|
إسرائيل وغزة وإستراتيجية الرمال المتحركة
نشر بتاريخ: 01/12/2018 ( آخر تحديث: 01/12/2018 الساعة: 13:03 )
الكاتب: د.ناجي صادق شراب
لم تعد غزة مجرد مساحة صغيرة، او منطقة خارج التاريخ والجغرافيا، بل حالة سياسية كبيرة فرضها مليونان نسمة، وكونها تشكل مفتاح القضية الفلسطينية، ونجحت غزة بأن تفرض نفسها على أجندات السياسات الإقليمية والدولية، فأولا غزة تمثل وتعبر عن كل مكونات القضية الفلسطينية، وارتبط مستقبل القضية الفلسطينية بمستقبل غزة، وتمثل قضية اللاجئين. ونجحت غزة دائما أن تفرض نفسها على السياسة الإسرائيلية، وتحولت لقضية إنتخابية، فتلاصقها لما يعرف الآن بمنطقة غلاف غزة واكثر من مليون إسرائيلي بات مصيرهم وأمنهم مرتبط بأمن المليوني نسمة.
وتستمد غزة أهميتها من أنها باتت تشكل مركز قيادة حركة حماس، فرئاسة المكتب السياسي تتواجد في غزة، وفي إعتقادى ان لهذا دلالات سياسية عميقة على خيارات حركة حماس. وتتواجد فيه أيضا قيادات حركة الجهاد، وباقي حركات المقاومة، بعبارة أخرى مستقبل المقاومة مرتبط بمستقبل غزة. تكتسب غزة على صغر مساحتها وحجم سكانها، ان جغرافيتها تصنع وتحدد مستقبلها السياسي، فهي ملاصقة جغرافيا لإسرائيل بدون عوائق طبيعية، مما يمكن تخيل خيار الكابوس، وهو تدفق مئات الآلآف الحدود. وملاصقة جغرافيا لمصر وتشكل بوابة أمنها الشرقية. هذا الواقع الجغرافي خلق حالة سياسية، خلق منها حالة امنية في هذا السياق تكمن أهمية غزة الإستراتيجية لإسرائيل الدائمة. فغزة معطى سياسي ثابت في السياسة الإسرائيلية. فعلى الرغم من إنسحاب إسرائيل الأحادي من غزة إعتقادا منها انها تسقط غزة من حساباتها، لكنها عادت وبشكل أقوى من ذي قبل كأحد أهم الثوابت المؤثرة في ديناميكيات السياسية الإسرائيلية الداخلية والخارجية، فمنذ إنسحابها شهدت العلاقه ثلاثة حروب، وحوالي ثماني مواجهات عسكرية. ولقد حدث التحول الكبير في العلاقة مع سيطرة حماس على غزة، وليكن واضحا أن الحديث عن علاقة إسرائيل بغزة هو الحديث عن علاقة إسرائيل بحماس. وهذا يحتاج منا لمقالة مستقبلية. هذه العلاقه في صورتها العامة اي غزة على إعتبار ان غزة كحالة سياسية أكبر من حماس كحالة سياسية علاقة الكل الأصغر بالجزء. وأقصد بالكل الأصغر غزة وعلاقة الكل الأكبر وهي فلسطين، هذه العلاقه تحكمها محددات بعضها ثابت والآخر متحول أو متغير. المحدد الرئيس المحدد الامني، وكما قال نتانياهو أخير أن الأمن أولوية إسرائيل الكبرى، ويجب ان يكون أولوية سياسية، غزة كما نؤكد دائما تقع في منطقة الامن الدولي لإسرائيل، مثلها مثل المجدل، ولهذا دلالات سياسية عميقة... ان إسرائيل حتى ولو كان هناك إتفاق مكتوب وشامل وليس إتفاق تهدئة غير مكتوب، اي تهديد لأمنها له أولوية على اي إتفاق، بمعنى أن إسرائيل لن تسمح لحماس وغيرها أن تملك قدرات عسكرية تهدد أمنها في كل وقت، وأي تطور في قوة المقاومة يعني قيام إسرائيل بمواجهته في عملية عسكرية كبيرة. هذا المحدد أحد أهم الثوابت التي تحكم إسرائيل بغزة، وهو ما يعني مع بقاء حماس والمقاومة مسيطرة سيبقى الخيار العسكري هو القائم. أما المحددات السياسية فلها أكثر من مستوى... المستوى الأول ان غزة يمكن أن تشكل البديل للدولة الفلسطينية التي تريدها إسرائيل، لسبب بسيط انها دولة تابعة، ضعيفة، تفتقر لمقومات اي دولة سيادية، ولا يؤثر قيامها على إسرائيل، ويمكن التحكم فيها. اما المستوى الثاني المتغير هو ان غزة في السياسة الإسرائيلية كانت وراء معظم التطورات السياسية الإسرائيلية منذ سيطرة حماس على غزة عام 2007، وقد إرتبطت الانتخابات المبكرة بحروب غزة، وتطوراتها السياسية. الحرب الأولى حرب الرصاص المسكوب 2008، كانت الحكومة بقيادة كاديما ويقودها أولمرت إنتهت بإنتخابات مبكرة فاز فيها نتانياهو وحكومته اليمينية حتى الآن. الحرب الثانية عمود السحاب 2012 بدأت الانتخابات بثلاثة شهور لهذه الحرب. والحرب الثالثة 2014 تبعتها انتخابات مبكرة نجح الليكود ليثبت حكومة الحزب الواحد والقائد الأوحد بقيادة نتانياهو، التصعيد العسكري الأخير هذا الشهر والذي كان الأقرب لحرب رابعة، ترتب عليه إستقالة ليبرمان وزير الدفاع وإنسحاب حزبه من الإئتلاف الحاكم، وليتفق الجميع على انتخابات مبكرة... الحديث عنها في مارس القادم أو مايو، وستشكل غزة مادة إنتخابية تنافسية لكل الأحزاب الإسرائيلية الساعية للفوز عبر بوابة غزة، وفي جميع الأحوال غزة ستخلق حكومة يمينية أكثر تشددا بنتانياهو أو بدون. اما المحددات الإقتصادية فهي أيضا من أهم المحددات التي تحكم إسرائيل بغزة، ليس فقط من منظور حجم التبادل التجاري، بل أيضا من خلال التحكم ماذا يدخل وماذا يُمنع؟ والتحكم في مصادر الدخل، وهي شكل من اشكال التبعية. وبالمقارنة بين هذه المحددات يبقى المحدد الأمني المحدد الرئيس الذي سيحكم غزة حماس أو غزة الدولة او غزة السلطة، ولنتوقع الخيار العسكري القادم وربما قبل الانتخابات القادمة. |