|
كأنها قنبلة
نشر بتاريخ: 30/12/2018 ( آخر تحديث: 30/12/2018 الساعة: 11:34 )
الكاتب: عيسى قراقع
هذه المدينة، هذه المرأة.. رأيتها في ساحة الميلاد في بيت لحم تحمل قلبها وتنادي , تلبس شالها الخمري , شامة على كتفها تشبه النجمة , ترضع بثديها الايمن غيوم السماء فكان مطرا , وبثديها الايسر طفلا تحول الى بشارة فكانت حجارة , ولاول مرة في هذه الدنيا صار الميلاد سريرا وانثى ورسالة .
هذه المدينة , هذه المراة , تضع رأسها على كتفي , ترخي شعرها الطويل على ظلالي , شفتها السفلى كتاب وماء , شفتها العليا صمت السجن بين الصوت والصدى في كل لقاء , اعدت لي سريرها بلا فتنة وبلا شهوة , تتحرك من مساء الى مساء , في فراشها ولد كل الانبياء , خرجوا من اية الى اية . هذه المدينة , هذه المرأة الساكنة على جبل يطل على القدس والبحر المتوسط , لا اصدق فيها الا الغيم , التلال والاشجار والبيوت تنحني امامها كأنها تقبل الارض , تستقبل الحجيج والعباد في عيد الميلاد المجيد كل عام , اسمعها في الساحة تنادي , قدم في التراب واخرى في السماء , تضم اولادها المقتولين والمبعدين وتنادي , دم على يديها , طفل يصرخ , لا ماء , لا زرع , لا خراف , لا فضاء . هذه المدينة , هذه المراة , اضاءت شجرة ميلادي وميلادها , اليوم قبلتني تحت الصليب , غدا سترش امواج انوثتها على جراحي , قالت : سمِني وردة او نجمة , اقطفني من الصحراء والعدم , خذني , كن حارسي في كل صلاة . هذه المدينة , هذه المراة المطوقة ب 22 مستوطنة , المقتولة المجزأة المعزولة المشطورة المحاصرة بالأسوار العالية , التائهة بين عشرات الشوارع الالتفافية والاراضي المصادرة , موت يومي في شوارعها , شجر يسقط في حضنها , اولاد يعدمون بين يديها , هذه السجينة , الشتاء ينام في سريرها , ترضع الوقت بشهوة عارمة للحياة . هذه المدينة , هذه المراة , يغتصب خصوبتها 75 الف مستوطن , تحيط بها شبكة من الابراج العسكرية والبنادق والخنادق المسلحة اراها كل يوم في جنازة شهيد , اراها كل يوم على باب السجن تزور اولادها , تبث هديلها الدافيء في مفاصلهم ليتقوا البرد والليل والسجان , ويظلوا مستيقظين . هذه المدينة , هذه المراة كانها قنبلة , شرايينها معبأة بالبارود والعظم واللحم والدم والغضب والذكريات , بطنها منفوخ بالقتلى والجرحى والفقراء والمشردين , على ابوابها المخيمات تحمل مفتاح العودة ورمح الشفيع , حولها جدران مطرزة باسماء الشهداء يلتصقون بها , اسمعها في صلاة منتصف الليل مغمورة بالدعاء والرجاء وصوت الغائبين . هذه المدينة , هذه المراة , كانها قنبلة . تعيد ميلادها مرة تلو المرة , لا تتوقف بصلواتها ومخاضاتها ونبوءاتها وانتفاضاتها , بمطرها وثلجها , بوحدتها المسيحية الاسلامية , عن قرع اجراسها في وجه المحتلين الغاصبين . هذه المدينة , هذه المرأة , كانها قنبلة , ترفض ان تنسج للبندقية منديلا للوداع ,كل المدن فيها حبلى بالثورات وليس بالمقابر , ليلها مسمار ونهدها حجر , لا تفاوض على نشيد للسراب والغبار , لا تفاوض على زيتها وزيتونها ودمها المنعوف بين عينيها , لا تفاوض على بلدٍ واسع جميل حشروه في الدائرة , تحمل الشمس على الصدر والنحر والخاصرة . هذه المدينة , هذه المرأة التي احبها , رايتها في ساحة الميلاد تحمل قلبها وتنادي , المسيح حقا قام , هللويا هللويا , مسكونة بالتراب الاحمر والتاريخ والملائكة , هي عسل الخبز واللغة , ام عسل , اعرف هلال صيفها , ابصر جنين الاحشاء , هي معجزة وحدَت بين الموت والحياة واشعلت الذاكرة . هذه المدينة , هذه المراة , تشبه القنبلة , برأتني من كل خطيئة , بدأ الحب والسلام والمسرة وكان ميلادأ اخر , تستيقظ الارض من نومها , شمعة في يد العذراء , قلادة سماوية تشبه الفراشة تتدلى من عنقها تطير على صدرها , الساحة مليئة بالاولاد , دم على البلاط المقدس , جثة في المغارة داخل الكنيسة , راهبة تطبخ النباتات للمحاصرين , المسيح قام , حقا قام , هللويا هللويا .... هذه المدينة هذه المرأة تشبه القنبلة لا زلت اقرأ في كبريت انجيلها تعاليم البرق والرعد والالهة واعدُ على اصابعها الف الف سنبلة |