|
حكيم القدس حضور رغم الغياب
نشر بتاريخ: 08/01/2019 ( آخر تحديث: 08/01/2019 الساعة: 17:28 )
الكاتب: خالد الفقيه
أحد عشر عاماً مضت على تسليم الدكتور أحمد المسلماني حكيم القدس الروح لتسبح في فضاءات الوطن الذي أحب وأفنى أجمل سنوات عمره فيه مزاوجاً بين سماعته الطبية ومشرط الطبيب والقيم التي نمى وترعرع وتربى عليها، تلك القيم التي نهلها من معين الفكر الثوري المنحاز للفقراء والمساكين فكان معهم ولهم، جاب شوارع القرى في الضفة وغزة وعرفه سكان الأزقة في المخيمات مبلسماً جراحهم يأخذ بأيديهم في مواجهة سياسات الاحتلال العنصرية التي إستهدفت وبشكل مبرمج وممنهج وجودهم وصحتهم.
دعا أحمد الطبيب أصدقاء يتشاركون معه الفكرة فكانت الإنطلاقة من قلب القدس التي درج فتياً في شوارع بلدتها القديمة ورصد بعينيه إرهاب الاحتلال ومستوطنية وعرف خططه المبيتة والمعلنة بحق شعبه فولدت من رحم المعاناة اللجان الشعبية للخدمات الصحية قبل إنتفاضة العام 1987 وتحديداً عام 85 من القرن الماضي، لوحقت اللجان ومتطوعيها وجاءت الإنتفاضة لترسم ملامح مرحلة جديدة من كفاح الشعب الفلسطيني ولتؤكد على حاجة الخدمات الطبية والصحية في رفد المواجهة في الميدان فذهب نحو مأسسة العمل الذي بني أساساً على التطوع فكانت مؤسسة لجان العمل الصحي العنوان. قاد حكيم القدس مؤسسة لجان العمل الصحي مع رفاقه وبقي على رأسها حتى إرتقى وعرفت المؤسسة خلال وجوده على رأسها المزيد من التطور والتوسع إستجابةً للحاجات الميدانية الملحة وما نراه اليوم فيها هي المداميك الأساسية للبناء الذي أرسى قواعدها، لم تثنيه الزنازين الإسرائيلية عن متابعة العمل حتى من داخل الأكياس الحجرية فرغم إختطافه من بين محبيه غير مرة كان حاضر المتابعة والتوجية حتى في أدق التفاصيل عبر رسائله المهربة من المعتقلات التي حل عليها، وفي فترات حريته بعد كل إعتقال كان سفيراً لامعاً لقضيته حيثما وأينما حل في أصقاع المعمورة متسلحاً بالرؤية والعقيدة الفكرية التي يحملها. نعم تناغم العمل عند أحمد بين السياسي والجماهيري فعرفناه في الميدان جسوراً متحدياً بين أبناء شعبه متحدياً آلة القمع الصهيونية غير آبه بالعنف والقوة الإسرائيلية محرضاً على الدوام لمقاومة الاحتلال مؤمناً بالصمود والمواجهة جاعلاً من موظفي مؤسسته المؤمنين بفكره ونظرته الثاقبة ورؤيته التحليلية لما يدور حوله جنوداً في نقاط المواجهة والاشتباك وفي عياداتهم ومراكزهم ملائكة رحمة تبلسم الجراح. أرسى شهيدنا قواعد عمل إستطاع بمحبته بين الآخرين مؤسسات وأفراد تجسيد الرفض والمقاطعة لكل من لا يدعم حق شعبه في الحرية والاستقلال ويحسب له تجنيد الدعم للموقف الرافض للتمويل المشروط وغير المستجيب لحاجات الشعب الفلسطيني أو المتنكر لحقه في وطنه. رحيله كان ثقيلاً على كل من أحبوه وعرفوه وعايشوه وعاملوه وكان مفاجئاً كونه لم يكمل الرسالة رحل بصمت كما كان يعمل بصمت بعيداً عن الأضواء وضجيج التباهي والتفاخر وهي من القضايا التي كان ينكرها على الدوام، كان صدامياً في كل القضايا والمواقف التي يشوبها غياب الوضوح ما عرضه دوماً للملاحقة والمتابعة. صرامته كانت كحد السيف ومواقفه تمتاز بالثبات فهو لم يعتد المراوغة والمساومة، فلسطين كانت بالنسبة له أوسع من العالم وعروبته القومية منارةً يستهدي بها مؤمناً بالشعوب الحية في مقاومة كل أشكال إستدخال الهزيمة والتطبيع فكان حقاً نداً بشهادة من أحاطوا به. جير حكيم القدس كل ما يملك ويمتلك للفكرة والنهج فقضى في سبيل ما آمن به جاعلاً من مآثره منارةً يهتدي بها كل من لا زالوا يؤمنون بالفكرة التي لم تكتمل بعد. روح أحمد اليوم تسبح في ملكوت سماء الوطن الذي قاسى وعانى بعد رحيله الكثير من المآسي والآلام ومن بعده عشنا الإقتتال الأخوي الذي لطالما كان يخشاه ويحذر منه ومن بعده تشتت الثوار الذين تمثل بهم وضاعت قيم ومباديء عند الكثرين وتسلل التطبيع إلى الوطن العربي وبات له عرابون كثر حتى باتت فلسطين عبئاً على العرب يقايضون حق شعبها فيها جهراً وسراً. حكيم القدس رحل قبل إكتمال المسير نحو الهدف مات نداً وتدثر في ثرى القدس العتيقة حيث أحب أن يكون فلك منا العهد بالبقاء متسلحين بنهجك في الزمن الذي تراجعت فيه مسلمات اليقين عند الكثيرين. |