|
حوار مع الشاعر المصري صلاح عبدالصبور عام 1965
نشر بتاريخ: 03/08/2018 ( آخر تحديث: 03/08/2018 الساعة: 11:43 )
الكاتب: عز الدين المناصرة
• حاوره في (القاهرة، عزالدين المناصرة، 1965)
• أستاذ صلاح هل يمكن أن تعطي القراء لمحة عن حياتك العملية والدراسية ؟ صلاح: ولدت في الزقازيق، سنة 1931، ودرست الثانوية العامة بها، ثم التحقت بكلية الآداب بالقاهرة، وتخرجت فيها سنة 1951. ومن 1951-1959، التحقت اشتعلت بالصحافة، ولا زلت أعمل بالصفحة الأدبية لجريدة الأهرام، وأعمل بمجلة روز اليوسف، وأعرف من اللغات الإنجليزية والفرنسية، وأنا متزوج، ولي طفلة عمرها أسبوع سميتها (مي). • متى كتبت الشعر، وبمن تأثرت في مطلع حياتك الأدبية؟ صلاح: كانت لي محاولات سنة 1943، وكتبت الشعر الجيد سنة 1946، وتأثرت بالمتنبي والمعرّي من القدماء، ومن المحدثين بالشاعر المصري محمود حسن إسماعيل، كما تأثرت بشعراء الغرب مثل، كيتس وشيلي وبايرون وتراجيديات شكسبير. • ما دمت قد ذكرت محمود حسن إسماعيل، فما رأيك في شعره، بعد (أغاني الكوخ) ؟ صلاح: محمود حسن إسماعيل قيد نفسه بالأشكال القديمة، لكن زاوية الرؤية في شعره جديدة، وتحاول أن تزداد غنى، لكن الشكل القديم ليس فيه اتساع لكل ما في نفسه، فنجد الصور تتراكم ويضيق عنها الإناء الذي وضعت فيه.. • ما رأيك في الشاعر الذي يقلد التراث؟ وما موقفك من التراث؟ صلاح: أنا أقرأ التراث الشعري العربي القديم وألوّنه بالرؤية الخاصة بي، ولكن الشعراء أنواع: منهم من يستعبده التراث، ومنهم من يستعبد التراث، وأنا من القسم الثاني، وأقصد ضرورة أن ينبع الإنتاج من داخل النفس، ولهذا السبب نجد أن الشعراء الكبار القدماء، هم الذين عبروا عن مكنونات صدورهم، وكان هذا تجديداً. لذا نجد لكل واحد منهم سمة خاصة. وشوقي مثلاً، رغم عظمته، كان مُقلِّداً في كثير من معارضاته كمعارضته السينية والنونية والهمزية، فكان عليه أن يبحث عن الانطلاق الحر، حتى يهرب من سيطرة التراث. • ما رأيك في قول بعض الأدباء والنقاد، بأن العصر الرومانسي والمدرسة الرومانسية، قد انهارت، وحلّت محلها واقعية العصر؟ صلاح: تقسيم الأدب إلى كلاسيكي ورومانتيكي وواقعي، هو تقسيم خاص. وجهة نظري تقول: ليس هناك فروق خاصة بين هذه الألوان الأدبية. فإذا أخذنا الكلاسيكية بمعنى الصقل، وتحكيم العقل، وإذا أخذنا الرومانتيكية بمعنى الخيال وبث العاطفة، وإذا كانت الواقعية هي رؤية الواقع والتعبير عنه، فإن في الأدب عظيم إذاً، نجد المذاهب الثلاثة جميعها. وفي رأيي أن الأدب في تطوره، يحمل قانوناً آخر يتمثل في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى إنشاء التراث، ثم مرحلة الثورة على هذا التراث، ثم مرحلة إنشاء تراث جديد مركب من عناصر التراث القديم ومن عناصر التراث الجديد. لهذا، فإن اندماج التراثات، ولّد تراثاً موحداً. ثم بعد ذلك دخل مرحلة التقليد بعد الابتداع والمحاكاة بعد الأصالة ثار على نفسه من جديد. لقد كان ما نسميه بالرومانتيكية ثورة على جمود الكلاسيكية، لا على الكلاسيكية ذاتها، فبعد الكلاسيكيين العظام، مثل شعراء اليونان وهوراس وغيرهم، وجد مقلدون تحولوا بالصقل الكلاسيكي إلى الجمود والتزييف، وبالاقتصاد الكلاسيكي في العواطف إلى الجمود والتقليد، فكان رد الفعل هو النزعة الرومانتيكية، التي تحتفظ بجوهر الكلاسيكية ثم تضيف إليها. إن الرومانتيكيين العظام، هم ضحية لأشباه الفنانين وصغارهم، جعلوا الخيال تزييفاً جديداً، فنشأ الواقعيون، كلاسيكيين جدداً، يطلبون الاقتصاد في الخيال... وهكذا... • ما رأيك في قضية استعمال الرمز والأسطورة في القصيدة بشكل متعمد؟ صلاح: للرمز معنيان، فالمعني الأول عام، وهو أن الألفاظ نفسها رموز لرموزات. ثم هناك مرحلة أخرى، وهو الرمز الذي هو خطوة أبعد من المجاز. ومن الصعب بناء قصيدة رمزية. وهذه هي المرحلة الثالثة والجديدة في شعرنا العربي، وهي بناء عمل فني يقوم على التناظر بين حالة أدبية وموضوع وموضوع، لكي تكتسب القصيدة عالماً جديداً أكثر اتساعاً. أما الأسطورة، فإن استعمالها محفوف بالمخاطر، لأن النهج الأسطوري يعتمد على إعادة فهم الأسطورة فهماً ذاتياً واستخراج الحركات أو (الموتيفات)، التي يمكن تعليق حالة الشاعر عليها. أما نثر الأسماء الأسطورية في القصيدة، فهو تطفل على الأسطورة نفسها. • هل وصل الشعر العربي الحديث إلى المرحلة العالمية؟ صلاح: شعرنا ككل شعر فيه الجيد والرديء، وهذا الجيد نستطيع أن نقول أنه يصلح للنقل إلى لغات العالم المختلفة. والرديء لا يصلح حتى للقراءة المحلية، وجيد شعرنا، قليل، لأننا ما زلنا نواجه صعوبات في تطوير القصيدة العربية، لكي تتسع لوجداننا المعاصر، وأنا أتوقع للشعر العربي مزيداً من الجودة وقليلاً من الردائة، وعندئذ نستطيع أن نواجه العلم بتراث جديد كبير. • ما هو الطقس الذي تكتب فيه قصائدك؟ صلاح: لكل قصيدة ظروفها، ولكن القصيدة عموماً تظل مُتخفية في داخل النفس فنرة طويلة لا أكاد أحس بها، ثم تبرز فجأة. وهنا أذكر عندئذ، قول بول فاليري: (إن الآلهة تجودعلينا بالمطالع، ولكن علينا أن نكمل القصيدة)، عندئذ أجلس من أجل كتابتها، وقد أتم القصيدة في ليلة أو ليال متتالية، وأنا لا أكتب الشعر إلا في آخر المساء، وفي غرفة مكتبي، وأدخن كثيراً أثناء الكتابة. • قرأت لك في ديواتك الثاني قصيدة اسمها (ثلاث صور من غزة). فما رأيك في شعر النكبة؟ صلاح: شعر النكبة على أبواب الوصول إلى المرحلة الثالثة الجيدة. على أي حال تخلص شعر النكبة من شعر الخطابة وانتقل إلى مرحلة التأمل وهي خطوة هائلة. • ما رأيك في شعراء النكبة، مثل: فدوى طوقان – معين بسيسو؟ صلاح: فدوى طوقان: شاعرة لها مجالها الإنثوي عبرت عنه تعبيراً جيداً. معين بسيسو: قرأت ديوانه (فلسطين في القلب)، وهو شاعر جيد في التعبير عن النكبة. • هل تغضب إذا قلت لك ما يقال عن تأثرك بالشاعر الأنجلو أمريكي إليوت إلى درجة الحرفية. كما يقولون؟ صلاح: كل شاعر في الدنيا يتأثر بكثير من الشعراء، ولا أنكر أنني تأثرت بإليوت كأي شاعر آخر وكل ما استفدته منه، هو طريقه في التعبير عن الحياة اليومية، وإنتاج الشاعر أي شاعر هو قاسم مشترك بين جميع شعراء العالم. • "مزج التجربة الذاتية بالقضايا العامة، ظاهرة عند بعض الشعراء مثل لوركا وناظم حكمت ونيرودا"، فما رأيك في ذلك وما موقفك من نظرية الالتزام؟ صلاح: أنا لست مع نظرية الالتزام، كما أنني لست ضدها، والمهم في الأمر أن ينبع الأدب من داخل نفس الأديب، لا أن يجبر إجباراً. وأنا أحكم على الشاعر من اتجاه تعبيره الخاص، بغض النظر عن التزامه مذهبياً أو فنياً. • ما هي علاقة الفن بالأخلاق؟، وهل هناك أصلاً علاقة؟ صلاح: الفنان يعيد اكتشاف الإنسان والحياة، وهذه في رأيي ذروة الأخلاقية والفضائل، وأنا أنظر كما قلت للشعر، كفن لا كمذهب. • ما هو إنتاجك الأدبي حتى الآن؟ صلاح: لي عدة كتب هي: 1. حفلة كوكتيل مسرحية مترجمة إليوت. 2. الحلاج: مسرحية شعرية ستصدر قريباً. 3. مختارات من الشعر القديم. 4. أصوات العصر. 5. ماذا يبقى منهم للتاريخ. وثلاثة دواوين من الشعر، هي: (الناس في بلادي – أقول لكم – أحلام الفارس القديم). • ما رايك في الظاهرة التي تسميها نازك الملائكة، "ويظل"، وهي تكرار مطلع القصيدة في نهايتها؟ صلاح: لا يدل هذا على الضعف، كما يظن البعض، ولكن هذا هو أسلوب بناء خاص. • لكل قصيدة تجربة ولكل شخصية شعرية مدلول عصري. فما مدى تحقق ذلك في قصائدك التالية؟ 1. مذكرات بشر الحافي: إن بشر الحافي، هو الشاعر نفسه، وقد قرأت قصته في طبقات الأولياء للشعراني، فكتبت هذه القصيدة، وهي: رفض الحياة عندما يتصور الشاعر أن الحياة أصعب من التصور. 2. عجيب بن الخصيب: باحث عن الحقيقة، (وهي مأخوذة من قصة من ألف ليلة وليلة، اسمها العور السبعة)، أما السندباد، فهو رمز البحث عن المجهول. • ألم تصل للحقيقة النسبية في شعرك؟ صلاح: الحقيقة لا يصل لها الإنسان، ولكن حاولت الإطلال عليها في قصيدة "مذكرات ابن سبيل" وهي قصيدة لم تنشر. • باعتبارك الشاعر المجدد الأول في مصر، ألا يمكن أن تذكر لنا مبررات التجديد؟ أ. ظاهرة التجديد شاملة في العالم العربي، وليس من المعقول أن يظل كل هذاالتقليد. وإنما التجديدله مبرراته الأصيلة العامة، التي تنتهل من الأوضاع الحياتية لمجتمعنا العربي. ب. الشعر العربي القديم، خطابي غنائي، وخاصة أن له نبرة مرتفعة. فالشاعر القديم يتصور أنه يلقي قصيدته في وسط محفل، أما الشعر الحديث، فهو مقروء، إذ إن العلاقة تكون بين القارئ والشاعر، بسبب اتساع رقعة الأرض. علاقة القراءة فقط، إذ لا يتسنى لكل قارئ أن يستمع للشاعر، فالقصيدة المنشورة والديوان الشعري، هما الوسيلة. لذا كان من الواجب على الشاعر أن يهمس همساً، ويجب عليه أن يخفض نبرة صوته، وأن يخفض بالتالي الإيقاع الموسيقي. • ما الفرق بين الموسيقى الداخلية، أو ما يسمى الإيقاع الداخلي، وبين الموسيقى الخارجية؟ صلاح: الإيقاع الداخلي، هو ضربات بينها وبين تاليتها زمن متساو. والموسيقى الداخلية، تيار موسيقي متغلغل في القصيدة يمكن تحقيقه بأكثر من شكل، بالإضافة إلى انسجام الحروف، أو ما نسميه الإيقاع الوجداني، هو لا يقاس، بل إن هذا الإيقاع قانون عام، فلكل شاعر موسيقى داخلية، ولكل قصيدة موسيقى داخلية. ________________ • مجلة الأفق الجديد، القدس، فلسطين، العدد العاشر، عام 1965. |