|
بي دي أس في مواجهة التطبيع العربي!
نشر بتاريخ: 30/11/2018 ( آخر تحديث: 30/11/2018 الساعة: 09:50 )
الكاتب: حيدر عيد
من أهم القضايا النضالية التي تُناقش هذه الأيام في ضوء الانحلال التطبيعي الرسمي الذي أصبح سائداً في بعض البقاع العربية تتعلق بأهمية حركة المقاطعة العالمية –بي دي أس-- والمعايير التي أقرتها قيادة الحركة الفلسطينية، تلك القيادة التي تمثل الغالبية الساحقة من قطاعات المجتمع المدني المختلفة وقوى الشعب الفلسطيني الحية. وليس من الجديد القول أن النجاحات المتلاحقة الأخيرة للحملة قد جعلت القيادات الاسرائيلية تدق ناقوس الخطر، بل تضطر الى عقد المقارنة "المحرمة" مع ما حققته حملة المقاطعة ضد نظام التفرقة العنصرية الجنوب أفريقي الذي يقبع في مزابل التاريخ.
وتأتي هذه الإنجازات على الرغم من الحملة الشرسة التي تقودها وزارة الشئون الاستراتيجية (وزارة المقاطعة) ومحاولاتها المستميتة لتبييض وجه إسرائيل الملطخ بدماء أطفال ونساء غزة، وعلى الرغم من كل المحاولات التي ترعرعت في أجواء أوسلو وتوابعها والحديث عن "سلام الشجعان" خالي المعنى والذي لم يؤد بعد 20 عاماً إلا الى تعزيز الاحتلال الاستيطاني للضفة الغربية, ترسيخ القوانين العنصرية داخل اسرائيل وعزل فلسطينيي الـ 48 عن محيطهم الفلسطيني/العربي بشكل أكبر، وتحويل قطاع غزة الى معسكر اعتقال كبير، حسب اعتراف منظمات دولية رئيسة، وتغول اليمين الفاشي في إسرائيل. ما يميز نداء المقاطعة الفلسطيني الصادر عام 2005 هو أنه يتخطى الطرح الذي كان سائداً لفترة غير قصيرة بشكل كامل من خلال التركيز على حقوق الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة، واستهدافه لكل أشكال الاضطهاد الصهيوني المركب من احتلال, استيطان, تطهير عرقي وأبارثهيد. وهذا بالضبط هو البديل العملي الذي يعيد اللُحمة للشعب وتنظيماته. ومن الملاحظ في هذا السياق أن هذا النداء هو الوثيقة الوحيدة التي لا يوجد خلاف حول تفسيرها بين الفصائل على أرض الواقع, كما أنها متبناة من قبل الغالبية الساحقة من المجتمع المدني. وبالتالي هي تكتيك نضالي مرتبط باستراتيجية تحريرية تستلهم توجهاتها من نضالات فلسطينية سابقة, وأممية شبيهة بتجاربنا. ومن المعلوم أن القرارات الأخيرة من قبل شركة حجز الشقق والفنادق عبر الانترنت "اير بي ان بي"، انسحابها من المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، وقرار كنيسة الكويكرز البريطانية عدم الاستثمار في أي شركة عالمية تستفيد من سياسات إسرائيل المنافية للقانون الدولي في فلسطين لم تأت من فراغ. بل تأتي في سياق انجازات يعلمها الجميع الان, انجازات تمتد من جنوب أفريقيا الى قلب أوروبا, وتبني العديد من أبرز الشخصيات الفنية والثقافية والعلمية لنداء المقاطعة الفلسطيني (2005). ما يميز نداء حركة المقاطعة الفلسطينية أنه يتخطى الخلافات الأيديولوجية ويعيد الاعتبار لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة. وبدلاً من ربط التحرير بإزالة حاجز عسكري، وإعادته في مكان آخر، أو سيادة تحت أرضية على الحرم الشريف، أو تنسيق أمني لا طائل منه, أو الاحتفاء بتخفيف الحصار الإبادي على غزة, فإن الطاقات كلها يجب أن تُوَّجه نحو أهداف واضحة المعالم: الحرية والعدالة والمساواة. من الواضح من رد الفعل الإسرائيلي على إنجازات المقاطعة الأخيرة أن المؤسسة الصهيونية الحاكمة وصلت لنتيجة واضحة المعالم ألا و هي أن التاريخ يكرر نفسه, و لكن هذه المرة ليس كمهزلة أو تراجيديا كما تعودنا, بل كحركة تغيير أخلاقية لا يمكن مواجهتها, فقد كان أكثر من ناشط(ة) فلسطيني(ة) قد قام(ت) بتسمية هذه اللحظة التاريخية بلحظتنا الجنوب أفريقية. وهذا بالضبط هو ما يقلق ليس فقط المؤسسة الحاكمة الاشكنازية، بل كل من يؤيدها نتيجة مصالح مباشرة، أو من منطلق أيديولوجي، أو حتى قصور نظر تطبيعي انهزامي. علينا الآن أن توجيه الطاقات لدعم الحركة الوحيدة الناجحة في عزل اسرائيل. و هذا باعتراف قادتها و مؤسساتها البحثية التي لم تتوان عن الوصول لنتيجة واضحة وضوح الشمس الا و هي بي دي أس باتت تشكل خطرا استراتيجياً يصعب على الدولة, ذات الترسانة النووية و الجيش الجرار المزود بأسلحة أمريكية حديثة من ف16 الى قنابل الفوسفور, التعامل معه. أذاً... فشلت سياسة النعامة التي كانت قد استخدمتها الحكومة الاسرائيلية عند اطلاق نداء المقاطعة عام 2005, وقبله الدعوة للمقاطعة الأكاديمية والثقافية عام 2004, ثم تخصيصها حملة دعاية (هاسبراه) تقوم بها وزارة الخارجية لمواجهة النمو المتزايد للحملة, والآن تحويل الملف برمته لوزارة الشئون الاستراتيجية حيث أن الحملة قد تحولت الى تسونامي يخلخل الأسس الكولونيالية والعنصرية التي قامت عليها منظومة الأبارتهيد الصهيوني بتأييد ودعم غربي رسمي لم يتعظ من دعمه لنظام التفرقة العنصرية الأب حتى أجبرته القوى الشعبية والمدنية على عزل ذلك النظام. وحملة المقاطعة الفلسطينية تملك ذلك الصوت الأخلاقي الذي يخاطب الضمير الفردي لكل مواطن في العالم, وبذلك تشكل نقيضاً للمشروع الصهيوني من حيث كونها تنادي بالعدالة والحرية والمساواة, وهي قيم انسانية يشاركها الغالبية الساحقة من بني البشر. وهذا ما لا يستطيع المطبعون العرب فهمه لأسباب أيديولوجية طبقية بحت! |