وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

اجتماعات رام الله والقاهرة وشبح العدوان

نشر بتاريخ: 15/08/2018 ( آخر تحديث: 15/08/2018 الساعة: 17:37 )
اجتماعات رام الله والقاهرة وشبح العدوان
الكاتب: د.أحمد الشقاقي
تزدحم الأجندة الفلسطينية باللقاءات والنقاشات السياسية، ويعيش الواقع مخاضاً سياسياً سيشكل معالم المرحلة المقبلة لكن محددات النشاط السياسي الفلسطيني يسير كالعادة في اتجاهات لا تلتقي! أبو مازن يجمع فريقه الخاص في جلسة المركزي ليواصل مسيرة التنقل والقفز بين دوائر منظمة التحرير غير الممثلة للقوى الفلسطينية في عربدة سياسية غير مسبوقة، ولا يمكن تصور أن هناك من يثق بهذه الاجتماعات التي تخرج بتوصيات لتنقلها من جسم سياسي إلى إطار آخر أو من مجلس إلى لجنة وهكذا دون أن نشهد تطبيقاً لهذه التوصيات وكأن من يصنع هذه القرارات يدرك أنها ستسير في مسارات الضياع بعيداً عن التطبيق أو التفعيل وما جرى في ملف التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال أوضح مثال على ذلك.
يذهب فريق رام الله باتجاه جلسة المركزي وهو يفقد مزيداً من القوى السياسية التي كانت جزءاً منه حتى وقت قريب، والأخطر من ذلك أن هذه الخسارة تعني أن حالة التفرد بمنظمة التحرير الفلسطينية باتت مكشوفة وفي أكثر حالاتها استفزازا لكل من يشغل باله بالواقع السياسي الفلسطيني، بل إن أصواتاً داخلية من التنظيم السياسي الأكثر هيمنة على منظمة التحرير أصبحت منزعجة بشكل معلن من توجهات زعيمها وفريقه الخاص.
إن الحديث في مبدأ شرعية عقد جلسة المركزي يدفع القانوني والوطني والسياسي إلى التعجب المفرط من حجم الاستهتار لدى صانع السياسية الرسمية الفلسطينية الذي يصمم على مساره الخاص فيما يخص تحقيق المصالحة الوطنية، وينسف ما ذهبت إليه تحضيرية بيروت في الذهاب إلى عقد مجلس وطني وحدوي يجمع الكل وتشكله انتخابات حرة. وكأن المصالحة الفلسطينية تحقق التمكين للجهاز الحكومي من بسط سيطرته على قطاع غزة، في حين أن المطلوب جمع الفرقاء وبناء البرنامج السياسي الذي يُمكن الجميع من مواجهة الاحتلال وقانون قوميته وترامب وصفقته.
تذهب جلسة المركزي لمراكمة المزيد من التعقيدات التي تتسبب في الانفصال عن المشروع الوطني وليس العكس، لأننا لسنا في ساحة ترف سياسي تسمح لنا بالحديث عن الانتقال من سلطة واهية إلى دولة على الورق. ما تعيشه المدينة المقدسة والواقع الجغرافي والتمدد الاستيطاني بالضفة المحتلة والحصار والعدوان المستمر في غزة يؤكد أننا لازلنا نعاني من محاولات خلط المفاهيم المستمرة في أذهان أجيالنا الشابة، فعن أي دولة تتحدثون ونحن لا نزال في معركة التحرر المستمرة. من العجب أن نستعجل الوزارة ونحن لا نملك السيادة، من المهانة أن نتمترس خلف التمكين ونحن نعيش تحت بساطير جيش الاحتلال حسب قولهم!
في المقابل فإن قوى فلسطينية خرجت إلى القاهرة وتجتمع بعد نقاشات مسبقة داخل القطاع، تناقش مزيداً من التفاصيل المتعلقة بالتهدئة والحصار والمصالحة حسب من يشارك في أعمالها. ويدرك من يتابع تفاصيل الجهد المصري والأممي المبذول في هذا الإطار أن محاولات حثيثة لتحقيق تهدئة ومعالجة جوانب من الحصار المفروض على القطاع قاب قوسين أو أدنى من الخروج إلى العلن.
هذه النقاشات المستمرة ما يميزها أنها تجمع أكبر قدر ممكن من القوى الفلسطينية وتناقش هموماً حقيقية للواقع، لكن ما يدفع للحذر أن جميع من يشارك في هذا السياق يعلم أن حالة التفاوض الغير مباشرة بين حماس ودولة الاحتلال يمكن أن تنزلق إلى تصعيد وجبهة حرب في أي لحظة خاصة وأن الأجواء مهيأة للانفجار، وأطفال غزة قبل رجالها ومقاومتها يدركون أن هذا العدو جبان وغادر وقد يذهب باتجاه التصعيد قبل المرور بالمحطة النهائية لأي تهدئة متوقعة.لذلك على كل من يستجيب للأطراف الوسيطة أن يدرك أن مسيرات العودة أضافت إلى حزمة المقاومة الفلسطينية أبعاداً نوعية وهامة ولا يمكن المراهنة على خسارتها مقابل وعود غير حقيقية، والحنكة السياسية تقتضي المحافظة على هذا الخيار وتقدير التضحيات التي ذهبت في هذه المسيرة ومواصلة التصميم حتى تحقيق العودة التي نادت بها المسيرة، وهو ما يعني عملياً زوال الاحتلال.
كذلك من المهم أن يرفض الفلسطيني أن يقايض احتياجاته بثوابته وسلاحه، ويمكن القول إن الثقة بالجهة المنظمة لمسيرة العودة تدفع للاطمئنان أن التضحيات لن تذهب سدى، وبالعكس سيتمكن الفلسطيني المقاوم من كسر الواقع السياسي الذي حاول الاحتلال فرضه قبل 30 آذار الماضي، بمعنى أن المسيرة حققت أهدافاً مهمة نادت بها، ورسمت توافقاً فلسطينياً غير مسبوق، وهذه اللوحة من التوافق والوحدة الوطنية هي المطلوبة لمواجهة الاحتلال.
خلاصة القول: تذهب رام الله إلى جلسة المركزي، وتستقبل القاهرة وفود الفصائل، وعشرات التكهنات، ومئات التصريحات تخلق بلبلة في الشارع الذي يفقد ثقته في قيادته تدريجياً، لكن حالة اليقين لدى الجميع أن صوت غارة وهمية في أجواء غزة كفيلة بضبط إيقاع التفكير أن العدو يترقب على الحدود ويقتنص الفرصة لضرب المرابط المقاوم، وهذا يدفعنا لانتظار مصالحة برسم مسيرة العودة.