|
دور المثقف في الذود عن وحدة الدولة العربية
نشر بتاريخ: 14/08/2018 ( آخر تحديث: 14/08/2018 الساعة: 17:50 )
الكاتب: د. حسن عبد الله
كان معظم المثقفين والمبدعين العرب، قبل بضعة عقود منشغليين في التنظير لدولة عربية واحدة، تنصهر في إطارها الدول القُطرية، وكان هذا التنظير وما زال مشروعاً وضرورياً، بيد أن التطورات المتسارعة في العالم العربي جعلت منه على الأقل في هذه المرحلة، شعاراً بعيداً وربما "طوباوياً" بالمنظور الآني، لكنه ليس كذلك على المدى الاستراتيجي، والسبب أن الدولة العربية القُطرية باتت مستهدفة ومهددة بالتفكك والتشظي، بفعل مؤامرة خارجية وجدت أدواتها داخلياً ووظفتها في عملية التفكيك تحت شعارات ومطالب هي في الأساس مشروعة إلا أنها استخدمت لأهداف غير مشروعه، أي تحطيم الدولة مؤسسات وبنية وتحويلها إلى دويلات متصارعة على أساس مذهبي، مع هدر وتدمير كلي للطاقات المحلية على مستوى الجيش والشرطة والاقتصاد والمؤسسات الخدمية وشبكات المواصلات والمياه والكهرباء، لتتقهقر الأوضاع إلى مرحلة ما قبل الدولة.
استغلت القوى الظلامية ومن يدعمها في الخارج، أزمات اقتصادية طحنت المواطن البسيط والمقموع والمكبوت والمغلوب على أمره، وراحت تبحث في أوساط المقهورين عن أنصار ووقود لها، فوجدت ضالتها، ولم يستفق المقهورون الذين ازدادوا قهراً سوى بعد فوات الأوان، حيث تم تدمير ليبيا واليمن وأجزاء مهمة من العراق وسوريا، بينما نجت من التدمير تونس ومصر، لكن القوى الظلامية ما انفكت تتربص بهذين البلدين العربيين. والحقيقة هي أننا ننظر بحب وامتنان لكل دولة عربية ما زالت واقفة على قدميها ترعى أبناءَها وتحمي حدودها، لا سيما وأن قلوبنا وأعصابنا وضمائرنا تعبت ونزفت من مرأى اللاجئين العرب وهم يصطفون في طوابير مذلة في انتظار العبور إلى دول أخرى، أو من هول مأساة اللاجئين الذين غرقت قواربهم وقذف البحر بأجسادهم البائسة، ليهبروا من الموت بالرصاص والقنابل والقذائف إلى الموت غرقاً وخنقاً. لقد استهدفت القوى الاستعمارية العالم العربي وجزأته إلى دول، وها هي اليوم تستهدف الدولة الواحدة، وتجعل من تقسيمها بعد اشغالها طويلاً في حروب داخلية مطلباً ينسجم مع رؤياها في إعادة رسم خريطة جديدة للمنطقة، تقوم على أساس تجزئة المجزأ، وضرب الدولة المركزية في عمقها وتعريض هيبتها للإساءة والتقزيم والاستخفاف، بعد تحطيم أذرعها وأدواتها وتجسيداتها. والسؤال كيف يمكن للمثقف والمبدع أن يصيغ موقفه في هذه المرحلةـ، بعد أن كان قبل بضع سنوات من المتحمسين بالمطلق للدولة العربية الواحدة الموحدة على حساب الدولة القُطرية؟ سؤال مهم فرضته وقائع ومعطيات ينبغي التعامل معها برؤية عميقة، قادرة على تحديد الخطر الذي يهدد حاضر ومستقبل الدولة القُطرية، وبالتالي فإن الفهم الجديد الذي من الضروري والملح أن يتعاطى معه المثقف العربي ينطلق من "نعم لوحدة الدولة العربية القُطرية أمام مخطط تحويلها إلى دويلات طائفية متصارعة"، لأن من شأن هذا المخطط لو تم تمريره بالكامل أن يجهز على الوطن العربي تفتيتاً وتمزيقاً وفوضى، فغياب الدولة القُطرية، يعني مزيداً من الحروب الداخلية والتقتيل، واستماتة جماعات طائفية في توسيع نفوذها وزيادة مخزون غنائمها، كما كانت تفعل القبائل والجماعات في مرحلة ما قبل الدولة. إن نضال المثقف في سبيل تثبيت دعائم الدولة العربية القُطرية، لا يلغي بأي حال من الأحوال نضاله من أجل الديموقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وتكافؤ الفرص والنزاهة والشفافية، بل يجعل هذا النوع من النضال هاجساً، خاصة وأنه السبيل المضمون للحفاظ على الدولة، ومنع العبور إلى عمقها، من ثغرات الفقر وغياب الديموقراطية وفشل السياسات التعليمية والتنموية، فقد اثبتت الأحداث والتطورات التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية في السنوات الأخيرة، أن قوة الجيش والشرطة لا تستطيع وحدها الإبقاء على استمرار الدولة، في ظل غياب المقومات الرئيسة التي أوردنا بعضاً منها، فالمواطن يدافع عن دولته إذا وفرت له حياة إنسانية كريمة، ويصبح ضدها إذا ما أذلته واضطهدته، والقوى الخارجية سوف لا تجد جسوراً داخلية للعبور عليها للتدمير والتجزئة، إذا كان المواطن محصناً بانتمائه ومشدوداً لدولته، كونه يستفيد من مؤسساتها وخدماتها، ويرى في المؤسسة العامة مؤسسته التي يجب الحفاظ عليها وحمايتها من أي تهديد. ومن هنا يبرز دور المثقف في العمل وفق منهجية وليس مراقبة ما يجرى عن بعد والاكتفاء بالتحسر والعويل، من خلال عملية توعوية مرحلية من جانب وطويلة الأمد من جانب آخر، إذ نحتاج إلى مباراة حقيقية في إنتاج النصوص التثقيفية والتنويرية والتطويرية والتحصينية في السينما والمسرح والرواية والقصة والأغنية والقصيدة وفي كل مستوياتنا الإعلامية والتعليمية، لتمتين بنانا كما كان المثقف المصري والعربي يفعل في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما كان ملتفاً حول مشروع قومي، وعليه قد تختلف العناوين والمسميات آنياً، لكن جوهر دور المثقف تجاه وطنه ومجتمعه يبقى مطلوباً وبقوة، وإنْ تراجع أو عانى تشويشاً وارباكاً فإن المثقف يكون قد أضاع لحظة تاريخية شديدة الأهمية، وتحول من فاعل وقارئ جيد للمرحلة وما بعدها إلى مفعول به يختنق في أزمات لا حصر لها كما يختنق الآخرون. |