|
شارع الحب وتحولات يوليو ونحن
نشر بتاريخ: 23/06/2018 ( آخر تحديث: 23/06/2018 الساعة: 16:01 )
الكاتب: تحسين يقين
لا تنتهي الأسئلة، ولا تكتمل الأجوبة!
و"قولوا له الحقيقة" "أبو عيون جريئة"! كلّ وما سيتبادر إلى ذهنه، وذهنها، عند سماع الاسم؛ لكن الجزء الثاني من العنوان سيثير مشاعرنا جميعا، تلك لعلها الأغلى في حياتنا. للجيل الجديد، أن يتساءل عن هذا الشارع، وأين هو؟ وهل هناك فعلا شارع يحمل هذا الاسم! وللجيل الوسط والقديم أن يتذكر، إن فعل، ذلك الفيلم السينمائي الذي اشتهر في نهاية الخمسينيات، والذي من خلاله تم تعريف الجمهور العربي بنخبة رائعة من الفنانين والفنانات، لعل من أبرزهم الفنان الشاب عبد الحليم حافظ. لم يكن قد مرّ على ثورة يوليو عام 1952 التي ستحل ذكراها السادسة والستين بعد شهر سوى 6 أعوام حين تم إنتاج هذا الفيلم، والذي رغم ما به من تغيرات مرئية وغير مرئية عن التغيرات التي شهدتها مصر، إلا أنه أرانا الحياة الاجتماعية التي كانت سائدة قبل الثورة وبعدها؛ كون التغيير الاجتماعي يكون أبطأ من التغيير السياسي والفكري. عبد المنعم صبري موسيقى مغمور من شارع محمد علي، يكتشفه أحد الاشخاص فيتعهد بتعليمه أصول الموسيقى، وينبغ فيها حتى يلتحق كمدرس موسيقي بأحد النوادي الموسيقية، ويضطر إلى وضع ذقن وشارب صناعيين حتى يبدو كرجل كبير، لأن هذا أحد شروط النادي. يلتقي الفنان صبري في النادي بالفتاتين كريمة وميرفت اللتين تتراهنان على أن تجبرا المدرس على قص لحيته، وتضع كل منهما خطتها لتحقيق غرضها. وفي الوقت الذي حددته ميرفت لمقابلة عبد المنعم، ترسل إليه كريمة سيارتها ليركبها، لتسير به إلى عزبتها. وهناك، وبكل وسائل الإغراء، تطلب منه أن يزيل ذقنه وشاربه، وعندما يرفض تهدده بالانتحار، وفعلا تلقى بنفسها في الماء، فتأخذه الشهامة ويلقى بنفسه وراءها لينقذها رغم أنه لا يجيد السباحة. تنكشف الحقيقة، تكسب كريمة الرهان لكنها تندم عليه! يستغنى النادي عن خدمات الموسيقار ويعود عبد المنعم مرة ثانية إلى شارع محمد علي، وهناك يلتقي بالموسيقار القديم مختار الذي يكون متخفيا تحت اسم مستعار هو جاد الله لارتكابه احدى الجرائم. تكفّر كريمة عن غلطتها، وتنجح بواسطة أحد أصدقائها من إقامة حفلة بدار الأوبرا ليغنى فيها عبد المنعم، ويستعين المشرفون على الحفل بالموسيقار جاد الله مؤلف الموسيقى، الذي يشي به أحدهم، ثم يتضح أخيرا أن الجريمة التي ارتكبها سقطت بالتقادم. يمكن من خلال الفيديو هنا-الفيلم كتوثيق وفن ان نحلل زمن 1958 في مصر، من نواح مختلفة، حيث لم يتكلف المخرج في التصوير. الفيلم رغم قصته البسيطة، الا ان المخرج استطاع الارتقاء فنيا بل وجعله احدى روائع السينما المصرية. كان الفيلم من سيناريو واخراج عز الدين ذو الفقار، وتأليف يوسف السباعي.. لكل عمل فني وأدبي تاريخ خاص به، وبنا: فهو كعمل ينتمي لحقبة زمنية لها سمات فنية معينة، ضمن التاريخ العام للفن، كذلك، ثمة تاريخ خاص يجمعنا بالعمل حسب مراحل أعمارنا، فحياتنا أيضا تاريخ حتى ولو كانت محدودة؛ بمعنى أننا نشاهد الفيلم في كل فترة بمنظور خاص ووعي محدد بسنوات محددة. كنا أطفالا في السبعينيات، مراهقين في آخرها وبداية الثمانينات، شبابا فيما بعد، فثلاثينيين، وأربعينيين، وخمسينيين، وقد اشتعل الرأس شيبا، فيما بقي من شعر لم تمتد إليه جينات الوراثة! هي مراحل حسية، تجريبية ثم تأملية، وفقا للتقسيم التقليدي في تقسيم عصور الحضارة، ولعل ذلك ينطبق على الأفراد أيضا.. في خلفية الفيلم، نقرأ الواقع الاجتماعي والاقتصادي، شديدي الارتباط، كذلك والسياسي، مما يؤشر، كون الفن وثيقة صادقة، إلى أي مدى بلغ عمق التحولات التي جرت خلال الست سنوات، من عام الثورة 1952 وسنة إنتاج الفيلم 1958؟ ويمكن متابعة السؤال على مدار سنوات كثيرة وصولا للستة والستين عاما هي عمر الثورة الآن. ونحن نتحدث عن يوليو، لربما نكون متحدثين عن أنفسنا، ومدى تأثر بلادنا بتلك الثورة، وصولا للثورة الفلسطينية المعاصرة التحررية، عام 1965، أي بعد ثورة يوليو ب 13 عاما. كانت ثورة يوليو بمعناها التحرري الشامل الذي طمحت وطمعت إليه، في حين طمحت الثورة الفلسطينية لذلك بدءا بالهدف التحرري من الاستعمار والاحتلال. فإذا ظهرت جدلية تقييم ووصف الحالة المصرية منذ الخمسينيات، واستمرت حتى الآن وغدا، فإن السؤال حول تحولات الثورة الفلسطينية لم يأخذ المنحى الجدي إلا بعد تأسيس السلطة الوطنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن كان تم الإشارة لشيء قريب منه، على مدار الثورة، خصوصا في بيروت حتى عام 1982، أي المتعلق بعقد من السنوات. لا تنتهي الأسئلة، ولا تكتمل الأجوبة! في شارع الحب، تشكل الفتاتان كريمة وميرفت علاقات القوة في الفيلم لدرجة السخرية من البشر، مما يدل على بقاء آثار واضحة لشكل ومضمون المجتمع العربي في مصر قبل 1952، مما يعني أن التحولات كانت في بدايتها، أو هكذا، حبا منا على للثورة، نجد بعض التبريرات الموضوعية. لكن في جوهر النظر، وبعد كل هذه السنوات، سنجد أن التحولات رغم الإنجازات التي تحدث به وعنها الباحثون، لم تكن عميقة، ودلالة ذلك فنيا ودراميا، هو مثال مسلسل "ليالي الحلمية"، ومجمل أعمال الراحل أسامة أنور عكاشة؛ حيث ما إن بدأت مرحلة الانفتاح تطل برأسها، إذا بنا نرى ونشهد كيف عادت تظهر إلى السطح الاجتماعي ظواهر لها علاقة بالغبن الاقتصادي، فتم إعادة الحال السائدة من قبل الثورة، وإن أخذت معنى ساخرا في ظل القطط السمان. وهنا الآن، في مكاننا هذا في زماننا، لنا فقط أن نتأمل ونفكر، إلى أي مدى بلغنا من العمق التنويري والتحرري والعدالة الاجتماعية، بشرط ألا نقف فقط عند فترة لحظية، كفعل التظاهرة وردود أفعالنا جميعا تجاهها، خصوصا أنها ردود مختلطة ومنفعلة وملتبسة، فلا تكاد تتبين السلطة من المجتمع المدني من الفصائل ومن الفصيل.. فإذا لم نسأل أسئلة عميقة، فلا إجابات عميقة، وسنظل منشغلين بتناقضات أنفسنا وثاراتنا القديمة والجديدة! كنت أود لو تساءلنا عن آثار الاقتصاد مثلا.. عن عمق النظام السياسي.. أم أن ذلك ترف يترك للمثقفين! وأخيرا سنختار مشهد الأغنية التي تضمنها الفيلم، والتي حملت "قولوا له الحقيقة"، لسبب يتعلق بالحميمية التي عاشها المجتمع في تلك الفترة، والتي سمحت بها وشجعتها ثورة يوليو، خصوصا في نقد الطبقية. "أبو عيون جريئة أو "قولوا له الحقيقة" لعبد الحليم حافظ من فيلم شارع الحب 1958: المشهد ينبئ بالكثير عن زمن فيلم شارع الحب! تأمل المشهد، ترى الكوميديا والتفاؤل، وترى الحميمية والمحبة، كأنه على الحقيقة لا على التمثيل؛ حيث أبدع المخرج، من ابداعاته كيف تنسل الراقصة (نجوى فؤاد في أول أدوارها) من بلكون شقة نعيمة شخلع متعهدة الافراح والاعراس حيث تسحب المنديل من على رقبة زميلتها المندمجة بالمغني صبري الذي ادى دوره حليم، وتربطه على وسطها، وترقص ثم لا تدري بنفسها الا وهي ترقص في الساحة، حبا واعجابا بالفن والفنان (ابن حتتها)، وتأكيدا على المحبة والحميمية التي ما أمس حاجة المجتمع العربي لها اليوم وغدا.. لكن يبدو ان انه رغم ابداع المخرج، الا ان الممثلة زينات صدقي والراقصة قد ابدعتا في الكوميديا الراقصة بمبادرة منهما، حيث اقر المخرج ذلك ولم يعد التصوير. وتفسير ذلك ليس فنيا فقط، بل له علاقة له بالمحبة. فلا لأحد أن يرى نفسه علينا.. وليقرأ التاريخ، والشعر، فقد قال شاعر شاطر يوما: ألا لا يجهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل الجاهلينا.. يجب واحدة احب تكرارها: يجب الا نخطئ بحق بعضنا وبحق قضيتنا.. الطبقية، وعلاقات القوة تروح ويظل الإنسان..والتراب والصخور والعصافير.. الآن سأنتصر لرومانسيتي قائلا" بعض المحبة وبعض الحميمية كفيلان بحل كثير من مشاكلنا..بعض الحنان والاحترام..والكثير من العقل هو ما نحتاج، حتى لا تضحك علينا الأجيال وتلعننا. وقولوا له الحقيقة! لا تنتهي الأسئلة، ولا تكتمل الأجوبة! و"قولوا له الحقيقة" "أبو عيون جريئة"! بالله عليكم قولوا له ولنا وللآخرين.. ماشي؟ خلاص؟ [email protected] |