|
أفحمتمونا.. ثبتّمونا.. وأضعتمونا يا سفسطائيين
نشر بتاريخ: 25/01/2019 ( آخر تحديث: 03/04/2020 الساعة: 05:11 )
الكاتب: رئيس التحرير / د. ناصر اللحام
لا نريد حكومة نحلّ لها مشاكلها. بل نريد حكومة تحل لنا مشاكلنا.
لا نريد تنظيم يرسل أولادنا الى السجون ويرسل أولاد المسؤولين للدراسة في امريكا. لا نريد شيخا يلعن حياتنا كل خطبة جمعة، بل نريد شيخا يتقي الله ويلعن الشيطان. لا نريد زعيما نعلّق صوره على الجدار بل نريد زعيما يحارب الجدار والحصار. منذ ربع قرن، يعتمد الجدل السياسي الفلسطيني على التمويه وليس على الحكمة، على تبرير المصيبة وليس على كفّها، على تحطيم الخصم وليس على الارتقاء بالروح الوطنية العامة. والغاية الوحيدة من الخطاب السياسي القائم هو "إفحام" الخصم وتثبيته. وهو ما يعرف بلغة الفلسفة بالسفسطائية، اي ما يجده أي قارئ على محرّك البحث أن السفطائية هي ( الكلام الذي فيه تمويه للحقائق مع فساد في المنطق مع صرف الذهن أيضاً عن الحقائق والأحوال الصحيحة أو المقبولة في العقل وتضليل الخصم عن الوجهة الصحيحة في التفكير). ولمعرفة الأمر أكثر فان المجتمع الإغريقي اليوناني ومع نشوء الديموقراطية حارب العلماء والفلاسفة وقتل منهم عددا كبيرا وهاجر الاخرون. ولكن وبعد الزحف الفارسي على اليونان إنتبه الاغريق أن ما يحمي الأمم هو العلم، فعادوا بقوة وشهية لتعليم الناس، ولكن وبسبب نقص الأساتذة إندسّ الى المهنة أنصاف الاساتذة فدمروا مفهوم التعليم، وقد ( أهمل السفسطائيون الرياضيات والطبيعيات في التعليم إلا قليلاً، وطبعاً كانت ناتجة عن قلة معرفتهم بها ولقلة موافقتهم لغرضهم ثم ما لبثوا أن دخلوا على تعليم الفنون التي يجوز فيها الجدل ويقبل فيها الرأي الشخصي كالنحو والبلاغة والخطابة والتاريخ وكان هؤلاء يعلمون كل طالب معرفة ما يريده من الفنون ثم يزينون له تلك الفنون التي كان يميل إليها ويذمون أمامه الفنون التي لا يحبها أو التي لا يميل إليها ). المجتمع العربي يعيش الان هذه المرحلة. فقد هاجرت الأدمغة العربية الى الغرب تبحث عن سلامة ذاتها وعقلها، ولم يبق منها الا قليلا.. وسد الفراغ أنصاف أساتذة من المحابين للحكام ومن المرائين الذين يتصرفون على نحو يليق بالخدم أكثر مما يليق بالعلماء. فكل عالم فوقه بيروقراطي حكومي جاهل، وكل شيخ فوقه متطرف أرعن يلقّنه ما يقول في خطبة الجمعة حتى صار حالنا هذا. وحلّ الجدل بدلا عن الحكمة والعلوم، وتماما مثل القرن الخامس عشر صار الجدل هو أسلوب التعليم، فترى الناس يجادلون في الثوابت ويشكّكون في كل حقيقة. والجدل في هذه الأيام نابع من رغبة في التكسّب، حيث أن العلماء لا يكافئون، وانما المجادلون هم السادة الذين حصدوا الضمان الوظيفي والمال الوفير، أمّا العلماء فهم يسيرون في شوارع العرب وكأنهم يتسوّلون حاجاتهم. السفسطائيون يحترفون الكلام ولكنهم ليسوا علماء ولا فلاسفة، ومن أجل ضمان الوظيفة والموقع والمنصب لا يمانعون في نشر الجهل والارهاصات والتجارب غير المؤكدة، حتى صار حالنا هذا. الغريب انهم طلقاء بلغاء في الكلام، وفي كل مرة يصعدون فيها على المنصة أو على شاشة التلفاز تراهم يفحموننا، ويثبتّوننا .. يهاجمون وجهة النظر الأخرى ويقفون عند هذا الحد، ولا يطرحون حلولا لأية مشكلة ولكنهم يمنعون نجاح أي حل لاية مشكلة. لم نعد بحاجة لقائد نعبده ونعلّق صوره على الجدران بل بحاجة لمسؤول ينجح في عمله . لسنا بحاجة الى شيخ يظهر ضعفنا وعيوبنا وإنما الى شيخ يخاف الله في أولادنا ومستقبلهم، لا نحتاج الى شيوعي يفحمنا وييشرح لنا أهمية يوم الأرض بل الى شيوعي يحمل الفأس والمعول وينزل الى الارض ويحميها من الاستيطان، لسنا بحاجة الى قوميين يرفعون صور ياسر عرفات، بل بحاجة الى من يفعل مثلما فعل ياسر عرفات من أجل فلسطين. لسنا بحاجة الى يسار يحبطنا ويسوّد الدنيا في وجوهنا، بل الى يسار يقدّم لفلسطين ما قدّم جورج حبش وغسان كنفاني. |