|
في ذكرى انتفاضة الحجارة المجيدة.. سيُعيد شعبنا كتابة التاريخ
نشر بتاريخ: 10/12/2018 ( آخر تحديث: 10/12/2018 الساعة: 11:17 )
الكاتب: حسين حماد
انطلقت انتفاضة الحجارة في الثامن من ديسمبر من العام 1987م من مخيم الثورة جباليا لترسم لوحة ناصعة في تاريخ النضال الفلسطيني. فقد انطلقت الانتفاضة ليس بسبب مقتل ستة عمال في حادث سير في الأراضي المحتلة في العام 1948م فحسب، بل بسبب حالة الغليان الشعبي جراء غطرسة المحتل، والملامح الثورية التي رسمتها نضالات المجموعات العسكرية السرية المسلحة خلال فترة السبعينات والثمانينات، ما أنشأ جيلاً ثورياً حقيقياً، استغل هذه المناسبة ومسيرة غضب أهالي جباليا، وجعل منها انتفاضة ممتدة اشتعلت رسمياً بارتقاء الشهيد الأول حاتم السيسي وسط المخيم وفي محيط جورة أبو راشد. وتفاعلت الجماهير مع الشرارة الأولى لتمتد الانتفاضة إلى مختلف مناطق قطاع غزة، ثم إلى مدن ومخيمات الضفة الغربية والقدس، ليتحد الجسد الفلسطيني الناقم من سياسات الاحتلال خلف أمل الوحدة والتحرر وتحت مظلة علم فلسطين.
وجاء الانقسام الفلسطيني الداخلي في الرابع عشر من يونيو 2017م، ليُحدث شرخاً عميقاً في الجسد الفلسطيني المعمّد بالدم، بعد أحداث تجرّأ فيها الفلسطيني على أخيه فقتله. وبعد أعوام من المأساة أدركنا أن هذا الحدث قد خطط الاحتلال له طويلاً وبدقة، حيث شتت وحدة الشعب، بعد أن دمرت اتفاقية العار "أوسلو" طموحاته، حيث توطنت أمراض المجتمع في زوايا المخيمات والحارات، وقضى الفقر والبطالة وغياب الأفق على مستقبل جيل كامل، تحالفت عليه جميع الظروف السيئة. انتفاضة الحجارة التي خرجت من أزقة المخيم لتصل شوارع المدن جنّدت كل ما هو فلسطيني عبر طابعها الشعبي، ولعل ظهور الطابع المنظم فيما بعد لضبط الأمور جاء وفقاً لاحتياجات الميدان، فكانت ظاهرة الملثمين، وابتُدعت الوسائل النضالية بالحجر والمقلاع والشدّيدة ثم المتاريس والمولوتوف، كما ابتُدعت وسائل إعلام لائقة بتلك المرحلة، فكانت المنشورات والملصقات التي كتبت بخط اليد والصور التي رسمت يدوياً، وتوُجت بظاهرة الكتابة على الحيطان، وكان أجمل ما فيها توقيع (القيادة الموحدة) الذي جسّد الوحدة الحقيقية، قبل تعرَف الناس على حركتي حماس والجهاد اللتان وقعتا بمسمياتها، وقبل أن تتسع ظاهرة الفعل الحزبي لتبدأ فصائل منظمة التحرير بالتوقيع باسمها أيضاً على الحيطان. ورغم هذا التطور الدراماتيكي إلا أنّ الانتفاضة حظت بدعم الكل الفلسطيني، واحتضنتها المنازل والأزقة والحارات، ودافعت خلالها المرأة عن الطفل والشاب في ساحات المواجهة التي شارك فيها كبار السن أيضاً، وظهرت بسالة الطبقة العاملة الفلسطينية فيها، وقيادة الحركة الأسيرة للنضال من داخل باستيلات الاحتلال، الكل الفلسطيني شارك ولم يقف متفرجاً، في حالة رائعة من الُلحمة والوحدة. وما بين نشوة الأمل في انتفاضة الحجارة، والحُقنة المخدرة "أوسلو"، وصدمة الحلم المتمثلة في الانقسام، جاءت مسيرات العودة في ذكرى يوم الأرض في الثلاثين من مارس 2018م، لتُبدد الظلام الدامس الذي أحاط بمستقبل شعبنا، قد يختلف البعض على جدواها من منطلقات جدلية أو فئوية، إلا أنها ستمثل نقلة نوعية على طريق إدراك الجيل لوجهة بوصلته، ولن تحدث ما أحدثته أوسلو أو ما أحدثه الانقسام في الجسد الفلسطيني. وبالتأكيد أنّ نضالات شعبنا منذ مواجهة الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية في العام 1948م وما قبله، وثورة البراق ونضالات عز الدين القسام وعبد القادر الحسيني، وانتفاضة الحجارة ثم هبة النفق ثم انتفاضة الأقصى ثم انتفاضة القدس وصولاً إلى مسيرات العودة وكسر الحصار، ومنذ ظهور الفصائل والحركات الثورية وتزعمها العمل النضالي كحركة القوميين العرب وحركة فتح ثم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين كامتداد للقوميين العرب، إلى ظهور حركة الجهاد الإسلامي وحركة حماس وغير ذلك إلى يومنا هذا. ستبقى شعلة العمل الثوري وباستخدام الطرق الكفاحية كافُة حتى نيل الحرية والاستقلال، وتحرير فلسطين التاريخية من بحرها إلى نهرها من دنس المحتل الغاشم. لن تتوقف الأجيال عن حمل الراية، ولن تكون أرضنا عاقراً، وسنصل لأهدافنا رغم كل ما يخططه الاحتلال وينفذه أعوانه، ولو بعد حين. في الذكرى الـ31 لانتفاضة الحجارة، الانتفاضة الأولى، انتفاضة العز والكرامة والنضال دون ثمن، نُجدد العهد مع أنفسنا أولاً ثم مع الوطن بأن نواصل السعي لتحرير القيد وتحقيق النصر، وأن نحفظ لدماء الشهداء مجدها، وأن ننتقم لمعاناة الجرحى والأسرى والمشردين والمنسيين وأنّات الثكالى، وأن تبقى الانتفاضة مستمرة. |