وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الديموكتاتوري

نشر بتاريخ: 08/12/2018 ( آخر تحديث: 08/12/2018 الساعة: 12:59 )
الديموكتاتوري
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
بين القائد الديموقراطي والزعيم الدكتاتوري. نشأ في السنوات الماضية نوع جديد من القادة يجمعون بين الصفتين (ديموكتاتوري). وهو النوع الذي يتمسك بالانتخابات والمؤسسات الديموقراطية، ولكنه يفصلها على مزاجه وحسب هواه. وانتشر الصنف الثالث في كل العالم من أمريكا وروسيا والصين وآسيا وأوروبا وافريقيا والشرق الاوسط واسرائيل وحتى العالم العربي. فصار القائد الديموقراطي عملة نادرة، وصار الزعيم الدكتاتوري في المتاحف فقط.
التسمية ديموكتاتوري سمعتها لاول مرة على لسان استاذة مثقفة من فلسطينيي الخط الاخضر، كانت تتحدث عن انتخابات السلطات المحلية العربية تحت السلطة الاسرائيلية وما نتج عنها من كراهية وبغضاء وعدوان لفظي ومادي. فقالت للاذاعة (لا يزال المجتمع العربي ينتج قادة ديموكتاتوريين يدّعون علنا انهم يؤمنون بالديموقراطية وهم عمليا دكتاتوريين لا يقبلون التنافس ولا الرأي الاّخر).
وأعتقد ان هذا التوصيف دقيق للغاية ويمثل كل المرحلة. فلم يعد لدينا في الأحزاب والكتل البرلمانية والسلطات والحكومات قادة ديموقراطيين مستعدون لدفع ثمن الدبموقراطية كمنهاج حياة، وبرز الشكل المذكور.
فترى زعيم الحزب دكتاتوري على جماعته، يقصي كل من يخالفه الامر، وربما يعتدي عليه لفظيا وجسديا وماديا واعلاميا من اجل تصغيره وتحقيره وهزّ ثقته بنفسه، وهو ذاته يطالب بالديموقراطية وحقوق الانسان وينتقد الحكومة لانها ليست ديموقراطية. أمّا داخل حزبه فهو أسوأ بكثير من الحكومات التي ينتقدها، والأمر ينسحب على الجميع وفي كل البلدان.
جيش من الاعلاميين والمثقفين وأصحاب الرأي ينساقون لامتداح الزعيم الديموكتاتوري، ينبرون للدفاع عنه ويوظّفون كل مواهبهم وطاقاتهم في اقناع الجمهور بأن هذه هي الصفات اللازمة للمرحلة وأن لا خيارات امام الشعوب سوى خيارين اثنين: الفوضى والنهب والخراب أو القمع بكل قناعة ورضى.
بعد حمّى الربيع العربي، عمّت الفوضى في عواصم الدول العربية، وبسبب غياب أحزاب ديموقراطية بديلة للحكومات القمعية انتشرت الفوضى، فصار الناس يطلبون الأمان قبل كل شئ، وهو ما دفع بعض "المثقفين السطحيين" للتغزّل بأيام وزارات الداخلية القمعية التي كانت تقمعهم ولكنها كانت تضمن لهم زريبة اّمنة يرتعون فيها.
وحتى نخرج من دائرة الخيار الى دائرة القرار نقول: إن الديموقراطية ثقافة وان الدكتاتورية جهل. فهل يختلط الزيت بالماء؟ وهل يمكن للقائد أن يكون ديموقراطيا ودكتاتوريا في آن واحد؟
قد يطول النقاش بطول المأساة. ولكن لا بد أن نتحدث عن مؤسسات ونقابات (نقابات لا يعمل قادتها- بعلمهم أو من دون ان يعلموا- عسسا لأجهزة الأمن والداخلية). واذا اعدنا هيبة المؤسسات (الصحافة- المحاكم- القضاء- النقابات- البرلمان- حماية المستهلك- الجامعات- المدراس- هيبة المعلم والمدرسة). حينها نستطيع القول: إن الف دكتاتوري لن يستطيع أن يهز ثقتنا بأنفسنا، وان ألف ديموكتاتوري لن يسخر من عقولنا.