وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

ليس مقارنة... لكنها الحقيقة الصادمة

نشر بتاريخ: 05/01/2019 ( آخر تحديث: 05/01/2019 الساعة: 11:26 )
ليس مقارنة... لكنها الحقيقة الصادمة
الكاتب: عوني المشني
ربما هناك اختلاف في المنهج الذي اعتمده كل من الشهيد القائد ياسر عرفات وخلفه الرئيس محمود عباس في إدارتهم للصراع من اجل الوصول الى دولة فلسطينية، ولكن المؤكد ان كلا المنهجين قد فشلا فشلا ذريعا في الوصول الى هدفهما المشترك وهو تحقيق الاستقلال لشعبهما، صحيح ان ياسر عرفات قد نقل الشعب الفلسطيني الى مرحلة الكيانية بعد ان كان الفلسطينيون مشروع ذوبان، وهذا إنجاز كبير جعل منه الأب الروحي للوطنية الفلسطينية، الا ان هذا الإنجاز لم يرقَ الى مرحلة تحقيق الاستقلال.
ياسر عرفات كان يعتقد ان وضع القدم في المكان كافيا للبدء بعملية توسع وفرض الوقائع مستخدما بذلك جملة من الاساليب والأدوات السياسية والنضالية ليجعل من موطئ القدم تلك مساحة كافية لفرض حقائق سياسية وهكذا كان ينظر الى اوسلو باعتباره موطئ قدم يمكن ان يشكل عبر كفاح متعدد الاشكال واقعا يقود الى دولة مستقلة، ولكن عندما أزفت لحظة الحسم لمرحلة تتسم بالخداع الكامل من النقيضين الاسرائيلي والفلسطيني استخدمت اسرائيل اليد السرية وتخلصت من ياسر عرفات. 
جاء بعدها ابو مازن بمنهجية مختلفة جذريا، كانت ثقته الكبيرة ان امريكيا اذا ما اقتنعت بصدق النوايا الفلسطينية فإنها ستضع الدولة الفلسطينية ليس على الخارطة فحسب بل وفِي قائمة الدول التي تستظل بالمظلة الامريكية، مثلت سياسة ابو مازن النقيض تماما لما فعله ياسر عرفات، بقي في ذات المساحة التي أتاحته له اتفاقية اوسلو بل تقبل على مضض تقليل تلك المساحة من حيث الدور والصلاحيات، "نظف" السلطة والمنظمة وفتح ومناطق صلاحياته الأمنية من كل مظاهر العنف عبر سياسات متدرجة، واكثر من ذلك نظف السلطة "المؤسسة" من العقليات التي تؤمن بالعنف، استجاب لشروط غاية في الصرامة ليبدو "الطفل المطيع" الذي يستحق "جائزة" هي الدولة، لكن وفِي لحظة الحقيقية بدا وان الخداع الذي اتصفت به اسرائيل في التعامل مع ياسر عرفات هو ذاته الذي اتسمت به سياساتها وسياسة الولايات المتحدة من بعدها، بعد كل ما قدمه ابو مازن جوبه برفض مستميت لفكرة انشاء دولة فلسطينية واكثر من هذا طلب منه التنازل بأثر رجعي ليس عن الدولة فحسب بل عن الرواية التاريخية الفلسطينية.
يبدو للوهلة الاولى ان المقارنة بين المنهجين - ياسر عرفات وأبو مازن - واضحة لكن بتعمق اكثر ربما نجد اننا امام منهج واحد له أدوات واساليب مختلفة، منهج يعتقد ان تحقيق الإنجازات مرتبط بذكاء شخصي للزعيم، وان التحايل على موازين القوى امر ممكن، لكن النتائج تقول وبدون لَبْس ان المنجزات تأتي في سياق تراكم نضالي وبالقدر الذي تؤثر فيه على موازين القوى، وصل كلا الزعيمين في نهاية المطاف لذات النتيجة وهي ان ما تستطيع القوة الاسرائيلية ان تأخذه لا يمكن التنازل عنه طالما هناك امكانية للاحتفاظ به، واكثر من هذا فان القيادة الاسرائيلية اليمينية لا تقبل بمنطق التنازل عن مكتسبات من الحاضر من اجل ضمان المستقبل، بمعنى ان اليمين الاسرائيلي لم يصل بعد الى مرحلة التنازل عن المناطق الفلسطينية المحتلة عام ١٩٦٧ لضمان سلام حقيقي مع الفلسطينيين يضمن امن اسرائيل المستقبلي.
اذن نحن مرة اخرى امام السؤال الاستراتيجي الاهم: كيف يمكن الوصول الى وضع نحقق فيه الأهداف الفلسطينية ؟؟؟!!!
اسوأ انواع الاجابات تلك التي تعيدنا بتنظير إنشائي الى الأصوليات سواء كانت أصوليات وطنية او دينية، وكأن هناك اختلاف على ماهية الحقوق الفلسطينية، مقولات حول مفهوم الوطن وطبيعة الصراع وتوصيف العدو والحقوق التاريخية والأبعاد الحضارية والتاريخية لتشكل الشعب الفلسطيني، مقولات كهذه ليست هي القضية التي ومهما توقفنا عندها لن نغير من حقيقة او مستوى التحدي الذي نواجه، الازمة الحقيقية تكمن في التعاطي مع الواقع الموضوعي وإعادة ترتيب ظروفنا الذاتية بما يمكن ان يساهم في تغيير الواقع، ببساطة اكثر المشكلك في الأدوات والاساليب، لم يفشل ياسر عرفات لانه لا يعلم طبيعة العدو او جوهر الصراع، لم يفشل ابو مازن لانه لا يُؤْمِن بالحقوق الفلسطينية، الفشل كان في الأدوات واستراتيجيات ادارة الصراع، الفشل في تحويل التراكم الكفاحي الى إنجاز سياسي، حجم التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني كبيرة الى الحد الذي كان يمكن ان تحقق انجازا سياسيا ملموسا بإدارة سياسية صحيحة.
البعض يعتقد ان الحل لا يكمن في احد المنهجين، بل في الجمع بينهما، هذا تبسيط ساذج في احسن الحالات، وهذا اشتقاق سيء لمنهج لا يختلف في جوهره عن المنهجين الذين فشلا، هناك قضايا في السياسة لا تجمع كما في الرياضيات ايضا، بل انها نقيض بعض، وجود احداها تلغي الاخرى بالضرورة، إثبات المصداقية لامريكيا واسرائيل يتعارض موضوعيا مع فرض حقائق عبر تراكمات نضالية، لا يستقيم الامر بالجمع الكمي لمنهجيات مختلفة الى حد التناقض، لا يكفي وحدة الهدف للقول انه يمكن توحيد المناهج المتناقضة.
الذهاب الى الجهة المعاكسة تماما بالقول يجب القطع مع كل التجربة الماضية بكل ما فيها امرا يمثل ردة فعل متطرفة، فالمستقبل لا يبنى بالبراءة من الماضي حتى وان كان فاشلا، التجربة التاريخية للكفاح الفلسطيني المعاصر لها ما لها وعليها ما عليها، لكن في المحصلة فهي التي تشكل الارضيّة للبناء المستقبلي، استخلاص الدروس لا ينفي التجربة ولا يجرمها، ولكنه يأخذها في سياقاتها الموضوعية ويحاكمها بأخذ ظروف تشكلها التاريخية، الوصول للنتيجة ان كلا المنهجين أخفقا في الوصول الى اهداف شعبنا لا ينفي التضحيات التي قدمت، ولا الجهود المخلصة التي بذلت، ولا الإنجازات التي تحققت، ولكن السؤال ان كانت تلك المنجزات تتناسب مع التضحيات التي بذلت سؤال مشروع ، وهنا يمكن ان تعمق الدراسة للوصول الى استنتاجات . 
الوهم الأكبر هو الاستنتاج ان المنهج التجريبي قد يؤدي الى اكثر من اضاعة الوقت والجهد والاهم الدم ايضا ، فالكفاح التحرري ايضا له قوانينه ومعاييره ولا يمكن للمنطق التجريبي ان يجعل من النجاح ضربة حظ ، وصل الشعب الفلسطيني لمرحلة عدم احتمال التجريب او القفز في المجهول ، لهذا فان القراءة المتأنية للتجربة واستخلاص النتائج واخد معطيات الواقع كمعطى أساسي كلها عناصر بالضرورة توظيفها لاعتماد استراتيجية فلسطينية قادرة على تجاوز الفشل الحالي ، المسألة ليست بهذه البساطة هذا صحيح ، ولكنه ليس بالاستحالة إنجاز تلك المهمة والبناء عليها .
ابجديات منهجية حركات التحرر ان تؤمن بان ميزان القوى التقليدي دوما في صالح الاعداء ولن يكون في صالحا ، هذه القناعة الثابتة هي القاعدة لتأسيس منهجية كفاحية قادرة على مراكمة الإنجاز وصولا لتحقيق الهدف ، لا مغزى للعمل على تغيير ميزان القوى ، الإبداع النضالي هو تحييد مفاعيل القوة لدى قوة الاحتلال وجعلها عديمة او على الاقل قليلة التأثير ، توظيف عامل الزمن بطريقة يصبح فيها عنصر فاعل لصالح الشعب الخاضع للاحتلال ، الجانب الاخر جعل كلفة الاحتلال النفسية والمادية اعلى من امكانية الاحتمال ، هل يمكن ترجمة تلك المفاهيم العامة الى لغة برنامج واستراتيجية ؟؟؟؟ بالتأكيد ممكن ولكن ليس بالأسلوب التنظيري ، هذا يحتاج لتفكيك عناصر القوة والضعف للطرفين ودراستها وتحديد المدخل المناسب للتغيير ، وهذا يختلف تبعا للحالة .
الاحتلال الاسرائيلي ليس قدرا لا يمكن هزيمته ، لكن حجز سنمار في هذا الاحتلال لا زال غير مكتشف فلسطينيا ، بالتحليل العلمي ودراسة هندسة جينات الاحتلال يمكن اكتشاف هذا الحجر الذي سنهار كل بناء الاحتلال اذا ما أزيل هذا الحجر . لم يصل ياسر عرفات عبر منهجيته الى هذا الحجر وان اقترب من دائرة وجوده قليلا ، ابو مازن ايضا ضَل الطريق اليه ، امتلاك خيال خصب ضرورة مهمة لتخيل أين يقع هذا الحجر .
لنتخيل معا اننا وصلنا بالمقاطعة لاسرائيل الى مرحلة ان تكون خارج مختلف المؤسسات الدولية ، وهذا ممكن ، وانعكس هذا الوضع على الوضع الاقتصادي ، وفِي ظل صمود فلسطيني مقاوم ، مهم هنا الانتباه الى صمود مقاوم ، صمود لا يشكل إذعان وتعايش مع الاحتلال ومقاومة لا تشكل ذريعة للترحيل ، صمود مقاوم يضخم القلق الوجودي ويجعله كابوس يومي لمجتمع يرعى الاحتلال ويستأنسه . لنتخيل ان هناك حزبا يهوديا عربيا ينموا في ظل هذا الوضع ويدعوا لسلام بين شعبين قائم على الاعتراف المشترك بحق الشعبين بالتوازي في تقرير المصير على ارضية الشراكة المصيرية ، لنتخيل ما هو ابعد ، ان الفكر الفلسطيني السياسي يقوم على أنسنة النضال التحرري الفلسطيني وجعله قيمة ديمقراطية حضارية ، هذه مجرد أفكار في سياق العام الإجمالي ، وفِي التفاصيل يكون للخيال قدرة ابداعية اكبر بكثير ، تحول حركة المقاطعة الى شيئ اكبر من تنظيم اممي امرا ممكن ، وممكن ايضا ان تكون نشاطات اكبر من المقاطعة ، ايجاد قواسم مشتركة ما بين فلسطينيين واسرائيليين قائمة على الندية والاقرار الواضح بحق تقرير المصير لكل شعب يمكن ان يستوعب آلاف الفعاليات المشتركة الفاعلة والمؤثرة ، وفِي سياق الصمود المقاوم هناك الكثير والمتميز والإبداعي .
هذه تفاصيل ، نعم هي تفاصيل ، الاهم السياقات القيادية الفلسطينية القادرة على وسم منهجية توظف تلك التفاصيل ، هي مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة ، هي طويلة النفس لكنها ليس يائسة ، هي منهجية ناعمة ولكنها تكلف الاحتلال اكثر من قدرته على التحمل ، هي انسانية ولكنها وطنية بامتياز .
حجر سنمار في بنية الاحتلال بالإمكان الوصول اليه ، والمهمة ممكنة .

ما هو المنهج المختلف؟
لا يمكن ان يكون الجمع الكمي لكلا المنهجين منهجا .
لا يمكن ايضا ان يشكل التنصل من التجربة طريقة مثلى لنقدها
المشترك بين ياسر عرفات وأبو مازن هو احتكار الفكرة في ذاتهما ، كلاهما لم يحول فكرته الى برنامج وقناعات وسياسات
المنهج المختلف هو : ثبات استراتيجي غير قابل حتى للحوار وتحويل هذا الثبات الى قناعة عبر اعطاءه قدسية الفكرة
مرونة في السياسة اليومية لا تقترب من القضايا الاستراتيجية