|
بين شيطنة وتكفير فكرة الضمان الاجتماعي والدفاع عن العدالة الاجتماعية
نشر بتاريخ: 07/12/2018 ( آخر تحديث: 16/12/2018 الساعة: 15:19 )
الكاتب: الصحافي حسن عبد الجواد
شيطنة أو تكفير فكرة الضمان الاجتماعي، التي تصدرت عدد من التظاهرات والوقفات الاحتجاجية في ساحات المدن الفلسطينية، لم تكن فكرة عفوية أو فردية أو مجرد ردة فعل على نصوص ومحاولات تعديل قانون الضمان الاجتماعي، التي جاءت مخيبة للآمال من جهة، ولا ترتقي لمستوى مطالب وحقوق العمال والموظفين في هياكل الاقتصاد الفلسطيني من جهة أخرى.
ورغم أن فلسفة الضمان الاجتماعي مرتبطة منذ القدم، بمفهوم حماية الطبقة العاملة من الاستغلال والعدالة والمساواة والرعاية الاجتماعية ومساعدة الفقراء والمحتاجين والمهمشين، ومعبر عنها نسبيا بهذه الدرجة أو تلك، في قوانين الأنظمة السياسية في مختلف الأقطار، ونصوص الكثير من المدارس الفلسفية والأديان، إلا أنها لم تخرج عن سياقها الموضوعي، كما خرجت في هذه الفترة، التي اجتاحت فيها التظاهرات والمسيرات الاحتجاجية قلب المدن الفلسطينية، لدرجة العدوانية المطلقة لفكرة الضمان، بدلا من تحسين شروطه. وبوضوح أكثر، فقد أدى غياب رؤية مجتمعية شاملة و ناظمة، واليات عمل موحدة، ليس لحقوق العمال والموظفين ودورهم على مدى العقدين الماضيين فحسب، وإنما لمختلف جوانب الحياة المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الفلسطينية، اثر استمرار تراجع مكانة الشعار السياسي في الحالة الفلسطينية، بسبب تعميق حالة الانقسام وتداعياته، إلى هشاشة البنى الفوقية المؤسسية الرسمية وغير الحكومية والفصائلية الفلسطينية في كل هذه المجالات، وضعف قدراتها على محاججة و مواجهة أي مواقف نقدية واحتجاجية جماعية . وبدلا من البحث عن الحلول الجماعية المدروسة، المبنية على الشراكة والتكاملية السياسية والمجتمعية، نرى سباقا منفردا في المواقف لا يعبر إلا عن سطحية ومكابرة وإدارة للظهر و ردود فعل حكومية متسرعة، كما في تصريحات وزير العمل، والتي لم تأتي إلا بمزيد من تعميق أزمة الضمان الاجتماعي في الشارع الفلسطيني، وخلق الذرائع والمبررات لمزيد من الانحراف بالشعارات المطروحة على الأرض، من قبل بعض الجهات الفاعلة في الحراكات الاحتجاجية نحو شيطنة وتحريم فكرة الضمان الاجتماعي، ما يعني رفض فكرة الضمان الاجتماعي بالمطلق من قبل هؤلاء، وفي ذلك تتساوى المسؤولية بين الحكومة وأصحاب شيطنة فكرة الضمان. إن نظره واقعية لمعادلة المشهد الاحتجاجي ضد قانون الضمان الاجتماعي، يمكن للمحلل أن يرى فيها بوضوح تام، في بعض المحافظات، تأثير وتحريض وتحكم تحالف فئات من أصحاب رأس المال العائلي وغير العائلي أحيانا، مع أصحاب الفكر الديني التحريمي التكفيري، انطلاقا من تقاطعات المصالح المؤقتة لهذه الفئات، مع فكرة شيطنة الضمان الاجتماعي وتكفيرها، وهي إلى حد كبير غير بعيدة لدى العديد من نشطاء هذا الحراك عن المواقف السياسية لهذا الطرف أو ذاك، وكما يقول المثل "القصة مش رمانة ... القلوب مليانة". في هذه المعركة الحقوقية والنقابية هناك ثلاث اتجاهات رئيسية، الأولي تدعو لشيطنة الضمان الاجتماعي وتكفير الفكرة وربما أصحابها، وعدم التصالح معها انطلاقا من شعارات رفع بعضها في الوقفة الاحتجاجية في ساحة السينما وسط مدينة بيت لحم، مثل " النصر أو القبر فلنناضل من اجل قتله"، وهي مدعومة إلى حد كبير برأس المال العائلي، كما هو واضح في دعم وتنظيم العديد من التظاهرات الاحتجاجية، والثانية تتطلع إلى الضمان كمشروع استثماري ربحي ليس له علاقة بالعدالة الاجتماعية، و تعمل على تكريس مصالحها على حساب مئات ألاف العمال والموظفين من ذوي الرواتب المتدنية والمتوسطة، وهو ما يتجلى في رؤية الجهات الرسمية ومن لف لفها، فيما يبرز السؤال الكبير عن دور أصحاب الرؤية الثالثة " قوى و مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وخصوصا قوى اليسار والديمقراطية في المجتمع الفلسطيني"، التي لم تتمكن حتى الآن رغم كل الحوارات الطويلة، التي نظمتها مع أصحاب الرؤية الحكومية، من قيادة الحراك و صياغة رؤية وموقف اقرب إلى مصالح العمال والموظفين، حيث باتت بعض الشرائح تعتقد بكل أسف أنها جزء من اللعبة الرسمية!. إن عدم الانطلاق من كون الضمان الاجتماعي حق إنساني لا ينازع ومكفول بمبادئ وقوانين ومعايير العدالة الاجتماعية الوطنية والأممية، وعلى أصحاب هذه الرؤيا صياغة ونظم رؤية مبدئية واليات عمل، تستند إلى تجارب وخبرات مجتمعية دولية ناجحة لتحقيق العدالة الاجتماعية بالمعنى الواسع للكلمة كهدف استراتيجي لكل القوى والمؤسسات والفعاليات التي تؤمن بهذا الحق الإنساني وغيره، والذي لا يمكن أن يتحقق إلا بالاعتقاد الراسخ بالانحياز الحقيقي لمصالح العمال والموظفين في مختلف القطاعات والفئات، والدفاع عن ثقافة التنوع والتعددية والتكاملية والشراكة الحقيقية لمجتمع فلسطيني يبحث عن حريته وخلاصه من الاحتلال ويصون كرامته و وحدته الداخلية. |