|
رؤية أخرى للنكبة في رواية "بلد المنحوس"
نشر بتاريخ: 25/10/2018 ( آخر تحديث: 25/10/2018 الساعة: 13:41 )
الكاتب: جميل السلحوت
حيفا - معا - صدرت رواية "بلد المنحوس" للأديب سهيل كيوان هذا العام 2018 عن مكتبة كل شيء الحيفاوية، وتقع الرّواية التي صمّمها وأخرجها شربل الياس في 328 صفحة من الحجم المتوسّط.
سهيل كيوان أديب وصحفي فلسطينيّ، ولد عام 1956 في قرية مجد الكروم في الجليل الفلسطيني، كتب القصة للكبار وللأطفال، الرّواية، المسرحيّة، البحث والمقالة الصّحفيّة. وروايته هذه "بلد المنحوس" رواية عن النّكبة الفلسطينيّة الأولى عام 1948، والتي تمّ فيها تشريد 950 ألف فلسطينيّ من ديارهم وأرضهم ووطنهم التّاريخي، وواضح أنّ الرّوائيّ سهيل كيوان قد اختار عنوان روايته بعناية فائقة، كي لا يكرّر ما كتبه سابقوه الذين كتبوا عن النّكبة، فالنّحس كما جاء في المعجم الوسيط هو" النَّحْسُ : الجهد والضُّر ،والنَّحْسُ: خلاف السَّعْدِ من النجوم وغيرها، والمنحوس هو سيّء الطالع". والقارئ للرّواية سيجد أنّ الكاتب لم يكتف بالعنوان المغاير، بل طرح النّكبة بطريقة مغايرة أيضا لمن سبقوه في الكتابة عن هذا الموضوع، واختار مدينة عكا التّاريخيّة لتدور فيها غالبيّة أحداث الرّواية التي امتدّت على أكثر من ثلاثة عقود، اثنان منها تمهيدا لمرحلة النكبة، وواحد بعدها؛ لأنّ النكبة لم تقتصر على من شرّدوا من ديارهم، بل أصاب لهيب نارها أيضا من تمسّكوا بديارهم، وعانوا ولا زالوا الأمرّين في سبيل التّشبّث بحبال الحياة التي تضيق بهم بعد أن أصبحوا أقلّيّة في وطنهم. وهذه الرّواية اللافتة شكلا ومضمونا طرقت مواضيع شتّى، لكنّها متداخلة وتخدم الهدف الرّئيس، وتداخلت فيها شخوص يهوديّة وفلسطينيّة عربيّة، تتصارع على أحقّيّة العيش في هذه البلاد، وإن اختلّ ميزان القوى بين الطرفين بعد "النّحسة أو النّكبة"، فأصبح أصحاب الوطن الأصليّين مستضعفين غير آمنين على حيواتهم وعلى بيوتهم، وعلى مصيرهم. وممّا يلفت الانتباه في الرّواية هو شخصية "راتشنسكي" اليهوديّ البولنديّ، الذي تعرّض كما بقيّة اليهود للاضطهاد النّازيّ، ولحماية نفسه فإنّه أنكر يهوديّته، واستبدل اسمه باسم ابن خالته "إيزاك"، مدّعيا المسيحيّة بدلالة أنّه لم يكن مختونا، وتطوّع مع حليقي الرّؤوس النّازيّين للتّعريف على اليهود قتلهم ونهب أموالهم، وعندما هزمت النّازيّة، وسيطر الجيش الأحمر السوفييتي على بولندا، عاد إلى يهوديّته، وأنكر صلته بالنّازيّين، وعندما هاجر إلى فلسطين مع الهجرات الصّهيونيّة بقي محافظا على الاسم "إيزاك" الذي ادّعاه. وكأنّي بالرّواية هنا تردّ على الادّعاء بأنّ المهاجرين اليهود إلى فلسطين كلّهم من ضحايا النّازيّة. وقد ورد في الرّواية أنّ فلسطين كانت تعيش حياة آمنة رغيدة قبل الغزو الصّهيونيّ، وبرز ذلك واضحا من خلال الاستعدادات والتّحضيرات والدّعوات لإقامة حفل غنائيّ للمطربين المعروفين فريد الأطرش وأمّ كلثوم. وعند قيام دولة اسرائيل وما صاحبها من تشريد غالبيّة الشّعب الفلسطينيّ، برزت قضيّة التّطهير العرقي للفلسطينيّين العرب بشكل واضح، ولم يقتصر هذا التّطهير على البشر، بل تعدّاه إلى البيوت التّاريخيّة في عكّا حيث تدور أحداث الرّواية، وقد استعملت مختلف طرق الاحتيال والتّزييف –التي يحميها القانون- في سبيل تحقيق ذلك، ويلاحظ أنّ إيزاك قد شارك في اضطهاد الفلسطينيّين، والإيقاع بهم، وهذا بشكل وآخر يشير إلى تساؤل مهمّ وهو كيف يشارك من كانوا ضحايا للنّازيّة في تطبيق ما عانوه على ضحاياهم من الفلسطينيّين؟ كما يلاحظ أنّ اسرائيل دولة بوليسيّة تراقب كلّ شيء، بمن في ذلك تحرّيها عمّن خدموها مثلما حصل مع إيزاك الذي شغل رتبة عالية في جيشها. كما وردت في الرّواية قضيّة استعمال النّساء في الإسقاط الأمني من خلال "بات شيفع". ويلاحظ أيضا وجود عملاء فلسطينيّين ساهموا في تسريب العقارات الفلسطينيّة، وهناك إشارة واضحة إلى الاقطاعيّين العرب كعائلة "سرسق" الذين باعوا مئات آلاف دونمات الأراضي التي يملكونها لليهود. ووجود العملاء أحدث بلبلة بين الفلسطينيّين الذين بقوا في البلاد، فأصبح الكلّ يخاف من الكلّ. ومن سيقرأ الرّواية سيجد أنّه ورد في الرّواية أكثر من مرّة أنّ العالم جميعه قد ساهم في إقامة اسرائيل على حساب الشّعب الفلسطينيّين. وقد لفت انتباهي في الرّواية أمرين لم أصل إلى مبتغى الكاتب من ورائهما، أوّلهما: أنّ رئيس جمعيّة حقوق الانسان في اسرائيل الذي يتعاطف مع الفلسطينيّين كان شاذّا جنسيّا! وأنّ تعاطفه كان شكليّا، وأقصى ما قدّمه للفلسطينيّين هو اقتراحه لتشكيل فرقة فنّيّة تتكّون من " عرب، يهود ودروز" مع أنّ الدّروز عرب أقحاح. لكنّ اللافت أكثر هو الغمز بموقف الحزب الشّيوعي الاسرائيليّ، وصحيفته الاتّحاد، ومع أنّ الكاتب نوّه في بداية الرّواية أنّها خياليّة، وأنّ أيّ تشابه بين شخصيّات الرّواية وشخصيّة حقيقيّة "فهي مصادفة ارتطام الخيال مع الواقع"، إلا أنّه لم يكن خافيا أنّ اسم "إميل" كان يشير إلى شخص"إميل حبيبي" الرّوائي المعروف الذي شغل منصب رئيس تحرير صحيفة الاتّحاد. ومن المعروف أن لا أحد يستطيع انكار دور الحزب الشيوعي الإسرائيلي، وصحفه بالعربيّة "الاتحاد، الجديد والغد" في تبني قضايا الجماهير العربيّة، والحفاظ على اللغة العربيّة. اللغة والأسلوب: استعمل الكاتب اللغة العربيّة الفصحى، كما استعمل اللغة المحكيّة في مكانها الصّحيح، وجمع بين أسلوب الحكاية والسّرد الرّوائيّ، ممّا أضفى على الرّواية عنصر التّشويق، وقد أجاد الكاتب بناءه الرّوائيّ، وشبك حكايات وقصص الرّواية بخيوط متينة، وقدّم لنا رواية جميلة بأحداث جديدة تستحق القراءة. وهذه الرّواية تشكّل إضافة نوعيّة للمكتبة الفلسطينيّة بشكل خاصّ والعربيّة بشكل عامّ. |