|
ستظل مصر الأكثر حرصا على مصالح الفلسطينيين
نشر بتاريخ: 06/09/2018 ( آخر تحديث: 06/09/2018 الساعة: 12:02 )
الكاتب: اللواء محمد إبراهيم وكيل المخابرات المصرية الأسبق
لم يعد خافياً على أحد أن القضية الفلسطينية تمر الآن بأخطر مراحلها وهي خطورة توازي في رأيي نكبة ١٩٤٨ أو نكسة ١٩٦٧ وما ترتب عليهما من نتائج سلبية ما زالت تلقي بظلالها الكئيبة على القضية ومستقبلها ولا شك أن هذه الخطورة غير المسبوقة انبثقت معالمها بفعل المواقف الأمريكية والإسرائيلية التي اتخذها مسئولو هاتين الدولتين مؤخراً بصورة سافرة ويأتي على رأسها اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، ثم التأكيد على إسقاط قضية القدس من مائدة التفاوض، وتلا ذلك محاولات إسقاط حق العودة (المقدس) ووقف التمويل الأمريكي لوكالة الأونروا المعنية بشئون اللاجئين الفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى القانون الإسرائيلي (العنصري) الخاص بالقومية اليهودية الذي وافق عليه الكنيست منذ عدة أسابيع.
ولا يمكن أن نعفي أنفسنا كعرب وفلسطينيين من أننا قد ساهمنا بشكل أو بآخر فيما وصلت إليه القضية الفلسطينية من تدهور وغياب أي أفق سياسي للحل العادل، وذلك من خلال عاملين رئيسيين نتحمل مسئوليتهما، أولهما عدم القدرة على تسويق مبادرة السلام العربية المطروحة منذ ما يقرب من عقدين وهي في رأيي أفضل رؤية عربية واقعية للسلام الشامل مع إسرائيل، أما العامل الثاني فهو ذلك الانقسام اللعين الذي فصل الضفة الغربية عن غزة منذ أكثر من عقد وما زلنا للأسف نتحدث عن كيفية إنهاء هذا الانقسام بدلاً من أن نتحدث عن كيفية مواجهة المحاولات الجارية ليس فقط لطمس قضيتي القدس واللاجئين ولكن لطمس وإنهاء القضية الفلسطينية بأكملها. وقد شهدت الساحة الفلسطينية خلال الفترات الأخيرة حديثاً مكثفاً حول أربعة مكونات أو مفردات أو تعبيرات متداولة بقوة وهي غزة أولاً والتهدئة والمصالحة وصفقة القرن ثم جاء الحديث حول أي من هذه المفردات تكون له الأولوية في الاهتمام والمعالجة، وبالتالي فإن الأمر يستلزم أن نلقي الضوء على هذه المكونات الأربعة حتى يكون الموقف أكثر وضوحاً، ليس فقط في جانبه التحليلي ولكن في الجانب الأهم وهو كيف يمكننا التعامل مع هذا الوضع الجديد الشديد الخطورة في المرحلة المقبلة. وقبل الخوض في شرح كيفية تحرك الأطراف الرئيسية تجاه هذه التطورات، من الضروري الإشارة إلى مسألة شديدة الأهمية وسؤال لابد أن يطرح نفسه، وهو لماذا هذا التركيز الدولي غير المسبوق على قطاع غزة وأوضاعه الصعبة، ولا شك أن هذا الموضوع يحمل في جانبه المعلن معطيات إنسانية واقتصادية لرفع شأن القطاع، ولكنه من جانب آخر يحمل أبعاداً سياسياً قد لا تتضح كل معالمها حالياً ولكنها بالقطع تؤثر على مستقبل القضية الفلسطينية كلها، وفي رأيي أن هناك مجموعة من الأسباب لهذا التركيز أوضح أهمها في سببين رئيسيين وهما كما يلي: السبب الأول أن التركيز الدولي على الأوضاع الإنسانية في القطاع أمر لا يمكن من الناحية النظرية أن يثير أية شبهات ولكنه من الناحية العملية قد يكون غطاء جيدا لأية مشروعات سياسية غير مقبولة عربياً وفلسطينياً يمكن تمريرها في مرحلة لاحقة. السبب الثاني أن الحديث بهذه الكثافة عن قطاع غزة يبعدنا تماماً عن الحديث حول القضية الفلسطينية نفسها وعن أية تسويات أو مفاوضات مرتبطة بها، بل يحاول تثبيت أوضاع حالية خاطئة ومغلوطة وهو ما يتمشى في مجمله مع أهداف بعض القوى والأطراف وخاصة الجانب الإسرائيلي. التحرك المصري أعتقد أنني لا بد لي مهما كان الأمر مكرراً من التأكيد على مقولة أن القضية الفلسطينية هي قضية أمن قومي مصري بالأساس، وبالتالي فإن طبيعة الدور المصري تجاه هذه القضية بصفة عامة أو حتى تجاه القطاع بصفة خاصة ينبع من هذا المبدأ، الذي لا يمكن أن نحيد عنه مهما كانت الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، ومع التسليم بأن دورنا يعد دوراً رئيسياً محورياً مقبولاً من الجميع، إلا أننا نرحب بأية أدوار أخرى مساعدة وداعمة وليست أدوارا مخربة أو هدامة أو ذات أغراض سياسية خبيثة. ويجب أن تعلم جميع الأطراف أن مصر تتعامل مع قطاع غزة في إطار تعاملها مع القضية الفلسطينية ككل وليس ككيان منفصل عن كل الجسم الفلسطيني؛ حيث إن موقفنا الثابت يتمثل في أن كلا من القطاع والضفة الغربية يمثلان سوياً الدولة الفلسطينية المستقلة القادمة بإذن الله مهما كانت المؤامرات والتحديات, وبالتالي فإن سياسة مصر تجاه القطاع تتحرك في إطار المجالات التالية: المجال الإنساني حيث اتخذت مصر قراراً بفتح معبر رفح البري من أجل تسهيل تحركات سكان القطاع إلى العالم الخارجي. المجال الاقتصادي حيث تتبنى مصر مبدأ ألا تتدهور الحياة اليومية لسكان القطاع في ظل طبيعة حصار الجانب الإسرائيلي والإجراءات التي يتخذها ولا سيما إغلاق معبر كرم أبو سالم على فترات ولذا تتدخل مصر من جانبها سواء لإدخال بضائع ومساعدات ضرورية للقطاع أو تضغط على إسرائيل لتخفيف إجراءاتها التعسفية. المجال الأمني والذي يعني التدخل العاجل لتحجيم أية احتمالات لانفجار الوضع العسكري بين إسرائيل والقطاع، حيث تسارع مصر بالتدخل للمساعدة من أجل التوصل إلى تهدئة بين الجانبين كلما تصاعد التوتر بينهما سواء بالقصف الإسرائيلي للقطاع أو إطلاق صواريخ وغيرها من القطاع اتجاه إسرائيل، ومن المؤكد أنه بدون الجهود المصرية لم تكن هناك أية فرصة للوصول إلى هذه التهدئات المتكررة، ولا يمكن لأحد أن ينكر الدور المصري الرئيسي في إقرار التهدئة في أعقاب الحروب الإسرائيلية الثلاثة على القطاع أعوام ٢٠٠٩ و٢٠١٢ و٢٠١٤ وكذا الجهود المصرية الحالية لإقرار تهدئة جديدة تستند بمجملها على تفاهمات تهدئة ٢٠١٤. المجال الداخلي الخاص بالمصالحة وإنهاء الانقسام وذلك من خلال فتح قنوات اتصال دائمة مع كافة التنظيمات والقوى الفلسطينية الموجودة في القطاع دون استثناء من أجل تنفيذ اتفاق المصالحة الشامل الذي تم التوصل إليه في الرابع من مايو عام ٢٠١١ وما أعقبه من تفاهمات. المجال السياسي وهو عبارة عن التواصل الدائم مع السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن من أجل تنسيق أهم الخطوات الضرورية في كافة التحركات التي تتم، وفي هذا المجال أشير إلى الاتصال التليفوني الذي تم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس أبو مازن يوم ٣٠ أغسطس الماضي في إطار الاتصالات المتنوعة الجارية بين الرئيسين، وكذا قيام وفد رفيع المستوى من رجال المخابرات العامة المسئولين عن هذا الملف بالتوجه إلى رام الله فى الأول من سبتمبر الحالى ولقاء الرئيس أبو مازن وقيادات فلسطينية أخرى، بالإضافة إلى ضرورة التنويه عن أهمية الزيارة التى قام بها السيد الوزير رئيس المخابرات العامة إلى رام الله منذ عدة أسابيع ولقائه مع الرئيس أبو مازن. أما فيما يتعلق بموقف مصر من صفقة القرن التي لم تطرح رسمياً حتى الآن ولا يعلم أحد بنودها، فمن واجبى أن أطمئن الإخوة الفلسطينيين قيادة وشعباً أن الرئيس عبد الفتاح السيسى ومعه الشعب المصرى العظيم لن يقبل أية تسوية للقضية الفلسطينية لا تستند على الثوابت الفلسطينية المعروفة خاصة مسألتى القدس واللاجئين ولن تقبل مصر إلا ما يقبله الفلسطينيون ويوافقون عليه عن رضا وقناعة، ولن تهدأ مصر حتى ترى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا هو موقفنا الثابت غير القابل للتغيير أو التأويل أو التشكيك. التحرك الإسرائيلي لاشك أن إسرائيل تعد أكثر المستفيدين من التدهور الحالى فى القضية الفلسطينية وهي مسئولة عنه بالتأكيد، كما أنها مستفيدة للغاية من مسألة التركيز على غزة أولاً فى ضوء الاعتبارات الأربعة التالية: الاعتبار الأول أن هذا التوجه الجديد يؤدى إلى إبعاد التركيز على القضية الفلسطينية ومفاوضات السلام وهو نفس الموقف الذى تتبناه حكومة ناتانياهو التى أسقطت عملية السلام من حساباتها، بل اتجهت إلى مزيد من التشدد من خلال إقرار الكنيست فى السابع عشر من يوليو الماضى لقانون القومية اليهودية الذى يعد أحد أهم القوانين السيئة المتخذة ضد الفلسطينيين وعرب ٤٨. الاعتبار الثاني أن أية مطالبات يمكن أن يوجهها المجتمع الدولى لإسرائيل حالياً سوف تتركز فى الموضوعات المتعلقة برفع الحصار عن القطاع وفتح المعابر والبحث عن ميناء بحرى لتسهيل حركة نقل البضائع للقطاع وكافة القضايا الإنسانية والاقتصادية وهى كلها قضايا إنسانية بعيدة تماماً عن مطالبتها بأية مرونة فى مواقفها السياسية وهو الموضوع الأهم بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية. الاعتبار الثالث أن التركيز على القطاع بوضعيته الحالية سوف يؤدى إلى تثبيت موقف حركة حماس فى القطاع باعتبار أنها تمثل السلطة الفعلية هناك، كما أنها المسئولة عن كافة الجوانب الأمنية والاقتصادية فى القطاع وهو ما يتمشى فى النهاية مع المصلحة الإسرائيلية. الاعتبار الرابع أن ما يهم إسرائيل حالياً من قطاع غزة وتسعى حكومة ناتانياهو لإنجازه بكافة الطرق، يتمثل فى مسألتين رئيسيتين أولهما تحييد القطاع كأحد المهددات الأمنية لإسرائيل (إطلاق الصواريخ والبالونات الحارقة من القطاع تجاه إسرائيل)، وهو ما يعنى التوصل للتهدئة التى يكاد يجمع المسئولون الإسرائيليون على أهميتها لأسباب مختلفة على أن يكون مقابلها بعض التسهيلات لرفع الحصار الإسرائيلى عن القطاع، وثانيهما الإفراج عن جثث الجنود الإسرائيليين وبعض المفقودين المتواجدين لدى حركة حماس بأى أسلوب حتى من خلال صفقة تبادل أسرى، أما موضوع المصالحة فمن المؤكد أنه ليس هناك مسئول إسرائيلى واحد يؤيد إنهاء الانقسام الذى يمثل استمراره مصلحة استراتيجية لإسرائيل. التحرك الفلسطيني من الصعب الحديث حول موقف فلسطينى موحد تجاه التطورات الجارية فهناك موقف للسلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن الذى يسيطر على الضفة الغربية وهناك موقف آخر لحركة حماس التى تسيطر على قطاع غزة، ومن المؤكد أن هناك اختلافاً واضحاً فى المواقف والتوجهات والأهداف بين كل من السلطة الفلسطينية وحركة فتح وبين حماس حيث يمكن رصد المواقف المعلنة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح فيما يلى: أن السلطة هى وحدها المسئولة عن كل فلسطين بما فى ذلك قطاع غزة وأن أية تحركات إقليمية أو دولية تجاه غزة يجب أن تمر عبر بوابة واحدة فقط وهى السلطة الشرعية فى رام الله. أن حركة حماس تتعمد عدم تنفيذ اتفاق المصالحة الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الرابع من مايو عام ٢٠١١؛ نظراً لرغبتها فى استمرار حكمها وسيطرتها على القطاع وأنها لم تسمح لحكومة الدكتور رامى الحمد الله بأن تعيد بسط سيطرتها الطبيعية على القطاع. أن ما يثار حول اتفاق تهدئة بين إسرائيل وحركة حماس لعدة سنوات أمر مرفوض تماماً؛ نظراً لأنه يحقق مصالح حماس فى حين سيؤدى إلى تقويض حقيقى للقضية الفلسطينية وتمرير ما يسمى بصفقة القرن التى ترفضها السلطة الفلسطينية شكلاً وموضوعاً. أن أية جهود لإتمام المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام أمر يجب أن تكون له الأولوية وأن المصالحة لا بد أن تؤدى فى النهاية إلى وجود سلطة واحدة وقانون واحد وسلاح واحد وهو أمر لن يتأتى ما دامت حماس ترفض التنازل عن مواقفها. وفى الجانب المقابل يمكن رصد المواقف المعلنة لحركة حماس فيما يلى: أن السلطة الفلسطينية تفرض حصاراً على القطاع مما يحول دون توفير الحياة المعيشية الكريمة لسكان القطاع ولا سيما فى الموضوعات المتعلقة بالمرتبات والموظفين والكهرباء. أن حماس وافقت على كافة المقترحات المصرية من أجل إتمام عملية المصالحة، إلا أن حركة فتح هى التى تتعنت فى مواقفها ولا تريد من المصالحة إلا ما يسمى بتمكين الحكومة وإعادة سيطرتها على كل مقدرات الأمور فى غزة دون حل المشكلات الأساسية التى تقف عقبة فى طريق المصالحة. أن الحركة سوف تقوم بالرد على الاعتداءات الإسرائيلية على القطاع وستواجه هذه الاعتداءات بكل ما لديها من أسلحة، كما أنها على استعداد للدخول فى تهدئة مع الجانب الإسرائيلى فى إطار صفقة شاملة مقبولة من جميع الفصائل تستند على ضرورة رفع الحصار عن القطاع. أن حماس لا تعارض فى أن تتم التهدئة أولاً قبل إتمام المصالحة وستتجاوب مع أية مقترحات إيجابية فى هذا الشأن ولكنها لن توافق على أية تسوية سياسية لا تلبي الحد الأدنى من مطالب الشعب الفلسطينى. أن الحركة لن توافق على أية عمليات تبادل للأسرى مع إسرائيل إلا بشروطها، التى يتمثل أهمها فى الإفراج عن الأسرى المحررين فى صفقة شاليط عام ٢٠١١ والتى أعادت إسرائيل اعتقال العشرات منهم مرة أخرى. وفي ضوء هذه المواقف الخلافية، حرصت مصر على التدخل من أجل رأب الصدع بين مواقف الحركتين وبذلت جهوداً مضنية فى دعوة كافة الفصائل للقاهرة مؤخراً وبلورت العديد من المقترحات التى تساعد على حل أية عقبات سواء أمام التهدئة أو المصالحة دون وجود أية مصلحة خاصة لمصر فى هذا الشأن إلا مصلحة الشعب الفلسطينى أولاً مع قناعتنا التامة بأننا نتعامل مع حركة حماس باعتبارها فصيلا فلسطينيا ورقما مهما فى المعادلة فى إطار أننا نقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل والتنظيمات والقوى دون استثناء، أما تعاملنا مع السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس أبو مازن فهى من المؤكد أنها تمثل السلطة الشرعية الحاكمة والمعترف بها التى لا بد أن تعود للسيطرة على غزة ويجب أن تمر كافة الأمور المهمة من خلالها ومن هنا يأتى التواصل المصرى المستمر معها. التحرك الأمريكي أصبح الفصل بين الموقفين الأمريكى والإسرائيلى أمراً صعباً للغاية فى ظل إدارة الرئيس ترامب سواء فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ككل أو مسألة قطاع غزة أولاً فهناك تناغم وتوافق بين الموقفين تماماً، ومن ثم كان الموقف الأمريكى واضحاً وهو يتحدث عن وجود العديد من المشروعات التى ستؤدى إلى رفع المعاناة عن سكان القطاع وتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية وهو الجانب الذى لا يمكن لأى من الأطراف أن يرفضه باعتبار أنه يمثل الجانب الإنسانى الضرورى للقطاع رغم تناقض ذلك مع الإجراءات التعسفية التى اتخذتها الإدارة الأمريكية بشأن قطع بعض المعونات المادية عن السلطة الفلسطينية وكل المعونات المقدمة إلى الأونروا التى تعتبر ضرورية لحياة ملايين الفلسطينيين فى غزة وغيرها من المناطق وهى إجراءات أمريكية تهدف إلى إنهاء قضية اللاجئين بنفس منطق تحركها المتعنت لإنهاء قضية القدس. أما بالنسبة لصفقة القرن فإن الجانب الأمريكى لا يزال يحجم عن الإعلان عن تفاصيل هذه الصفقة حتى الآن رغم أن كل ما يتسرب عنها يعتبر مضاداً للموقفين العربى والفلسطينى، ولا شك أن الإدارة الأمريكية استشعرت أن هذه الصفقة لن يمكن تمريرها بسهولة فى ضوء قناعة الزعامات العربية والفلسطينية باستحالة قبول أية تسوية سياسية تتعارض مع الثوابت الفلسطينية، ولا سيما فيما يتعلق بقضيتى القدس واللاجئين التى تحاول كل من واشنطن وتل أبيب إبعادهما تماماً عن أية مفاوضات سياسية، بل جاء قانون القومية اليهودية ليزيد من تعقيدات الموقف السياسى فى عملية السلام فى الشرق الأوسط، وعلينا أن نتوقع مزيداً من المواقف الأمريكية المضادة للموقفين العربى والفلسطينى تجاه القضية الفلسطينية. وفى ضوء ما سبق أرى أن التحرك المصري يعد هو التحرك الرئيسي المؤثر ومن المفيد أن يكون أو يستمر في الإطار التالي: مواصلة التحرك تجاه قطاع غزة مع شموله كافة المجالات الممكنة من أجل المشاركة الفعالة فى ضبط الأوضاع فى القطاع مع التركيز بصفة مبدئية على جوانب أربعة وهى ضبط الحدود مع مصر (١٤ كم) وتحقيق المصالحة والتهدئة ومنع انهيار الوضع الاقتصادى. استمرار التشاور والتنسيق على مستويات متعددة مع السلطة الفلسطينية حتى تكون كل التحركات فى إطار متوافق عليه ثنائى على الأقل فى خطوطه الرئيسية على أن يتمثل الهدف النهائى فى عودة القطاع إلى الجسم الفلسطينى تحت سيطرة السلطة. التجاوب مع كافة الجهود الإقليمية والدولية لتحسين الأوضاع المعيشية فى القطاع ولكن من الجانب الإنسانى فقط، وألا يصل الأمر إلى محاولة تمرير بعض الأطراف تسويات سياسية، تؤدى إلى تقويض القضية الفلسطينية، وخلق دويلة فى غزة فى مرحلة قادمة أو على الأقل تثبيت الوضع الحالى، وأنا على يقين بأن القيادة السياسية المصرية واعية تماماً لهذا الأمر، وأنها ستقف بقوة وحزم تجاه أية محاولات تستشعر أنها تضر بالقضية الفلسطينية. استمرار التحرك المصرى لوضع اتفاق المصالحة موضع التنفيذ وهو ما يتطلب إبداء كل من حركتى حماس وفتح أقصى درجات المرونة فيما يتعلق بتنفيذ اتفاق المصالحة حيث إن كافة الجهود ستكون مقصورة ومؤقتة ما دام الانقسام اللعين جاثماً بقوة فوق الأرض الفلسطينية. مواصلة جهود التوصل إلى تهدئة لتجنيب الشعب الفلسطينى فى القطاع ويلات حرب جديدة مع ضرورة أن تحرص كل من حركتى حماس والجهاد الإسلامى وفصائل المقاومة على عدم وصول الوضع العسكرى مع إسرائيل إلى مرحلة التفجر التى لا يمكن العودة عنها حتى لا يتعرض الوضع فى القطاع لمزيد من التدهور مع ضرورة التزام كل الفصائل بكافة محددات الرؤية المصرية للتهدئة ما دام هناك التزام من الطرف الآخر، وأعتقد أن الظروف الراهنة تفرض على الجميع تجاوز مسألة هل التهدئة أولاً أم المصالحة ما دامت هناك ثقة فى الموقف المصرى الذى يتحرك فى إطار خطة واضحة ذات مسارات أمنية واقتصادية وإنسانية وسياسية. وفي النهاية تظل مصر بثقلها الإقليمى والدولى هى أكثر الدول المؤهلة لإعادة الحياة مرة أخرى إلى المسار السياسى لحل القضية الفلسطينية فى إطار مبدأ حل الدولتين مهما كانت الصعوبات والمعوقات؛ وذلك حتى لا تفرض علينا أى أطراف أخرى تسويات مؤقتة أو صفقات دائمة أو رؤى مشبوهة أو منقوصة تنال من حقوق الشعب الفلسطينى تحت شعار الجوانب الإنسانية أو غيرها، ومن المؤكد أن القيادة السياسية برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسى لن تقبل مطلقاً بأقل مما يمكن أن يقبله الجانب الفلسطينى وستكون مصر كما عودتنا على مدار التاريخ الأكثر حرصاً على المصالح والثوابت الفلسطينية. |