![]() |
عبث التاريخ وقوة الجغرافيا
نشر بتاريخ: 06/04/2018 ( آخر تحديث: 06/04/2018 الساعة: 13:17 )
![]()
الكاتب: عوني المشني
من يريد ان يعيد ترتيب الجغرافيا خدمة لمصالحه سيفشل، ربما ينجح في التاريخ ولكنه حتما سيفشل في الجغرافيا، الجغرافيا بطبيعتها هي قوة جبارة تخضع البشر لمنطقها، بينما الأشخاص والجماعات هم من يكتبون التاريخ. التاريخ متحرك متغير، الجغرافيا ثابتة راسخة، التاريخ زمان الجغرافيا مكان، التاريخ عشوائي الجغرافية لها نسق محدد وواضح، والإنسان هو البعد الثالث الذي يتشكل عبر علاقة الجغرافيا والتاريخ.
فلسطين في الجغرافيا اخذت مكانا عربيا لا جدال فيه، وحتى لو كتبت الف رواية لتاريخها، اخراج فلسطين من هذا النص الجغرافي هو عملية أشبه بمحاربة طواحين الهواء، حتى لو توهم البعض انه يستطيع تطويع الجغرافيا فسرعان ما يتبخر هذا الوهم، فلسطين ليست قرية نائية على الحدود ينساها المركز فتنسلخ عنه في غفلة من الزمن، فلسطين ليست قارب فقد بوصلته في لجج البحار ليرسوا حيث تجاه الريح، فلسطين ليست سرب من الطيور المهاجرة أنهكها التعب فحطت حيث استطاعت الوصول. فلسطين كانت ولا زالت في صلب التكوين الجغرافي للمنطقة، ولهذا صارت محط رسالات الرب الى الانسانية وبكل لغات الارض، لم يدخلها نبي الا بمعجزة الرسول محمد صلى عليه وسلم جاءها بمعجزة الإسراء، والمسيح عليه السلام ولد من ام لم يمسسها بشر وسيدنا موسى عليه السلام شق سبحانه وتعالى البحر أمامه. هي مضيافة للأقوام، تمتزج فيها الحضارات والثقافات، ولكنها تصهر الكل فيها لتنتج ثقافة وحضارة لها سماتها ولونها ورائحتها، كان اليهود جزءا من ثقافة البلاد مثلما كان اقوام اخرون قبلهم بالاف السنين العموريين، الآراميون، الكنعانيين ، وقبيلة بوليستا اليونانية الأصل، وكان الفرس والرومان، لكن كل تلك الأقوام اندمجوا وانصهروا في ثقافة وحضارة واحدة هي الثقافة العربية، اختلاف الاجناس والأقوام والاعراق والأديان لم يغير ثقافة وروح البلاد، الاهم كل الغزاة مروا عابرين لتبقى فلسطين بثقافتها وحضارتها راسخة ثابتة. اسرائيل تحاول تسكين التاريخ وتحريك الجغرافيا !!!!! تخالف المنطق ونواميس الطبيعة، من هي اسرائيل لتلوي عنق الجغرافيا !!! من هي اسرائيل لتقاوم عملية الصهر الثقافي والحضاري ؟؟؟!!!! حتى لو سرقت الثوب الفلسطيني المطرز وألبسته لمضيفات شركة العال ، لو سرقت الزيت والزعتر والزيتون ليصبح الافطار الاسرائيلي في فنادقها ، لو سرقت طبق الحمص ايضا ، كل هذا لا يغير من واقع الجغرافيا شيئ ، حتى وعد بلفور لم يستطع ان يتجاوز حقيقية الجغرافيا فقال بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين !!!!! وليس في اسرائيل ، وهنا وفِي غير مكان فلسطين مكان وانتماء وثقافة وحضارة وشعب وتاريخ . تؤلمنا اللحظة نعم ، ترهقنا متاعب الاحتلال اليومية ، تشغلنا هموم المناكفة الاسرائيلية على كل شبر ارض وبيت وحارة وشارع وحاجز ، كل هذا نعم ، ولكن ننام ملئ جفوننا واثقين من المستقبل ، لا نعيش كابوس الفناء ، لا يوقظنا قلق الغد الآتي ، فالجغرافيا حليفنا وسر قوتنا ، الصليبيين عملوا من الاقصى استطبلات للخيل بعد قتل سكانها ، ذهب الصليبيين وعادت القدس لحضنها العربي الاسلامي الدافئ ، جاء الإنجليز واحتلوا القدس وشنقوا محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير ، تخلد الشهداء رموزا لفلسطين وذهب الإنجليز ، هكذا هي فلسطين دوما تعود الى حيث يجب ان تكون . نحن نعيش الم الحاضر وهم يعيشوا رعب المستقبل ، هذه هي المعادلة ، لن نشتري الحاضر ببيع امل المستقبل ، نتنياهو اشترى الحاضر مبشرا بني جلدته بحياة ابدية على حد السيف ، نحن اشترينا امل المستقبل مبشرين الأجيال الآتية بعودة فلسطين الى مكانها الطبيعي في النسق الجغرافي والحضاري . في لحظة يرى البعض انها عقلانية والبعض الاخر يعتقد انها انهزامية قدمنا حلولا وسط للتصالح بين التاريخ والجغرافيا ، قدمنا رؤيا تقوم على انتصار الشعبين ، رفضت اسرائيل المنسلخة بوهم القوة وبتزوير التاريخ العرض ، لم لا ؟؟؟ لنترك الصراع يبلغ نهايته حتى تنتصر الجغرافيا وستنتصر حتما ، هذا قانون طبيعي وليس امنيات . ستنتصر الجغرافيا وسيكتب المنتصرون وقتها تاريخ البلاد الحقيقي ، هذا التاريخ المنسجم مع الجغرافيا ، حينها يستوي الوضع . حتى ذلك الوقت سيبقى الصراع متأججا بأشكال مختلفة ، سيعيد الصراع نفسه مرات ومرات ، وهكذا سيتآكل وهم القوة بعوامل التعرية التي تملكها الجغرافيا . |