|
"الوزير" الذي لن يُنسى!!
نشر بتاريخ: 20/09/2018 ( آخر تحديث: 20/09/2018 الساعة: 18:10 )
الكاتب: د.محمود فطافطة
أكثر من ستة عقود والحياة الزوجية تجمعهما بحلوها ومرها.. كان لها زوجاً وفياً مثلما كانت هي له زوجة صالحة... عاشا بصحةٍ وعافية لسنواتٍ طوال من عمرهما الذي تجاوز الثمانين، لكن في سنواتهما الأخيرة داهمتهما العلل والأمراض؛ لتقضي عليهما في يومٍ واحد...
الحاج حسن مصطفى نعمان الفطافطة من بلدة ترقوميا غرب شمال الخليل توفي مساء هذا اليوم؛ لتسبقه إلى الرفيق الأعلى صباح هذا اليوم زوجته الحاجة نعمه طه الفطافطة ... "أبو العبد" الشهير بالوزير كان مزارعاً يرعى أرضه مثلما يرعى عائلته... التصق بأرضه مثلما تلتصق ذرات التراب ببعضها البعض.. كانت الأرض تلازمه كما الهواء يلازم الرئة... بالأكسجين تحيا النفس، وبحب الفلاح لأرضه تحيا الطبيعة... كان يحدثنا ــ رحمه الله ــ عن الأرض بحبٍ وانتماء خالصين لا نظير لهما.. كان يرى في الأرض المستقبل الجميل، ليس له، بل لعموم هذا الشعب الذي ضحى، ولا يزال، بكل ما يملكه من روح طاهرة، وزمن مقدس، ومال نفيس... لقد كان "وزيرنا" يسجد لربه في صلاة الفجر جماعة ومن ثم يذهب، لفوره، إلى كروم العنب أو الزيتون أو حقول القمح والشعير والبقوليات ذات الأصناف الجميلة والمختلفة.. لقد كان محباً للأرض بقدر ما كانت الأرض تحبه، إلى الحد الذي كان يتعرض فيه لوعكةٍ صحية، أو ضيقٍ في نفسه إذا لم يستطع الذهاب إليها يوماً لأمرٍ طارئ.. إنها الأرض التي يتعطر روح محبيها بعبق ذراتها الطاهرة... إنها الأرض الفلسطينية التي نموت من أجلها، وندفع النفس والنفيس نظير تحررها وحريتنا من أبشع احتلال عرفته البشرية... وزيرنا كان راعياً في مقتبل عمره، كذلك.. يغدو في صباحه الباكر إلى السهول والجبال والوديان صديقاً لقطيعٍ كبير من الغنم.. في رعيه كان كثير الذكر والدعاء لربه.. لم يتلهى في وقتٍ ليضيع، أو في ثرثرة لتتضاعف سيئاته، بل كان شديد التفكير بموجودات ربه العظيم.. كان يجيد الرعي بإخلاص مثلما أجاد الرعاية لمحبيه وأهله ... كان وزيرنا كريماً جداً، حيث كان يُشار إليه بالبنان في هذا الخصلة الكريمة.. إنها خصلة الجود والعطاء والبذل.. كان ينفق بدون مقابل إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى... لقد غرس فينا جميعاً حب الكرم مثلما غُرس حبه فينا... ولا بد للقارئ أن يداهمه الفضول ليسأل: لماذا لُقب الخال " أبو العبد" بالوزير.. الجواب: في زمن الحكم الاردني للضفة الغربية كان بعض الجنود الاردنيين يتمركزون في منطقة جغرافية قريبة من بلدته ترقوميا، وفي الجوار كان بئر ارتوازي يأتي الأهالي للتزود من مياهه.. في يومٍ من الأيام قام بعض الجنود بإجبار شخص من البلدة على نقل المياه إلى مقره، وعندما علم " الخال" بالأمر قام بضرب ذلك الجندي عقاباً له... ومن وقتها التصقت هذه الصفة به رحمه الله ... لقد كان "الوزير" وفياً لزوجته في دنياهما، مثلما كانا وفيان في موتهما... رحمهما الله رحمة واسعة.. |