وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

بناء الثقة: هل هي مهمة مستحيلة؟

نشر بتاريخ: 02/12/2018 ( آخر تحديث: 02/12/2018 الساعة: 11:19 )
بناء الثقة: هل هي مهمة مستحيلة؟
الكاتب: رامي مهداوي
إن أكبر التحديات المهنية التي تواجه الحكومة الحالية وأي حكومات مستقبلية على صعيد بناء مؤسسات الدولة _الخاضعة تحت الإحتلال الإسرائيلي_ هو إستعادة ثقة المجتمع بها وبالمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية، الثقة المبنية على توافقات وآليات المساءلة والمحاسبة والشفافية التي تخدم المواطن الفلسطيني أولاً وأخيراً بالتالي بناء الثقة يكون على شكل البنّاء الذي يضع حجر بجانب آخر وهكذا...
علينا مشاهدة الحقيقة المؤسفة المتمثلة في أن هيكل العلاقة بين الدولة متمثلة في النظام السياسي الفلسطيني والمواطنين يعاني من تشوهات كثيرة جعلت المواطن العادي يكفُر كل صباح على الصعيد الوطني وأين وصلت القضية الفلسطينية؛ وأيضاً يكفُر على الصعيد المؤسساتي، وللأسف بل وما يحزنني هو ما أستشعره بشكل يومي وبالأخص عند خروجي للعمل الميداني خارج محافظة رام الله والبيرة بأن فجوة الثقة متنامية بشكل متسارع يوم عن يوم.
أستطيع حوصلة أسباب فقدان الثقة الى: أولاً فقدان الثقة المتسارع بين المواطن الفلسطيني والحكومات ما يدفعه لعدم الوثوق بأي إجراءات تأخذها الحكومة. ثانياً: أن المواطن بدأ يلمس في السنوات الأخيرة فساداً على شكل الرشوات المتنوعة المتزايدة لبعض الموظفين أو عن طريق التعيينات بالواسطة لمن له علاقة بمسؤول ما، وهذا ما نجده عبر وسائل التواصل الإجتماعية؛ كيف لهذه القضايا تهب مثل النار في الهشيم دون أن يكون هناك ردود واضحة من الجهات ذات الإختصاص. ثالثاً: المواطن لا يشعر بوجود إرادة حقيقية لمكافحة الفساد ليس لقصور التشريعات التي سُنّت على الرغم من فقدان المجلس التشريعي مهامه وإنما لا يوجد أنياب قوية من أجل تحقيق الأهداف التي يجب أن تحققها.
على الحكومة الحالية و/أو القادمة العمل على بناء نموذج للدولة_ حتى لو كانت تحت الإحتلال_ التي تنعم بالسلم الأهلي والمجتمعي والتعددية والتكامل والتناغم الذي يؤدي الى نجاحها، وتعزيز قدرتها على التعامل مع الأزمات والتحديات بحكمة ثاقبة تنطلق من مؤسسات مدنية؛ بالتزامن مع انخراط المجتمع في الرؤية نحو مشروع استنهاضي الذي يتحقق بانخراط ومشاركة شاملة بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدن. من خلال آليات المساءلة والمحاسبة ووجود الاليات الكفيلة التي تتطلبها الشفافية سواء من المؤسسات الحكومية أو الإعلام والتعبير عن الرأي من قبل المواطنين.
منذ بداية العام الحالي حاولت قراءة عدد من قضايا الرأي العام التي برزت ببروز عدد من القضايا المجتمعية، لأكتشف بأن هناك من يخشى عمليات التغيير والتطوير لأنه سيفقدها مكتسبات حققتها سابقا ولديها خوف للحديث عن التغيير والتجديد.
وهناك رأي عام مع التغيير ولكن لديها وصفة محددة ولا تتقبل فكرة الاجتهاد والتفكير خارج الصندوق، بالأغلب ينتمون لمدارس ومذاهب وآيديولوجيات محددة. وهناك رأي عام وهو الأوسع متمثل في فاقدين الأمل، وهو الأخطر على نفسه وعلى المجتمع لأنه لا يريد العمل والفعل، التحدي يكمن في كيفية تحفيز هذا الرأي العام، وهناك رأي عام يؤمن بالتغيير ولديه برامج ومشاريع وان كانت في أغلب الأحيان عاتبة على الحكومة ولها وجهات نظر بشأن سرعة التنفيذ والتطوير.
هناك أهداف نظيفة تستطيع الحكومة تسجيلها وبسرعة في العديد من القضايا التي تختص بالشأن العام والتي تحتاج الى وعي مجتمعي وجهد حكومي بشأن تحقيقها مثل الاستقواء على القانون والتطاول على المال العام والواسطة والمحسوبية....الخ، والأهم رفع مستوى الخدمات في التعليم والصحة والمواصلات...الخ.
تستطيع الحكومة تحقيق العديد من الأهداف التي يحتاجها الشعب، نعم لا بد من التفاؤل في الاوقات الصعبة فهو ليس ضرباً من المستحيل، التحدي أمام الحكومة في كيفية اشراك مئات الآلاف من مختلف القطاعات لتحقيق الأهداف المنشود تحقيقها للوصول الى دولة القانون ودولة الانتاج ودولة التكافل التي تشكل دولة المواطن على طريق مشروع التحرير والبناء. وهذا كله يتطلب ضخ دماء جديدة في مختلف المواقع مؤمنة بالعمل؛ ومن ناحية أخرى العمل على بناء الجسور بإستنهاض قطاعات لأخذ دورها الحقيقي متمثلة في الإعلاميين، المثقفين،الأدباء،الفنانين وليس تكسير المجاديف معهم.

[email protected]
فيسبوك RamiMehdawiPage