 2015م

 ناصر دمج
باحث ومؤرخ، مختص في موضوع الصراع العربي الإسرائيلي، وموضوع الأسرى الفلسطينيين العرب والأسيرات