|
التفاوض خديعة اسرائيل لتخليد الاحتلال
نشر بتاريخ: 31/05/2018 ( آخر تحديث: 31/05/2018 الساعة: 16:07 )
الكاتب: السفير حكمت عجوري
التمسك بالتفاوض كوسيلة لحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني ليست ابداعا ولا اجتهادا من احد ولا هو سلوك غير مسبوق لكيفية انهاء الصراعات فهو وبشكل عام البوابة الوحيدة التي من خلالها يتم الوصول لمحطة المصالحة او الهدنة الدائمة واحلال السلام سواء اكان هذا التفاوض بعد حرب ضروس او لغاية انهاء العداء بين الاطراف دون اللجوء لحرب. فانهاء الصراع لا يتم عن طريق العفو عند المقدرة بتنازل احد طرفي الصراع بمعنى عفى الله عما سلف الا في حالات فردية نادرة او خديعة كما فعل شارون في غزة في سنة 2005.
من جهه اخرى فان نجاح اي تفاوض يتطلب امرين اساسيين الاول: طرفان ذا مصداقية والثاني هو التكافؤ وهذا ليس بالضرورة ان يكون في توازن قوى بمعناه الكلاسيكي بين الطرفين، فالشرعية الاخلاقية الفلسطينية مثلا تعادل القوة النووية الاسرائيلية، وذلك في ظل سيادة قانون انساني دولي وليس قانون غاب، لا ننسى ان هذه الشرعية الاخلاقية هي التي مكنت فيتنام والجزائر من الانتصار. الا ان ما يحصل في الحالة الفلسطينية الاسرائيلية وعلى مدى عقدين من الزمن ليس تفاوضا وانما حالة من حوار طرشان بسبب الخداع الاسرائيلي المستمد من تغييب القانون الدولي والانساني، خداع يهدف لتخليد الاحتلال العسكري الاسرائيلي للارض الفلسطينية. وعليه فان استمرار الاصرار الدولي ممثلا بمنظمة بالامم المتحدة على التمسك بالتفاوض كحل وحيد لهذا الصراع هو في الواقع هروب واصرار غير مسؤول من قبل هذه المنظمة الدولية نظرا لعجزها ومجلس امنها عن ايجاد حل لصراع بدأته هذه المنظمه بقرار التقسيم قبل 71 سنه ولا تعرف كيف تنهيه. الخداع الاسرائيلي في التفاوض ليس سرا وقد اصبح جليا الا للذين لا يرون الشمس بالغربال، شامير مثلا وهو رئيس وزراء اسبق واب روحي ومعلم لرئيس الوزراء الحالي، ذهب لمؤتمر مدريد (الارض مقابل السلام) صاغرا وبسبب التهديد، صرح عشية خسارته لرابين وعلى الملأ انه كان سيفاوض الفلسطينيين لعشرات السنوات دون ان يعطيهم شيئا، ورابين تم اغتياله قبل ان يوقع على انهاء الصراع عبر التفاوض كونه وعلى عكس كل زعماء اسرائيل كان جادا في ذلك ولنفس السبب كانت الحال مع ايهود اولمرت الذي أُدخِل السجن وأُخرِج من الحياة السياسية كونه اظهر جدية تفاوضية كانت ستفضي الى حل. المضحك المبكي هو في الحاكم الاسرائيلي الحالي النتن ياهو الذي كان احد المحرضين الاساسيين على رابين ونهجه الجدي في التفاوض وهو المنتخب لرابع مرة، اولها من اجل قتل اوسلو ثم جاءت نجاحاته التالية بسبب توظيفه لكل ما هو ممكن من اجل خلق حالة مستديمة من الخوف داخل المجتمع الاسرائيلي زرع بذورها في عام 93 في كتابه مكان تحت الشمس وافاض عليها ببرنامج ايران النووي الذي كلفه دعائيا واستعراضيا بلايين الشواقل علما ان كل ما يهم هذا النتن ياهو ليست حياة الشعب الاسرائيلي بقدر ما هو بقاءه في الحكم لان خروجه من رئاسة الوزراء ستكون نهاية لنمط عيش ارستقراطي تمادى فيه لدرجة انه يدان الان بسبب سرقته هو وزوجته لهذا النمط من العيش وهو الذي صرح بعد خروجه الاول من رئاسة الوزراء لصالح ايهود براك انه لا يستطيع العيش على راتبه التقاعدي. تفاوضيا، النتن، مبدع في الخداع ففي ولايته الاولى واثناء زيارة جاك شيراك الرئيس الفرنسي الاسبق لفلسطين قام هذا النتن بدعوة لاجتماع لجان التفاوض الفلسطينيين والاسرائيليين لاظهار حرصه على التفاوض امام الضيف الفرنسي، ذهبت اللجان الى الفندق مقر الاجتماع كل جلس في حجره معزولا عن الاخر الى ان غادر شيراك البلاد بعدها طُلب من الجميع العوده الى بيوتهم دون ان يلتقوا او يتحدثوا في اي شيء. ليس النتن ياهو فقط هو من يفتقر لمصداقية التفاوض وانما كافة الاحزاب الاسرائيلية الاخرى صغيرها وكبيرها وخصوصا ما تسمى احزاب المعارضة ربما باستثناء حزب يساري واحد. حزب العمل مثلا وهو الذي نجح مرة واحدة فقط منذ اغتيال زعيمه رابين، وكان تحت زعامة ايهود باراك، الذي عُوِل عليه في حينه من كل محبي السلام في العالم ليكون مكملا لمسيرة رابين الا ان الحقيقة انه كان صورة مصغرة عن اليمين الصهيوني المعادي للسلام فهو كان يعارض اتفاقية اوسلو منذ البداية ورفض التصويت لصالحها عندما كان رئيسا للاركان وهو الذي كان يصر على طاقمه التفاوضي ان ينسوا كيف تُكتب دولة فلسطين حتى لا ينزلق بها لسان احدهم اثناء التفاوض مع الفلسطينيين وطبعا ذلك لا يجب ان يكون مستغربا على شخص قتل واشرف على قتل العديد من القيادات التاريخية للشعب الفلسطيني وبدم بارد. التفاوض سلوك حضاري بشري تميز فيه الانسان عن بقية المخلوقات التي تَقتل او تُقتل من اجل انهاء نزاعاتها او خلافاتها وهذه هي حضارة القوه التي تحكم الغاب ولكنها ايضا ما زالت تحكم في بعض الدول وتحديدا دوائر الحكم في هذه الدول اذ من المستحيل ومن غير العدل ان نصبغ شعب باكمله في اي مكان بهذه الصبغة غير الانسانية وانما هي مصالح ومطامع فئات ضالة حاكمة او ربما عصابات حاكمة كما هي الحال في اسرائيل التي انتهجت حكوماتها سياسة الاباده للشعب الفلسطيني من اجل قيامها على قبور هذا الشعب وبقيت تمارس هذه الاباده منذ قيامها وكان اخيرها مجزرة الرابع عشر من مايو ايار الحالي في غزة. حضارة القوة او منطق السيف كوسيلة ضمان حياة وللاسف ما زالت تسيطر على فكر معظم نظم الحكم في اسرائيل ومنذ قيامها الامر الذي يجعل من التفاوض معها امرا غير ذي جدوى كونها تملي فقط ولا تسمع وربما كان كل ما توصلت له مفاوضات اكثر من عقدين ان ما هو لاسرائيل هو لها وما هو للفلسطينيين يجب تقاسمه. اسرائيل استولت على كل شيء بالقوة وعليه فهي لن تتنازل عن اي شيء الا بالقوة وهذه سُنّة قوانين الطبيعة والقوة هنا لا تعني بالضرورة السلاح وانما هي قوة القانون الدولي والانساني ولكن ليس قبل ان يستعيدا عافيتهما ويشرعا في استخدام ادواتهم وعقوباتهم المختلفة مثل المقاطعة بكافة اشكالها الاقتصادية والعلمية والثقافية والعسكرية وغيرها، هذه الادوات غير قاتلة وانما تؤلم لدرجة ستجبر اسرائيل على الاستسلام لهذه القوانين واحترامها والالتزام بها. وعليه فان غض الطرف من قبل الدول الاوروبية عن جرائم اسرائيل وعدم معاقبتها بسبب عقدة ذنب المحرقة او بسبب مصالحها مع اميركا والاصرار على مصطلح التفاوض بين الطرفين بالرغم من ادراك الجميع لكل هذا الخداع والعداء الاسرائيلي للتفاوض هو في الواقع مجرد ورقة توت تغطي بها هذه الدول عورة تغاضيها عن قيمها الانسانية. |