|
درب الالام نحو القدس
نشر بتاريخ: 08/06/2018 ( آخر تحديث: 08/06/2018 الساعة: 16:45 )
رام الله - معا - تقرير فراس طنينة- عشرات الالاف مروا عبر حاجز قلنديا العسكري، ليحييوا الجمعة اليتيمة، الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، فبعد اليوم، سيمنع الشعب الفلسطيني من دخول القدس لأداء الصلاة في المسجد الأقصى المبارك، فالفلسطينيون يسمح لهم بدخول القدس فقط أيام الجمع في رمضان، وضمن تحديد العمر فقط.
لم تختلف الإجراءات الأمنية على حاجز "الذل"، حاجز قلنديا، المسرب المخصص لمرور الناس، كالعادة يحرسه عشرات الجنود، يعتلون المكعبات الأسمنية، ويتخذون منها ساتراً أمنياً، أيديهم على السلاح المصوب نحو النسوة والأطفال المارين في سراديب كتلك التي كان يمر منها اليهود في معتقلات النازية، يسيرون بين أرتال من الجنود المجندات، محاطين بالسواتر الاسمنية المتراصة كمسبحة اليد. بعد الحاجز الأول هناك حاجز آخر، بعيد عن أعين الاعلام، تخضع فيها النسوة للتفتيش الدقيق وفحص الحقائب، والتدقيق في شهادات ميلاد المرافقين من الأطفال، فمن زاد عمره عن 12 عاماً إن كان طفلاً، فإن الجنود والمجندات، يعيدونهم ويرفضون مرورهم. لا يبتسم الجنود للمارة في هذا الحاجز، فالكاميرات بعيدة، بل على العكس، الصراخ وإصدار الأوامر هو السائد هنا، فهنا الاحتلال بعيد عن كاميرات الصحفيين، المنتشرين عند الحاجز الأول، حاجز سهل المرور. الشرطة الفلسطينية تتواجد على بعد بضعة مئات من الأمتار مرتدين زيهم الشرطي، يساعدون المتوجهين إلى الصلاة في درب الالام الفلسطيني المتواصل، فيما شرطة المرور تنظم السير، في ظل توافد مئات الحافلات الكبيرة، وآلاف السيارات الصغيرة، فالشرطة هنا فلسطينية تخدم الحاج الفلسطيني الذي يتوجه لوداع الأقصى، منتظراً العام القادم، ليسمح له بالصلاة في المسجد الأقصى المحتل. الارتباط العسكري الفلسطيني يتواجد على مقربة من جنود الاحتلال، يسعون ليحلوا بعض المشاكل، ويحاولون إقناع جنود الاحتلال بالسماح للأطفال الذين ساءهم قدرهم، وزاد عمرهم عن 12 عاماً بعدة أيام للسماح لهم بالمرور، ينجحون في الغالب في إقناع جنود الاحتلال، فالكاميرات لها مفعول السحر. في المسرب المخصص للرجال، فهناك الوضع مختلف تماماً، الكاميرات بعيدة عن المسرب، بفعل جنود حرس الحدود الذين يطاردون الصحفيين كما اعتادوا على أن يفعلوا، فهؤلاء لا يعرفون سوى لغة القتل والضرب والاعتقال، ومهاجمة الصحفيين. المتطوعون في الهلال الأحمر والدفاع المدني ولجان مخيم قلنديا والإغاثة الطبية تتواجد على مقربة من مكان مرور النساء، يساعدون جداتنا القادمات من وسط وشمال الضفة الغربية، مريضات عاجزات عن السير وحدهن، لكن إصرارهن دفعهن للقدوم إلى المسجد الأقصى وإلى عروس المدائن، فربما لم يبق في العمر بقية ليكن في رمضان القادم هنا. الشوق لدخول القدس المعزولة كبير، فرغم تقدم عمرهن، لكن النساء يسرن وكما لو أنهن في ماراثون طويل، فالشوق والحنين يقودهن إلى مدينة ارتوت بدماء الشهداء، لا يأبهن كثيراً بابتسامات المجندات، أو المحاولات الكاذبة للمساعدة، فقامت أحدى السيدات بإبعاد المجندة بعكازها حين حاولت أن تلتقط صورة لها وهي تمثل المساعدة في فع الكرسي المتحرك، الذي يقوده متطوع، فنهرتها بعكازها وأبعدتها، وأفشلت التقاط الصورة الكاذبة. المسافة طويلة لمرور الرجال، والمساعدة هنا أقل، جنود في كل مكان، وحاجز يتلوه آخر، متبوع بآخر وهكذا، حاجز اسمنتي يقطع الطريق، ويجعل المواطنين يمرون بين فتحاته الصغيرة، لمنع الازدحام، ثم يسير الحجيج نحو الحاجز الأول، وهو حاجز مأخوذ عن حواجز النازي، ضيق جداً، محاط بالمكعبات الاسمنتية، والجنود يعتلون مكعبات أخرى، بين الحاجز يقف الجنود يصوبون بنادقهم نحو الحجيج، يدققون في الوجوه، ومن يشعرون أن عمره أقل من 40 يفحصون هويته، وإن تأكدوا، فإنه يسحب إلى منطقة مخفية على يمين الحاجز، ليمارسوا ساديتهم في الضرب والسحل والتنكيل. يعتلي جنود آخرون تلة صغير مشرفة على درب الآلام الفلسطيني، يراقبون كل شاردة وواردة، ويضحكوم كثيراً، ويصدروا أوامرهم للصحفيين أو بعض المواطنين الذين يضطرون أحيانا إلأى انتظار بعضهم البعض، بأن عليهم مواصلة السير، ودوماً فاللغة المستخدمة هي الصراخ وإشهار البنادق والتهدي بإطلاق النار. يمر الحجيج نحو عروس المدائن تحت لظى الشمس الحارقة، يتخطوا الحاجز الأول، ومن ثم الحاجز الثاني، ويخضعون للفحص والتفتيش والتدقيق في بطاقات الهوية، ثم يسيرون نحو حاجز آخر ثالث، ليفتشوا هنا بدقة، ثم يسمح لهم بالمرور. كاميرات جنود الاحتلال وضباطها تتواجد في المكان، يختارون الزوايا التي لا تظهر نظام الفصل العنصري الموجود، عبثاً يحاولون تجميل القباحة، يلتقطون صوراً في تمثيلية مكشوفة لجندي يحاول أن يساعد كهلاً يستخدم كرسياً متحركاً وبرفقته أحد أقاربه، فيأخذ الجندي دور البطولة، فتلتقط له بضعة صور، ثم يترك الكرسي والشيخ، ويبتعد، فمهمة التجميل قد انتهت، وأسدلت الستارة على المسرحية الأكذوية. المسافة التي يضطر المصلون للسير فيها تزيد عن كيلو مترين اثنين، طريق طويل مليء بالحافلات والمركبات المركونة على جانبي الطريق، بعد أن أفرغت حمولتها من المصلين المشتاقين للصلاة في القدس ومسجدها الأقصى المبارك. هو اليوم الأخير في درب الآلام الفلسطيني، درب متعب وشاق وطويل، ولكن شعب فلسطين ما فتأ يعلن تمسكه بمدينته المحتلة، ويؤكد أنه لن يتركها وحيدة محاصرة، فزحف بالالاف ليمضي الجمعة اليتيمة في رحابها. |