وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

لأنها الباقية ونحن

نشر بتاريخ: 04/08/2018 ( آخر تحديث: 04/08/2018 الساعة: 13:15 )
لأنها الباقية ونحن
الكاتب: تحسين يقين
ترى ما الذي يشكله ذلك الفتى البدويّ في البرية على أمن الاحتلال الإسرائيلي؟
سؤال سياسي وأخلاقي وفلسفي!
هنا في برية القدس، يعيدني الفتى الأسمر، الذي يقود نعاجه وخرافه صيفا في وادي غير ذي زرع؛ إلى ذلك الإنسان، الذي كان يمشي فوق الشوك، ناظرا نحو الشمس، رافعا يديه بالدعاء، ما الذي كان يطلبه في دعائه! لا بد أن مطالبه كثيرة، او لعلها قليلة، كل ينظر حسب البيئة والمكان.
قلت له من تحدث عن جبران بصفة المؤنث، حين أهدى كتابه يوما لها/له:

الى التي تحدق في عيون الشمس بعيون غير مرتجفة...
فهل من الممكن فعلا التحديق في عين الشمس!؟
ارض شبه صحراوية لا شجرة ولا شجيرات فقط ما تبقى من الأعشاب الجافة.
أترك الفتى البدويّ لأحلامه، وأمضي، هنا طفل آخر يبيع الصبر، التين الشوكي، من أين جاء اسم الصبر!

هنا فتى يبيع العنب، ذكرني بنفسي، في مكان آخر هنا، نحن شعب هذه الأرض، الزراعة في دمنا ما دام هناك مطر، وتلك الهموم والاهتمامات.
تلك قضايا محيطنا، البقاء هناك في البرية، وفي الجبال الغربية لنهر الأردن، الطعام والشراب والتعليم، البيوت، المشاكل، والتحديات، ما هو إيجابي وما هو سلبي..السياسة والاقتصاد، وصولا لصفقة القرن التي احتار أصحابها ما يصنعون بنا، ذلك الفتى في البرية ونحن..نحن الباقون هنا، وما نقرره من مصير!

- هنا، في الزمان والمكان، على هذه الأرض وغيرها، ستخف النزاعات كثيرا، وستصير الحياة أكثر أمنا وجمالا.
- ما زلت رومانسيا..!
في الأرض، فوقها، تحت قبة السماء، تتجلى الفصول، ويكون الطقس ويكون المناخ..
ويكون أن تكون الحياة.

بين التفكير اللحظي والشعور، وبين ما هو يومي، وما هو أبعد مدى، كيف يمكن تأمل لوحة بدون الدخول في عمق خلفيتها حتى ولو كانت لونا واحدا!
هنا، تعيد أن لنفسك الاعتبار الإنساني، حيث يصبح للتفرد معنى، وما تلبث إلا وتجد نفسك متآلفا مع الكائنات.
من أول الصحو، تكون العين أو الأذن أو هما معا، والقلب والفكر، فلعلك تعود إلى أول الوجود: وجودك الأول مولودا، ووجود الدنيا.
إن لم نتجول في البرّ، فكيف سنضمن تجوالا آمنا في نفوسنا؟
لعلها الرحلة؟
- بدأت؟
- تبدأ!
ما هو قريب هنا وذاتي جدا، يعانق ما هو بعيد وعام؛ ثمة صعوبة في فصل المواد، والمعارف، فما هو بينيّ صار هو السائد، في العلاقات الاجتماعية والدولية، ولكن لنتأمل:
بالرغم من مرور قرون على العيش المشترك، بدءا من غرفة معيشة وعمل، وصولا للعالم، فما زال النزاع والصراع يعبثان بأرواح البشر!
فهل من وصفة لتحقيق عقد اجتماعي ودولي باتجاه الحدّ المقبول من العدالة والاحترام؟
بيننا الكثير لنتابع العيش، والعمل بل والإبداع؛ بدءا من دائرة الذات ومحيطها الى الدوائر الكبرى؛ فكيف يمكن اليوم العمل دون تعاون؟ سيكون ذلك صعبا!
إنها قيمة وضرورة..
وما الحضارة إن لم تكن الاقتناع بأنه يمكن لنا جميعا أن نكون، وكل بما وهب!
هي حياة كل واحدة فينا، بسياقها، وسياق ما هو أكبر، وهي رحلة كل واحد فينا داخل ذاته!
هنا، سيذهب كل منا لدائرته الخاصة، وعمله الخاص، ونفسه وأهله، فجيرانه، فسكان المنطقة؛ ليتساءل مثلا عن خطوط الماء والكهرباء والتلفون والانترنت؟
ثمة ما هو هنا، وثمة ما صار دوليا!
اذن فالكثير من الظواهر تدفع الى التعاون هنا او التعاون الدولي، فكيف تتم هذه الإدارة!
الحضارة تجمع، تجمع العلوم والمعارف والبشر..
والإنسان ابنها، يعيش بهذه الروح، ولذلك صارت الحضارة.
والآن صار من الضرورة المحافظة عليها.
هذه ألف باء العيش المشترك، الذي ينبغي التربية عليه؛ فكيف نطمح لتعاون دولي ونحن نفشل فيما بيننا.
- ستخف النزاعات كثيرا...
- و؟
- سيصير الاشتباك مع الحياة، لفك أسرارها، فما زال الناس بحاجة لجهود علمية كثيرة!
- .............
الفعل دائما أكثر ابداعا من الحديث...
اذن لبقائنا هنا ضرورات، فحتى يكون بقاؤنا أقوى، نحن مدعوون فعلا لا قولا لتقوية أنفسنا، بدءا بالاحترام مرورا بالتضامن والتعاون، وصولا إلى الشراكة الحقيقية بما ينسجم مع طموحات شعب عريق ما زال يضحي بالغالي..
ونحن مدعوون لمواصلة الإلحاح على الضمير العالمي، مرورنا بذكاء إعادة الزخم العربي لقضيتنا النبيلة.
وعلينا، أيضا مخاطبة الوعي الإسرائيلي:
فكيف ومتى ستخلص مثلا إسرائيل نفسها مما علق بها من سوء صار ثقيلا على البشر!
لعلّ هذه أيضا من مهام نضالنا، يجب خلخلة وتفكيك العلاقة بين الحكم الكولينيالي العسكري مع الشعب الإسرائيلي؛ إذ أن هناك مجالا لجعله يتبرأ مما يصنع قادته من جرائم إنسانية باسمه!
وأخيرا، لعل بقاء شعبنا هنا هو الذي سيحييه الى الأبد؛ وهو البقاء الإبداعي، الوجودي والسياسي، الذي سيفعل الآن وغدا فعل السحر للضمير الإنساني، فلا يمكن أن تظل الأمور هكذا، لا يمكن أن يظل الظلم والاحتلال البشع طويلا.

[email protected]