وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بين دلالة الوطنية ومصالح الساسة

نشر بتاريخ: 29/04/2018 ( آخر تحديث: 29/04/2018 الساعة: 20:44 )
بين دلالة الوطنية ومصالح الساسة
الكاتب: ياسر المصري
ما بعد الإنقلاب وتتويج حماس للإنقسام ، قامت بوصف السلطة منذ ذلك بسلطة رام الله ، وأطلقت أكثر من مرة دلالات وتوصيفات تؤكد من خلالها إنسجامها المطلق مع هذا الإنقسام ، وذهابها إليه كقرار وإرادة ودللت على انه ليس ردة فعل على فعل ، وإن إرتباطها بدول معينة في الإقليم والعمل على تنفيذ أجندة تخدم مصالح هذه الدول ، وما كان إنقلابها على حلفائها الأساسيين ( سوريا وإيران) إلا ليترجم دلالة ومعنى الإرتباط بهذه الدول في الإقليم ، غير أن الحصاد السياسي الذي سعت لأن تجنيه حركة حماس من هذا الإرتباط ، قد أصيب بالإنتكاس والتراجع والتآكل نظرا للنتائج والمتغيرات، فسوريا المُنقلب عليها من قبل حماس تعيد مع حلفائها صيغة إنتصار جديد ذو معنى ودلالة على صعيد المنطقة ، وهذا سيقابله دور لها ولحلفائها بحجم حصاد الإنتصار، والحلفاء الذين صاغ معهم رئيس مكتبها السياسي السابق(خالد مشعل كعمق للإرتباط مع حركة الإخوان المسلمين كتنظيم عالمي – تركيا وقطر) ، لم يعد لهم من قدرة على صناعة الحدث الإقليمي أو إستثماره وفق الطموح والتوجه الذي سعت له جماعة الأخوان المسلمين، بعد إنحسار الدعم لهذه الجماعة بما كان مطلوب منها لتقديمه من خلخلة أركان الأنظمة المَرغوب تبديلها وإستبدالها وإشاعة الفوضى في مجتمعاتها ، وإعطاء كل الدعم والوكالة لهذا الدور لداعش حصراً وأشباهها وأنصارها (من قبل أمريكيا وحلفائها في المنطقة ومن ضمنهم إسرائيل ) ، وكذلك تقلص الدور القطري والتركي وفق المتغيرات الحادثة والناتجة من تفاعل الكثير من العوامل والأحداث.
والمنطقة اليوم أمست بعد أحداث سوريا الأخيرة(منذ عامين) وطبيعة ما خلفت هذه الأحداث من نتائج وكرست من معادلات في صيغة التحالفات - كصورة ونتيجة أساسية ومركزية بكل ما يجري بالمنطقة – متوازياً ذلك بتزايد قوة التأثير التي تسعى لتكريسها إيران كقوة إقليمية ساعية لأخذ شرعية لدورها النفوذي من القوى الدولية - وما يقابل ذلك ما تحاول دولة الإحتلال بنائه من تحالفات لتكريس نفوذها كقوة إقليمية (مع بعض العرب الذين يعتبروا أنفسهم في حالة إشتباك ونزاع مع ايران كقوة إقليمية في كل من لبنان والعراق واليمن وسوريا) .
وإن الرئيس محمود عباس قد رسم بقوة وثبات سقفاً لا يمكن لأية جهة فلسطينية مهما كانت ان تتجاوزه فيما يتعلق بالعلاقة مع الأمريكان وخصوصية دورهم بالقضية الفلسطينية ، من حيث عدم القبول بأمريكيا كراعي لعملية التسوية منفردة ، وكان في نفس السياق من جهة اخرى يرفض الإحتواء ضمن أية قوة أقليمية مهما كان دورها ومصالحها ، مؤكدا على الدوام على إستمرارية أنتهاج نهج إستقلالية القرار الفلسطيني ، وبهذا كان ليس في جهة المعادلة مع أي طرف أو دولة اوقوة سوى بما يحقق له مسعاه السياسي بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفق برنامج سياسي معتدل تدعمه و تقر به غالبية المجتمع الدولي .
ما تسعى من أجله حركة حماس في هذه المرحلة قد يكون أكثر خطورة من فعل وسلوك الإنقلاب والإنقسام وفق الصور التالية :
- إعتبارها لمسيرات العودة على حدود القطاع جزء من تصريف وصرف الضغط الشعبي الناتج عن ممارساتها للحكم في القطاع ، وما سببه ذلك من تأزم وتأزيم للكثير من المشكلات والضغط اليومي على حياة المواطنين ، وكذلك محاولتها لجعل هذه المسيرات من فرصة لوضعها على طاولة الحضور السياسي من خلال تأكيد قدرتها على تحريك وصناعة الحدث ، وإعتبارها لهذه المسيرات من جهة أخرى باباً للتخلص من المطالبات وإستحقاقات إنهاء الإنقسام ، وتحديدا وعلى وجه الخصوص المطالبة الملحة لتمكين حكومة الوفاق من قيامها بعملها ومنع حماس للحكومة من تنفيذ ذلك حتى اللحظة ، وقد جاءت ترجمة هذا الهدف الحمساوي واضحة بتصريحات صلاح البردويل بتاريخ 7/4/2018 ، والتي حملت رفض حماس لمبدأ تمكين الحكومة .
- محاولة حماس إنتهاز اللحظة من خلال التعامل مع دعوة رئيس منظمة التحرير الفلسطينية لعقد المجلس الوطني ، وانتهاز حماس لهذا مع ما رافقه من رفض بعض الفصائل المنطوية تحت مظلة منظمة التحرير لهذا الإجتماع تحت مبررات المكان والحصة والنسبة ومبررات أخرى ، لتحاول حماس العمل على تشكيل وتكوين جسم وإطار بديل عن هذه المنظمة والذي رفضته فصائل فلسطينية مهمة (الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ) وهذا ما أدى إلى فشل مبكر لهذه الخطوة .
وبناء على الصورتين السابقتين فإن حركة حماس وبالنتائج والجوهر الفعلي والسلوك تظهر على النحو التالي:
1- برنامجها السياسي بعد قيامها بإعلانها لمبادرتها السياسية العام 2017 ، لا يختلف جوهراً وأساساً مع برنامج منظمة التحرير الفلسطينية ، إلى جانب أن حماس تقر وتعترف بشرعية تلك المنظمة كصاحبة الولاية السياسية للشعب الفلسطينية من خلال التصريحات والشعارات فقط ، والتناقض والسعي لكسر وإلغاء هذه الولاية السياسية ، فإذا كانت منظمة التحرير هي صاحبة الولاية السياسية للشعب الفلسطيني وقد أعلنت موقفها صراحة من التوجه الأمريكي الإسرائيلي من جهة التعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي (رغم محاولات إسرائيل لجعل هذا الصراع فلسطيني – إسرائيلي كنتيجة أعمق مما حققه إتفاق أوسلو)، وإن على حماس ان تكون داعمة ورافعة لهذا الموقف الصادر من منظمة التحرير ، وأن تنأى بنفسها عن كل ما يتعارض مع واجبها الوطني (في حال كانت ترفض التوجه الأمريكي الإسرائيلي) وغير ذلك فإنها ضمناً تكون تُقدم غمزاً سياسياً واضحاً لقبولها لأن تكون بديلة عن هذه المنظمة على أساس ما هو مطروح وسيطرح أمريكياً وإسرائيلياً .
2- إن المشروع الأمريكي الإسرائيلي المتعلق بالمنطقة(والذي يضم بعض الدول والطراف العربية) حتى هذه اللحظة لا يواجهه أو يتعارض معه سوى ما ترفعه إيران وحلفائها ، وحماس مؤكد أنها ليست في الجهة الإيرانية ( حتى اللحظة مازالت بالمحور التركي القطري) ، وبهذه الصورة تكون ليس لديها من مسافة تبعدها عن المشروع الأول وفق ظروف مصلحية أو أهداف سياسية قد تكون هدفاً لدى حماس أو جماعة الأخوان المسلمين في أي وقت .
بالنتائج فإن هناك خطورة حقيقة وجدية على الوطنية الفلسطينية من ما تسمى بالسياسية الفلسطينية المتبعة من قبل حماس ، وما لهذه الخطورة من مساس مباشر على الوعي الكلي والحزبي والفصائلي الداخلي ، وقد تكون اللحظة الزمانية المتعلقة بإنعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في هذه الأيام من إبراز لسلوكية تغليب الموقف على حساب المظهر، ولعل أكثر ما تحتاجه هذه اللحظة من وقفة للتعبير عن الموقف من عقد هذا المجلس تتلخص بضرورة طرح سؤال واقعي وضروري ، عن مدى مساهمة هذا الإنعقاد في حماية الوطنية الفلسطينية في هذه الظروف البالغة الخطورة ، فالجانب السياسي المتعلق بالتفاعل الطبيعي بالتسوية أبوابه السياسية قد أغلقت ، وهذا الإنغلاق يفرض على الجميع العودة لإعادة ترميم وتعزيز الوطنية وليس العكس من تكريس الجهد في فراغ صنع السياسة على حساب الوطن والوطنية .
المجلس الوطني سينجح بالإنعقاد بنصاب قانوني رغم عدم حصوله على نصاب توافق الكل الفلسطيني ، وسيخرج بتحقيق كل الأهداف المحمولة على عقده ، ولن تتغير مسيرة حماس من رفضها لإنهاء الإنقسام نظراً لمراهنتها أن هذا الإنقسام وبعض من المواقف ، قد يحقق لها بعض المكاسب السياسية على حساب الفهم الشمولي ودلالاته لمعنى وترجمة السلوك في قيمة الوطنية الفلسطينية .