|
نحو مقاربة جديدة للحماية الاجتماعية في فلسطين
نشر بتاريخ: 10/09/2018 ( آخر تحديث: 10/09/2018 الساعة: 20:53 )
د. ابراهيم الشاعر
وزير التنمية الاجتماعية/ رئيس مجلس أمناء برنامج التمكين الاقتصادي الفلسطيني من الخيارات الأكثر فاعلية لحماية الفئات الهشّة اجتماعياً من الأثار السلبية لاجراءات الاحتلال أو لانقطاع وعدم استقرار المساعدات الخارجية هو أن نبني منظومة حماية اجتماعية مقاومة للصدمات وقادره على تعزيز الفرص المتاحة من خلال استثمار رأس المال البشري وتثمين الطاقات الكامنة لدى الأسر المهمشة والفقيرة ودعمها للقيام باستثمارات مُـنـتِـجة. بتاريخ 3/7/2018 قرر مجلس الوزراء الفلسطيني انشاء المؤسسة الفلسطينية للتمكين الاقتصادي، وهذا يمثل ليس فقط تتويجا للنجاح الذي حققه برنامج التمكين الاقتصادي للأسر المنتجة خلال السنوات الماضية، وانما ضرورة لتطوير هذا البرنامج لمواجهة المتطلبات الجديدة، باعتباره رأس الحربة في مكافحة الفقر والتهميش والاقصاء الاجتماعي، ولتعزيز أوجه التأزر والتوازن بين أبعاد الحماية الاجتماعية والسياسات الاقتصادية، اللازمة لتثبيت المجتمع الفلسطيني على الأرض. سار برنامج التمكين الاقتصادي بخطى واثقة، حيث أنجز 13,600 مشروعاً اقتصاديا، تضمنت خدمات تمكين شملت نحو 22,700 اسرة، منها %11 في القدس، و %52في الضفة الغربية، و37 % في قطاع غزة. وتضم محفظة مشاريع البرنامج أكثر من 8,000 منحة للأسر المنتجة وما يقارب 5,600 تمويل مسترد، بحسب أدوات التمويل الإسلامي. واستحدثت هذه المشاريع فرص تشغيل لأكثر من 15,000 اسرة اضافية في المجتمع، وأكثر من 45,000 فرصة عمل مدفوعة الاجر للشباب والنساء. ويمكن استقراء أثر البرنامج في التشغيل من خلال تحليل مقيم خارجي لعينة عشوائية من 361 اسرة: فكانت زيادة الدخل الشهري 140,000 دولار شهرياً. ولدى قسمة الزيادة السنوية في الدخل بقيمة 1,680,000 دولار على عدد الأسر، وصل معدل زيادة دخل الأسرة الإضافي الناتج عن البرنامج إلى 4542 دولار للأسرة، كما قدم برنامج التمكين الاقتصادي تدخلات اجتماعية وحمائية مساندة بما مجموعه 9000 أسرة فقيرة، وشملت التدخلات مشاريع صغيرة بمكون المنح، لوازم مدرسية، ترميم مساكن، تحرير شهادات، منح دراسية، وطرود غذائية. ولم يقتصر أثر البرنامج على الأسر المستفيدة، بل خلق البرنامج فرص عمل تراوحت من فرصة واحدة الى 7 فرص. وبالرغم من هذه الإنجازات وبالنظر الى مستويات الفقر والبطالة، كنا دوما مطالبين بمستوى أكبر من الاستهداف والشمول وقدرا أعلى من الإنجاز للاستجابة لحقوق واحتياجات ما يربو عن 300 ألف أسرة فقيرة، وما يزيد عن 200 ألف خريج جامعي عاطل عن العمل، ولمواكبة هذا التحدي، كان لا بد من تطوير منهجية محكمة وإطار استراتيجي جديد للتمكين الاقتصادي، يرسخ دوره باعتباره رأس حربة ضد الفقر والهشاشة ويعزز المنعه في فلسطين. ولتنفيذ ذلك، تبنى مجلس أمناء برنامج التمكين الاقتصادي في اجتماعه الحادي عشر في عمّان بتاريخ 17/2/2016 وبحضور ومشاركة وافتتاح من دولة رئيس الوزراء د. رامي حمدالله، عدة قرارات استراتيجية وهامة، وفي مقدمتها المصادقة على الإطار الاستراتيجي الجديد لبرنامج التمكين الاقتصادي للفترة 2017-2022 تماشيا مع أجندة السياسات الوطنية واستراتيجية قطاع التنمية الاجتماعية. وتضمن هذا الإطار المخرجات التالية: 1. استراتيجية وطنية متكاملة لمكافحة الفقر والتمكين الاقتصادي تنتسج حولها الشراكة الفاعلة والايجابية بين القطاع الحكومي والأهلي والخاص، لإحداث تغيير ملموس وجدي في نسب الفقر والبطالة وزيادة إدماج الفئات المهمشة والضعيفة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. 2. الانخراط في استراتيجية وطنية للمنعة الاقتصادية والاجتماعية تسد ثغور الفقر وتصدّ غوائل صدمات المناخ والاحتلال والحصار. 3. التوسع جغرافيا وقطاعيا في الاستهداف المباشر للفئات محدودة الدخل والمهمشة من الشباب الخريجين والرياديين والنساء وصغار المزارعين المنتجين وذوي الإعاقة. 4. منهجة العمل الجماعي المعزز للتنمية المحلية المستدامة وخصوصا في القطاعات والمناطق الاكثر تهميشا وتأثرا بالاحتلال. 5. بناء خارطة تدخلات منسقة من اجل تعزيز التكاملية بين رزم خدمات الحماية الاجتماعية، لزيادة جاهزية وقدرات الاسر المستهدفة من التمكين الاقتصادي وعملية التحول من الضعف الى العطاء والانتاجية (تدخل داعم يسبق مرحلة التدخلات الاقتصادية والاستثمارية). 6. تنويع منابع التمويل لتوفير مصادر كافية ومستدامة للاستثمار مع الفئات المستهدفة مما يعني تطوير آليات (مثلا المنصات الرقمية) لشراكات محلية ودولية لحشد الاموال والاستثمارات من الافراد والشركات، ضمن تسهيلات خصم التبرعات من الضرائب، واستقطاب استثمارات من مؤسسات الريادة الاجتماعية بالإضافة الى مساهمات الممولين التقليديين من الحكومة الفلسطينية والدول والصناديق العربية والاسلامية. 7. استحداث إطار متابعة وتقارير ادارية ومالية وغير مالية، وتقييم مبني على النتائج لتوثيق وتطوير منهج التمكين محليا واقليميا ودوليا. 8. استيعاب منظومة اتصال وتواصل وطنية لتعزيز كفاءة وفاعلية العمل المشترك بين صناع القرار والمواطن، لمعالجة أوجه الاقصاء التي تعاني منها الفئات الضعيفة والمهمشة. 9. تطوير القدرات الوطنية لقطاع الحماية الاجتماعية الفلسطيني لتحقيق استراتيجية التمكين الوطنية. وتم خلال هذا الاجتماع توجيه إدارة البرنامج لإيلاء عناية خاصة لتعظيم منعة الأسر في القدس، واتخاذ إجراءات سريعة الأثر لتخفيف معاناة الأسر الفقيرة في قطاع غزة، وإطلاق العنان لتنمية الموارد الزراعية والتي تعتبر عماد الصمود للأسر الريفية والبدوية محدودة الدخل في المناطق المسماة (ج). وقرر مجلس الأمناء في هذا الاجتماع العمل على بلورة آليات لتعظيم منابع البرنامج المالية من خلال إنشاء وقف استثماري يدر عائدا ماليا. واتخذ مجلس الأمناء قرارا هاما على صعيد مأسسة البرنامج ليؤول إلى مرجعية وطنية مع وضع جدول زمني ورزنامة لتخريج البرنامج نحو الاستقلال وتقديمها الى اجتماع مجلس الامناء القادم لاعتمادها. وفعلا، عقد اجتماع مجلس الأمناء الثاني عشر في عمّان بتاريخ 23/10/2017، وتمخض عنه عدة مخرجات ذات أهمية: 1. نمذجة المشاريع الجماعية: فقد تم الاتفاق على ان يتم اطلاق نموذج المشاريع الجماعية المتفق عليه وذلك قبل نهاية العام الحالي 2017 على أن يتم تعميم الوثائق الخاصة بالنموذج على جميع الاعضاء قبل عملية الاطلاق. 2. تأسيس الوقف الدولي الانمائي للتمكين الاقتصادي للشعب الفلسطيني. يتولى البنك الإسلامي متابعة الحراك على مختلف المستويات لتنفيذ هذا البند مع منظمة التعاون الاسلامي للبدء بتنفيذ قرارات اللجنة التي عقدت في اسطنبول. 3. قيام الحكومة الفلسطينية باتخاذ الإجراءات والتشريعات اللازمة لإنشاء المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي. 4. تعميم التجربة الفلسطينية في التمكين الاقتصادي: تولى البنك الاسلامي التنسيق مع منظومة ومؤسسات منظمة التعاون الإسلامي لتسويق وتصدير تجربة برنامج التمكين الاقتصادي في البلدان الإسلامية. لقد عبر برنامج التمكين الاقتصادي عدة محطات صعودا وهبوطا، لكنه سار بخطى واثقة وصولا إلى ما وصلنا إليه اليوم. وتم تتويج مجمل هذه الجهود والمشاورات والمتابعات مع مختلف الشركاء والأطراف بدعم وإسناد سيادة الرئيس محمود عباس، ومواكبة حثيثة من الحكومة الفلسطينية ورئيسها، ومن البنك الإسلامي للتنمية، ومتابعة مباشرة من رئيس مجلس الأمناء (وزير التنمية الاجتماعية وبقية الأعضاء). وحظي برنامج التمكين الاقتصادي بمناخ إقليمي عربي وإسلامي داعم ومساند في مجال ضمان استمرارية الدعم المالي ومنها على سبيل المثال لا الحصر: قرار القمة العربية (البحر الميت، الأردن، مارس 2017) بزيادة موارد صندوقي الأقصى والقدس، وقرار القمة الإسلامية (إسطنبول، تركيا، إبريل 2016)، وتوجيه مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامية (أبيدجان، كوت ديفوار، يوليو 2017) بدراسة إنشاء وقف لبعض أغراض تعزيز منعة الشعب الفلسطيني. ويؤمل بلورة آلية للاستمداد من الجمهور ومن القطاع الخاص والميسورين، وتأسيس وقف استثماري ذي أصول في الداخل والخارج، وتعظيم نصيب البرنامج من منح وأوقاف وعطايا واستثمارات الشركاء. وشهدت الفترة من عام 2016-2018 حراكا عالي المستوى على صعيد المتابعة لقرارات مجالس الأمناء، وبحث الخيارات المطروحة للمأسسة وللوقف. وتم عقد اجتماعات عديدة في عمّان وفي رام الله وجدة على مختلف المستويات سواء بين الوزراء المعنيين وبين البنك الإسلامي للتنمية وبين الجهة المنفذة "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي" واعضاء مجلس الأمناء، واجتماعات على مستوى اللجان الفنية من كبار المسؤولين. وتمحورت هذه الاجتماعات حول سيناريوهات المأسسة وحول سيناريوهات الوقف الإنمائي.فعلى صعيد سيناريوهات المأسسة لبرنامج التمكين، تم بحث سيناريوهين: إما إنشاء مؤسستين واحدة اجتماعية، وأخرى اقتصادية استثمارية، أو إنشاء مؤسسة واحدة تجمع البعد الاجتماعي والاقتصادي والاستثماري. واستقر الرأي النهائي على مؤسسة واحدة. أما على صعيد البنك الإسلامي للتنمية والوقف الإنمائي، فكان المطروح سيناريوهين: إما وقف إنمائي دولي واحد تساهم به عدة دول، أو عدة صناديق وقفية. وفي النهاية، أفضت هذه الجهود والمشاورات والحوارات الطويلة والمضنية إلى عدة خطوات هامة من طرف الحكومة ومن طرف البنك الإسلامي للتنمية سواء على صعيد مأسسة وتوطين البرنامج أو على صعيد الوقف لتوسيع المنابع المالية: الخطوة الأولى: قرار مجلس الوزراء بتاريخ 12/3/2018 القاضي بتوطين برنامج التمكين الاقتصادي من خلال تخصيص 33 عقدا لصالح وزارة التنمية الاجتماعية لنقل عقود الموظفين العاملين على البرنامج إلى الموازنة. الخطوة الثانية: قرار مجلس الوزراء بتاريخ 3/7/2018 القاضي بإنشاء المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي تتمتع بشخصية اعتبارية ذات استقلال مالي وإداري. الخطوة الثالثة: قرار البنك الإسلامي للتنمية في آب/2018 إنشاء صندوق وقفي للتمكين الاقتصادي للشعب الفلسطيني برأسمال 500 مليون دولار. ونحن نعمل الأن بتكليف من مجلس الوزراء لإعداد قانون ناظم لعمل هذه المؤسسة يضمن منظور شامل ومتكامل للتمكين ببعديه الاجتماعي والاقتصادي بما يشمل التمويل للفقراء سواء بالمنح أو القروض، وتقديم الخدمات الاجتماعية والمساندة، والاستثمار مع الفقراء ولصالح الفقراء لتمكينهم اقتصاديا واخراجهم من حالة العوز وجعلهم شركاء في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وفق قواعد العمل القائم على النزاهة والشفافية والعدالة ووفقا لقواعد العمل المهني والمالي والاداري. وسيضمن هذا القانون أن تبقى بوصلة المؤسسة موجهه صوب حماية مصالح الفقراء والمهمشين من خلال بناء مقاربة متكاملة للتمكين ببعديه الاجتماعي والاقتصادي وبمختلف تدخلاته وأدواته، وتشجيع الشراكات ما بين القطاع الخاص والأهلي والحكومي مع الفئات الفقيرة والمهمشة كالأشخاص ذوي الاعاقة والنساء والمزارعين الفقراء والشباب، ومحدودي الدخل في فلسطين وخارج فلسطين من أبناء شعبنا في المخيمات والشتات. إن مجمل هذه التطورات تعكس الإرادة السياسية للقيادة الفلسطينية وعلى رأسها سيادة الرئيس محمود عباس والحكومة في مجال مكافحة الفقر وتعزيز المنعة والصمود للفئات الفقيرة والمهمشة، وتعكس مدى الدعم الذي حظيت به فلسطين في مجال تمكين الفقراء وتخريجهم من الفقر، وتحديدا من شريكنا الاستراتيجي البنك الإسلامي للتنمية. نحن نؤمن أنه بالقدر الذي نحقق إنجازات، فإننا وبنفس القدر نتوقع تحديات، لكننا عازمون على استكمال هذه المسيرة الحافلة وتوفير كل متطلبات المأسسة على المستوى الوطني من خلال استكمال متطلبات إنشاء مؤسسة التمكين الوطنية، ورفع الجاهزية لتكون فلسطين جديرة بالتميز والعطاء ولنوفر لكل شركائنا الدوليين كل متطلبات البيئة التنظيمية والمؤسساتية الممكّنة والمواتية لاستجلاب وضخ مزيد من الاستثمارات لصالح الفقراء. وتبقى بوصلتنا موجهة نحو الفقراء ولأجل الفقراء. |