وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

الفساد معطى ونتيجة: ان نرى لا يكفي!!!!

نشر بتاريخ: 27/12/2018 ( آخر تحديث: 27/12/2018 الساعة: 10:51 )
الفساد معطى ونتيجة: ان نرى لا يكفي!!!!
الكاتب: عوني المشني
لم يقل مارتن لوثر كنغ انه "يأتي وقت يكون فيه الصمت خيانة" من فراغ، فعندما يصبح الفساد بشتى اشكاله وألوانه هو القيمة العليا في النظام السياسي الفلسطيني ويهدد كينونة الوطن ووحدة ابنائه الوطنية فان الصمت عن ذلك يصبح خيانة، وعندما يقال لك دع هذا الامر فان الاولوية لمقاومة الاحتلال وتحرير الوطن فذلك قول حق من اجل تمرير الباطل، فاغماض العين عن الفساد والفاسدين لا يساهم في معركة التحرير لان هذا الفساد وصل الى درجة من الخطورة بحيث تحول الى معطى سياسي يعيق عملية التحرير ذاتها وكما يصف جلال عامر وبطريقته الساخرة فان "شبكة الفساد في هذه البلاد اكبر من شبكة الصرف الصحي"، واكثر من هذا فالفساد الفلسطيني حتما وبالتأكيد مرتبط بعلاقة جدلية لا تنفصم مع الاحتلال من حيث ديناميكيته وأسبابه ونتائجه، ولهذا فانه تحول من معطى اجتماعي اقتصادي الى معطى سياسي يخدم الاحتلال ويتحالف معه، هذا اضافة لكون الفساد الاقتصادي الاجتماعي يتحول بفعل ديناميكيته ونمطية تطوره الى فساد سياسي - وهو الأخطر - وبذلك يصب بشكل مباشر او غير مباشر في خدمة الاحتلال وفِي تكريسه ايضا. اذن الحديث عن فساد النظام السياسي الفلسطيني ليس حرف للاهتمام عن الاحتلال وجرائمه بل هو في صلب مقاومة الاحتلال وفِي تلك الأولية.
مظاهر الفساد في النظام السياسي الفلسطيني تحتاج الى صفحات وصفحات، وانتشارها يحولها من مجرد ظواهر معزولة الى سمة أساسية من سمات النظام، نظام يقوم على المحسوبية والولاءات والاستزلام والضبابية في كل ما يتعلق بالمال العام وحماية فاسدين بقرارات وحصانة، وليس آخراً سن منظومات عمل وقوانين وأحيانا للوي عنق القانون، كل هذا من شأنه ان يبيح بل وان يشجع الفساد، كل تلك مظاهر باتت معروفة والأمثلة عليها اكثر من ان تحصى، وهي تشكل جوهر البنية التي يقوم عليها النظام، وفي النهاية يتم خلق بيئة حاضنة لتستوعب كل تلك المظاهر وتشريعها.
والفساد تحول الى القيمة العليا في النظام السياسي الفلسطيني، قيمة لها حضورها واحيانا هيمنتها على مستويات مختلفة، وكثيرا من جوانب العمل الفلسطيني جرى تكييفها لتتناسب مع هذه القيمة العليا، بمعنى ان للفساد منظومته القيمية الثقافية، و"عندما يصل الفساد الى الكتب فتكون قد اهترأت كل النظم" كما يقول محمد اغيوري، نعم لقد تشكلت ثقافة فساد، ثقافة "الشطار"، والانتهازية المفرطة، والقبلية والفئوية، وثقافة الولاء الشخصي، كل ذلك مفاهيم تتعزز وتضرب جذورها عميقا في المجتمع لتتحول الى معطى منتشر وأساسي في الحياة الفلسطينية.
السؤال الذي بات ملحا امام هذا الوضع هل بقي هناك متسع لاجتثاث الفساد في ظل النظام القائم ام النظام برمته قائم على الفساد واجتثاث الفساد يستوجب تغيير جذري وينوي كامل ؟؟؟؟
ربما من الصعب الاجابة على السؤال خاصة في ظل تداخل الحالة الفلسطينية ووجود احتلال يجعل من التغيير في النظام مرتبط بطريقة او بأخرى بالصراع الوطني، ولكن بات معروفا ان النخب المتنفذة حاليا مرتبط استمرارها بشكل من أشكال الفساد واحداث انفصام بينها وبين الفساد بات عملية صعبة ان لم تكن مستحيلة، فالفساد خلق اكثر من الولاء وهو ما يسمى بالسيطرة " under control “ لكثير من هؤلاء، بمعنى انهم بما عليهم من مناسك لا يستطيعون الانفلات من دوامة الفساد حتى لو ارادوا، وكلنا يتذكر ان البعض ممن أبدى وجهات نظر او ممارسات سياسية تتعارض مع الوضع القائم ظهرت له فجأة ملفات فساد، رغم ان تلك الملفات كانت معروفة منذ زمن، ولكن يتم الان استخدام الفساد ومكافحة الفساد في ذات الوقت كطريقة للإخضاع السياسي، هذا يعني ان الفساد ومكافحته تحولا الى اداة عمل سياسي.
يقول بيتر استينوف ان "الفساد هو الوسيلة الطبيعية لتجديد ايماننا بالديمقراطية"، بمعنى ان افضل وأنجع أشكال محاربة الفساد هو الديمقراطية المقترنة بسيادة القانون بشكل حازم، ففي دولة ديمقراطية يجري تداول السلطة ديمقراطيا في ظل تطبيق حازم للقانون سيتم معالجة الفساد، الفساد السياسي ينتهي باعادة تجديد النظام دوريا . الاشكالية عندما تتعطل الحياة الديمقراطية لتحقيق رغبات الفاسدين المتنفذين ويجري لي عنق القانون وتكييفه خدمة لهم فان الديمقراطية تتحمل الى واجهة دعائية لا اكثر يتم تحت يافطتها تزييف وتزوير إرادة المجتمع لتكريس الفساد اشخاصا ومنهجا، وهنا يصبح التحول بردات فعل احيانا عنيفة وغير منضبطة، وفِي حالات تتحول الى ما اقرب لحروب أهلية، عندها يتسلح الفاسدين بالمصلحة الوطنية العليا والسلم الاجتماعي و ....... الخ من تلك المصطلحات للحفاظ على امتيازاتهم وفسادهم وسلطتهم.
ان اكثر ما يهدد السلم المجتمعي والوحدة الوطنية ومصلحة الوطن هو الفساد ذاته، وهو الدافع لأغلب الحروب الأهلية، لهذا فان اهم دعائم السلم الاجتماعي هو النظام الديمقراطي وسيادة القانون والمرتبطين بنزاهة وشفافية غير منقوصين.
في فلسطين حالة فريدة، يتعايش فيها الفساد مع الاستقامة والنضال التحرري الثوري مع الاستسلام للواقع والعزيمة والنظام الفردي الإقصائي مع الديمقراطية التعددية والقانون مع الاستقواء بقوة النفوذ والقبيلة والحزب، تتعايش كل التناقضات بطريقة مثيرة للدهشة، ربما ان تداخل التحرر الوطني بالعدالة الاجتماعية احد الاسباب، ولكن في السنوات الاخيرة فان التوازن الدقيق الذي كان يحكم التعايش بين كل هذه التناقضات قد بدأ يختل الى الحد الذي لم يعد هيك استمرار هذا التعايش ممكنا، بدأ يختل عندما تجاوز الفساد والاحتكار والفردية والاقصاء الخطوط الحمراء بما اخل في هذا التوازن، بدأ يختل عندما اصبحت القطاعات المهمشة والمظلومة تدفع فواتير الفساد اكثر مما تستطيع تحمله، نعم ان الاختلال في هذا التوازن أنهى وينهي هذا التعايش ويوصل الى حالات من الصدام ، واذا لم يتدارك النظام الفلسطيني هذا الخلل عبر العودة لنظام ديمقراطي تعددي حقيقي ونزيه وسيادة قانون على الجميع دون استثناء، اذا لم هذا وبلا تبريرات او مقاربات فان المجتمع الفلسطيني مقبل على ردات اهتزازية قد تقوض السلم الأهلي بشكل لا يمكن السيطرة عليه.
هذا لا يشكل موقف فقط ولكنه جرس إنذار ايضا، نحن امام حالة غير مستقرة وظلم يعتمل قهرا وغضبا، إمكانيات الانفجار اصبحت مؤكدة والمسألة مسألة وقت، لا زال هناك متسع للعلاج قبل ان يفوت قطار الإصلاح، ولكن لم يعد وقت طويل، هذا ليس من باب التهديد ولكنه من باب التحذير، ومن ليس على عينيه غشاوة فانه يرى، وان نرى لا يكفي....