|
"14" أيار ليس يوما عاديا.. فهل سيمر مرور الكرام؟؟
نشر بتاريخ: 10/05/2018 ( آخر تحديث: 10/05/2018 الساعة: 13:47 )
الكاتب: د. نايف جراد
في يوم "14" أيار القادم، ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بتدشين نقل سفارتها إلى القدس باعتبارها، كما جاء في اعلان الرئيس ترامب في 6 كانون أول/ديسمبر 2017، عاصمة دولة إسرائيل والشعب اليهودي. و يصادف هذا اليوم، كما هو معروف، الذكرى السبعين لقيام دولة الاحتلال الصهيوني لفلسطين(إسرائيل)، إثر انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، والذي يسمونه في إسرائيل " يوم هعاتسماؤوت" أي "يوم الاستقلال"، فيما يعتبره شعبنا بأنه يوم نكبته الكبرى ويؤرخ له ب 15/أيار1948.
إن اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة إليها، هو بكل المعايير إعلان حرب على الشعب الفلسطيني، وإن اختيار ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني موعدا لنقل السفارة الى القدس، هو استفزاز خطير لمشاعر الفلسطينيين وطريقة بشعة لمحاولة قهرهم وإذلالهم، ناهيك عن أنه استحقار للعرب الذين ما فتئؤوا يرددون أن قضية فلسطين هي قضية العرب المركزية وأن القدس خط أحمر، كما هو استخفاف بارادة المجتمع الدولي وقرارات الشرعية الدولية. وهو بالمقابل سيكون يوم فرح وانتصار للصهاينة، ولبنة جديدة في بنيان الترسانة التي أحكموا امتلاكها بمساعدة أميركا لحسم وجودهم ومصيرهم ، على أساس من روايتهم التاريخية الملفقة. إن هذا اليوم، أي "14" أيار، هو أصلا ليس يوما عاديا، لإنه ذكرى قيام كيان سياسي غريب على حساب أرض فلسطين والشعب الفلسطيني وحقه في تقرير المصير، أدى إلى استلاب أرضه وممتلكاته وتدمير كيانه الوطني ونسيجه المجتمعي، وإلى تطهير عرقي لوجوده الأصيل، وتهجير قسري وتشتيت الشعب الفلسطيني وتحويل جزء كبير منه إلى لاجئ داخل أرضه وخارجها، والحيلولة دون ممارسة حقوقه الوطنية المشروعة. ولئن كان الفلسطينيون قد صمدوا بوجه هذا الكيان الاستعماري الاستيطاني الاقتلاعي، وأثبتوا وجودهم، وتمسكوا بحق اللاجئين بالعودة الى ديارهم الأصلية، وبالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة، وقدموا الغالي والنفيس في سبيل نيل الاعتراف الدولي بهذه الحقوق( تقرير المصير والعودة والاستقلال والسيادة حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3236 لعام 1974) ولا زال حلم الفلسطينيين متقدا يحدوهم الأمل بعد سبعين عاما على النكبة في انتزاع هذه الحقوق، فإن مخطط الرئيس الأمريكي ترامب، الذي بات معروفا باسم صفقة العصر، والذي في جوهره يشطب قضيتي القدس واللاجئين، جاء ليوجه ضربة موجعة لهذا الأمل والحلم الفلسطيني، مدشنا في ظل الظروف الدولية والاقليمية المحيطة بداية عهد جديد من الصراع، سيحسم مصير الكيان الاستعماري الاستيطاني في فلسطين ومعه مصير الشعب الفلسطيني. ورغم الضعف الظاهر، الذي يعتري الفلسطينيين، ورغم الخلل الكبير في موازين القوى وميله بشكل فاقع لصالح اسرائيل، إلا أن القيادة الفلسطينية استخدمت سلاحا جبارا يفوق وزن كل الترسانة العسكرية والسياسية الاسرائيلية المدعومة أمريكيا، ألا وهو سلاح الارادة الحرة، سلاح الموقف، سلاح ال"لا" الصريحة لصفقة القرن وللاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة ولنقل السفارة اليها، وذلك في ادراك واضح أن نجاح هذه الصفقة يعني تصفية القضية الوطنية الفلسطينية وواد الحلم الفلسطيني. وعلى أرضية هذا الموقف جاءت هبة القدس المتواصلة وتصاعد دور المقاومة الشعبية في الضفة الغربية منذ اعلان ترامب وحتى اليوم. ولذات الأسباب، وبسبب الحصار الظالم والأحوال الاقتصادية والمعيشية المتردية في غزة، والتي وصلت حدا لا يطاق، جاء انطلاق مسيرة العودة الكبرى في الثلاثين من آذار الماضي، كمقاومة شعبية متواصلة بأشكال إبداعية وبتنظيم وتخطيط ممنهج وبمشاركة وطنية شاملة. وهي مستمرة لم تتوقف، فاجأت دولة الاحتلال بإبداعاتها وأشكال نشاطها، وأربكته، واحرجته أمام العالم بسبب استخدام القوة المسلحة المفرطة في الرد على محتجين سلميين يطالبون بحقوقهم، ونالت بذلك تعاطفا وطنيا واقليميا ودوليا، الأمر الذي التقط فلسطينيا لتأكيد المطالبة بالحماية الدولية للشعب الفلسطيني وتقديم مجرمي الحرب الاسرائيليين لمحكمة الجنايات الدولية. ما الذي أعده الفلسطينيون ليوم "14" أيار؟ ومن الواضح أن كل الأحداث والتطورات الجارية اليوم وفي الأيام القليلة القادمة، تنضبط على إيقاع يوم"14" أيار القادم. ففي غزة، أعلنت القوى الوطنية حالة طواريء ابتداء من بداية أيار، وقررت تنظيم إضراب وطني شامل في يوم "14"، ودعت إلى ان يواجه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بشكل موحد من قبل الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده، وأن يشهد انخراطا وطنيا وشعبيا واسعا في الضفة ومنطقة"48". ودعت الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار إلى اعتبار يوم "14" أيار يوما عالميا لرفض نقل السفارة، يحفل بغضب فلسطيني وعربي واسلامي عارم، ليكن يوما فارقا في مسيرات العودة لمواجهة الاحتلال، مطلقة عليه تسمية" يوم الزحف الكبير" و" يوم النفير الهادر"، وسيسبقه في يوم الجمعة 11أيار ما أسمته ب" يوم الإعداد والنذير". ومن المعلوم أن مسيرات العودة لم تتوقف في منطقة "48" بأجندة خاصة، منها ما هو سنوي ينظم كل عام من قبل المهجرين إلى قراهم وبلداتهم المدمرة، ومنها ما هو قطري بمشاركة جماهيرية وسياسية واسعة كما جرى في سخنين هذا العام تضامنا مع مسيرة العودة، وقد نشطت لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية في الأيام القليلة الماضية للقاء القوى والفعاليات الوطنية في القدس للتخطيط لتظاهرة كبيرة يوم "14" أيار في منطقة " أرنونا" حيث تقام مراسم نقل السفارة الأمريكية إلى مقر القنصلية الأمريكية في المنطقة ذاتها. وستنظم في الأردن بدعوة من القوى والأحزاب السياسية ومؤسسات للاجئين الفلسطينيين مسيرة عودة يوم الجمعة 11 أيار في منطقة سويمة في الأغوار، وهنالك دعوات في لبنان وسوري وبلدان المهجر للقيام بأنشطة تضامنية مع مسيرة العودة واحتجاجية ضد نقل السفارة. ودعا الشيخ علي القرة داغي الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى هبة عربية واسلامية وإنسانية شعبية ورسمية في وجه الخطوة الأمريكي. وأعلنت اللجة العليا لإحياء ذكرى النكبة عن سلسلة نشاطات لإحياء ذكرى النكبة ستتوج يوم الخامس عشر من أيار في مهرجانات جماهيرية حاشدة في مراكز المدن في الضفة الغربية. وفيما يخطط له في غزة، كما ورد في موقع اللجنة التنسيقية العليا لمسيرة العودة، وعلى لسان بعض النشطاء، كالقيادي في حركة الجهاد السلامي أحمد المدلل، أن يوم "14" أيار سيكون ذروة مسيرات العودة والنضال الشعبي في المواجهة، حيث سيجري تخطي وتجاوز السلك الشائك والوصول إلى الديار المحتلة عام 1948، وهو ما حذرت وتحذر منه سلطات الاحتلال الصهيوني، التي أوضحت أنها أعطت الأوامر لجيشها للتعامل بحزم مع كل من يحاول الوصول للسياج وتخطيه. وهو الأمر الذي قد يتسب بارتكاب مجازر بحق أبناء الشعب الفلسطيني. "14" أيار في الأجندة السياسية الوطنية على الرغم من رفض الخطوة الأمريكية من قبل القيادة الفلسطينية بحزم، ودعوة الولايات المتحدة للتراجع عنها ودعوة العرب ودول العالم لادانة الخطوة ومقاطعة كل دولة تقدم على نقل سفارتها للقدس، إلا أنه لما يتضح بعد ما هي الخطوات التي ستقدم عليها القيادة الفلسطينية ردا على نقل السفارة. ولكن بتتبع أقوال متفرقة هنا وهناك من قبل قادة ومسؤولين فلسطينيين، وفي ضوء قرارات المجلس المركزي والمجلس الوطني الفلسطيني، يبدو ان الأمر سيكون باتجاهين: الأول فيما يتعلق بالمرجعيات الوطنية في القدس وتنظيم شؤونها، حيث من المتوقع الاعلان عن تشكيل أمانة القدس العاصمة وتوحيد المرجعيات الوطنية في مرجعية وطنية جامعة، أما الثاني فالاعلان عن البدء بالانضمام للوكالات الدولية المتخصصة التي تعهدت بعدم الانضمام اليها سابقا كمنظمة الملكية الفكية والصحة العالمية، ومتابعة احالة الملفات لمحكمة الجنايات الدولية وتقديم طلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة و" إعادة فتح صندوق بندورا" المتعلق بقرار محكمة العدل الدولية بشأن الجدار والمستوطنات. وهو بالطبع ما يعني الدخول في صراع مفتوح ومتصاعد مع الادارة الأمريكية ودولة الاحتلال في القدس والأرض المحتلة وفي الحلبة الدولية. وهكذا يبدو أن يوم " 14 " أيار القادم، يوم نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، لن يكون يوما عاديا، ولن يمر مرور الكرام، بل سيشهد تصعيدا في الاشتباك المفتوح على كل الجبهات مع الاحتلال ومع الادارة الأمريكية، بل ومن واجب الفلسطينيين، إن أرادوا الانتصار للقدس، التي تمثل روحهم، وغن أردوا نيل مصداقية لأقوالهم، أن لا يجعلوا منه يوما عاديا، بل يوما للاعلان الصريح عن الارادة الوطنية الحرة الموحدة في الدفاع المستميت عن الحقوق الوطنية في العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة ذات السيادة والقدس العاصمة الأبدية لفلسطين، لتعلم اسرائيل ومن ورائها أمريكا ومن يتواطا معها، بأنه دون القدس ودون هذه الحقوق لن يكون هناك استقرار اوسلام أبدا. |