|
الروائي عوض.. السرد موقف
نشر بتاريخ: 08/05/2018 ( آخر تحديث: 08/05/2018 الساعة: 11:46 )
رام الله - معا - ضمن فعاليات معرض فلسطين الدولي الـ 11 للكتاب المقام في مدينة رام الله، نظمت وزارة الثقافة ندوة تحت عنوان "الرواية بين اللغة وتقنيات السرد"، شارك فيه أستاذ الإعلام الروائي د.أحمد رفيق عوض، والشاعرة والروائية صونيا خضر، ورئيس منتدى العصرية الإبداعي د.حسن عبد الله. وقال الروائي د.احمد رفيق عوض في مداخلته ان اللغة قيد آخر من قيود الكتابة، الكتابة كلها قيد ايضا، اللغة بما تحمل من قواعد وضوابط وتاريخ ودلالات، تصبح مفخخة أكثر فأكثر، وتصبح ذات ثقل، فليس هنالك لغة بريئة، مصفاة، وعليك انت فقط تقع مسئولية ان تدخلها عالمك بجوار سفر جديد تماما، ولكن هذا صعب جداً، فاللغة هنا بيئة كاملة، وسط له رموزه ودلالاته التي لا يمكن الفكاك منها بسهولة. أنا شخصياً، انا الذي ادعي انني استخدم التاريخ كحمالة جمالية وسياسية لأختفي وراءها جبناً او حكمة أو كليهما، فإن اللغة لدي وعندي تحمل حساسيات اخرى، اذ كيف يمكن استعادة النظام اللغوي في القرن الرابع الهجري مثلاً، كما في روايتي القرمطي، او كيف يمكن الدخول الى عالم الرموز والدلالات في القرن السابع الهجري كما في رواية الصوفي والقصر. وأقول هنا بصراحة متناهية، انني اضطرت ان اقتني معاجم خاصة للغة ذلك العصر، معاجم حقيقية تضع الكلمة ثم تشرح معناها، ولك ان تتخيل دلالات الكلمات والمصطلحات كيف تتغير بشكل جزئي أو كامل، خذ مثلاً كلمة الشحنة التي تعني على ايامنا هذه تلك الحالة الكهربائية التي تكون عليها ذرة أو جزيء خسر أو ربح الكترون ما، اما الشحنة قديماً، فكانت مجموعة الجنود الذين يتواجدون في حامية البلد، هذا مثال صغير على تاريخية اللغة، هذا فضلاً عن موقعها وبنائها وعلاقاتها مع مثيلاتها وتحولاتها وملاءمتها للنص او نشوزها. اللغة قيد حقيقي، وهي صعبة الاستخدام، ولكنها، من جهة اخرى كنز اودعه الله في قلوبنا، لنبوح ونجوح، اللغة فراش من يخرج من قلوبنا وشروشنا لنبني ونهدم، لنهدم حتى تاريخ المفردة أو دلالتها ولنكسوها لحماً وعظماً جديدين. وبالنسبة لي، فإن احدى مشاكلي الحقيقية في نصوصي الروائية جميعاً هي العثور على ذلك النسيج اللغوي المناسب، أو الوصول الى رضا عن معمار أو رصف لغوي يناسب ما اكتبه. ربما هذا يفسر لي شخصياً لماذا كانت رواياتي متعددة الأشكال. متعددة المقاربات، مختلفة أشكال السرد، ان كل رواية لي، كانت مختلفة عن الأخرى بشكل يمكن القول فيه ان كاتب رواياتي ليس كاتباً واحداً، ان هذا قلقي وطموحي وعدم اطمئناني. رواياتي لا تتشابه اطلاقاً في اشكالها او معمارها ولا طرق سردها، ولا حتى لغتها، فهناك اللغة الباردة الساكنة الكلاسيكية، وهنالك اللغة المفاجئة الهائجة، وهنالك اللغة الحالمة والناعمة، وهنالك اللغة الغامضة الغنوجة، ان شئت. السرد – من خلال اللغة – موقف من الحياة، السرد موقف، ان كيفية السرد- اي تقنياته المتعددة – هو رؤية اخرى ليست جمالية اطلاقاً، وانما هي فكرية حاسمة. ان تقطيع الكلام او تمزيقه أو تهويمه او حقنه بالنصوص الاخرى او اللغات الاخرى انما هو موقف، وان استخدام العامية أو اللغة الاجنبية أو النزول به الى مستويات اخرى انما يعني ان السرد يريد ان يخبرك بشيء آخر عن طريق اداة جمالية مغوية. بعد كل هذا العمر، كلما اتقدم الى كتابة رواية اشعر انني اكتب لأول مرة، واتعرف على اللغة لأول مرة. هذا ليس ادعاءً، انه شعور يعرفه كل من خبر هذه التجربة العجيبة. الرواية من محاسنها أو من مساوئها انها توقعنا في وهم القدرة على الخلق والاستيلاء، وهذا ما يجعل الأمر بالغ الصعوبة ولكنه في ذات الوقت بالغ السعادة. |