وكـالـة مـعـا الاخـبـارية

مسموح ان نختلف... لكن جريمة ان ننفصل

نشر بتاريخ: 27/01/2019 ( آخر تحديث: 27/01/2019 الساعة: 10:46 )
مسموح ان نختلف... لكن جريمة ان ننفصل
الكاتب: د. هاني العقاد
تجاوز الانقسام الفلسطيني ادنى حدود المعقول ومحددات المنطق والعقلانية الوطنية وبات ضربا من الجنون الفلسطيني الفلسطيني الذي ذهب بالعقل الوطني الى حالة الذات الحزبية لتعلوا مصلحة الحزب وافراده على اي مصلحة عليا للشعب الفلسطيني، انها جريمة لا يمكن للاجيال ان تنساها وتغفرها لكل من ساهموا في الفرقة والخلاف والتمزق والتفرق ولا يمكن ان تقفز عنها كتب التاريخ وتتجاهل مرحلتها السوداء.. لا يمكن ان تتجاهل دفاتر التاريخ المأساة التي حلت بالشعب الفلسطيني نتيجة استمرار هذا الجنون الاعمى 12 عاما حتى الان ولا بصيص لشعاع حتى ولو خافت يلوح في الافق يوحي بقرب انتهاء هذا الانقسام بل العكس تماما. 
بعدما فشلت كل الوساطات العربية وذهبت الاتفاقيات الى ادراج الساسة وما باتت سوى حديث في لقاءات القاهرة التي لا نهاية لها، تلك الوساطات والرعايات العربية والتي كان اخرها المساعي المصرية الاخيرة والتي جاءت بعد قرار حل المجلس التشريعي من قبل المحكمة الدستورية الفلسطينية وبعد فشل احراز اي تقدم حول اي ورقة تقترحها مصر لاستكمال تطبيق اتفاق الاليات الذي تم توقيعه في القاهرة سبتمبر 2017 والذي توقف بعد الاعتداء على موكب السيد رئيس الوزراء ورئيس المخابرات الفلسطيني.
اذا كنا كفلسطينيين نختلف سياسيا ونتفق ان هذا الاختلاف يأتي من اجل تصحيح المسيرة وتعديل الطريق وتقوية مسيرة التحرر فاننا بهذا نكون ارقى الامم سياسيا ونكون بالفعل اصحاب مسيرة تحرر وتليق بنا كنية مناضلين من اجل فلسطين كل فلسطين ويليق بكل احرار العالم ان يرفعوا تعظيم سلام لنا في كل المحطات وامام كل الشعوب، لعل اي اختلاف سياسي يعني سلامة وعي النخب الفكرية والسياسية بالدولة ويعني سلامة التوجه والقدرة على حماية الذات والهوية النضالية من اي اختراقات قد لا تأتي في صالح مسيرة التحرر وتذويب الحماس الوطني وتوجيه الصراع للداخل الوطني كما يحدث الان بالضبط بين الفلسطينيين. 
ما دام اختلافنا السياسي استمر حتى الان لعقد واكثر من الزمان فان هذا الاحتلاف هو اختلاف مقصود ومخطط ولم يأتِ بسبب اشكاليات هنا او هناك او فقدان موقع هنا او هناك ولا بسبب اختلاف البرامج السياسية او الاختلاف على استراتيجية التحرر او الاختلاف على مسألة الشراكة الوطنية وادارة البلاد لان المفهوم الان اننا مازلنا تحت احتلال واي اختلاف على الارض يعني اختلاف على الحكم والسيادة كل هذا يعني استهداف المشروع الوطني واعاقة مسيرة التحرر واقامة الدولة الفلسطينة وعاصمتها القدس بل اعاقة اي دور لاي قوى وطنية تعمل على حماية الثوابت الفلسطينية من التآكل والاندثار بسبب هذا الاختلاف.
مسموح لنا كفلسطينيين ان نختلف ونوظف هذا الاختلاف في تقوية اواصر العمل الوطني ومسموح لنا فلسطينيا ان نجد من بيننا من يخلتف عنا بالرأي ان لم نجد والمطلوب تعزيز اي اختلاف وطني وفيّ، وليس محاربته او تحييده والاختلاف الاقوى يكون داخل البيت الفلسطيني وليس على الحدود ولا على الفضائيات ومواقع التواصل. 
ليس المطلوب وحدة الرأي لكل الفلسطينيين او وحدة الحالة الفكرية لكن المطلوب فلسفة وطنية واحدة واتفاق على منظومة اهداف استراتيجية واحدة تتحقق بوحدتنا واختلافنا. اما اذا تعدى الاختلاف البيت الفلسطيني وخرج اختلافنا خارج الخيمة واستعان اي طرف بالغير ومن هو ليس فلسطينيا فان الاختلاف بات اعمق واخطر لا اعتقد ان يبقى اختلافا في الرأي بل سوف يتحول تدريجيا الى حالة انفصال سياسي كالتي نخشاها اليوم ونقول عنها انها حالة ممنوعة الحدوث في الحالة الفلسطينية وحدوثها يعني جريمة لان الانفصال الوطني والسياسي والجغرافي في ظل مرحلة التحرر يعتبر اكبر الجرائم التي نرتكبها بحق مسيرتنا النضالية ولعلها اكبر الهدايا والمنح المجانية للمحتل الصهيوني الذي كان يراهن ان الفلسطينيين لن يبقوا على قلب رجل واحد اذا ما منحوا الحكم وهذا بالفعل ما حدث حتى الان.
التراجع ليس عيبا ولا جريمة ولا انهزامية فهو اقصر الطرق للنجاة لان الخطر المحدق بحالة الذهاب الى الانفصال السياسي هي بحد ذاتها الجريمة التي تعني تحقيق اهداف العدو وتسهيل مهمة النيل من ثوابتنا وتدمير مسيرة التحرر الفلسطينية، التراجع يعني اننا على درجة عالية من الوعي الوطني وخاصة ان كل الملامح اليوم توحي ان اي انفصال سياسي يعني ان الفلسطينيين سيخسرون القدس وحق العودة وتشطب قضية اللاجئين ويخسرون الدولة المستقلة والارض والانسان ويخسرون السيادة فلا سيادة لاي جزء ينفصل عن الارض الفلسطينية سياسيا او جغرافيا بالمطلق حتى لو قدمت مئات وثائق الضمانات التي تغري طرف ما بالذهاب الى تلك الجريمة...
نعم نقترب من خط الخطر ونقترب من خط النهاية الذي ليس بعده نهاية محمودة بل نهاية حلم وطني حلم الثوار والاف الشهداء واكثر من مليون اسير واسيرة بسبب السماح بحدوث هذا الانفصال السياسي والهرولة لدويلة صغيرة بلا سيادة وبلا عمق تاريخي حتى لو دفع الاقليم مليارات الدولارات كثمن لهذا الانفصال وتبنى بالمال كل متطلبات هذه الدويلة ليس حبا فينا وليس حماية لمشروعنا ومقاومتنا بل جزء من سياسة توجهها الولايات المتحدة واسرائيل لتحقيق المشروع الصهيوني الكبير بتصفية القضية الفلسطينية بأيدٍ فلسطينية ليقول العالم ان الصراع انتهى وحصل الفلسطينيون على حقوقهم واقاموا دولتهم... لكن التاريخ لن يستحي من احد وسيسجل ان كل من دفع باتجاه هذا السيناريو وساهم في حدوثه ولو بالكلام فانه ارتكب جريمة بحق كل الفلسطينيين الذين ماتوا والذين يعشون اليوم على اي بقعة من بقاع العالم والذين سيولدون ويتوالدون ويتوارثون الى ان يمحوا هذا العار ويدفعوا ثمنه من ارواح ودم ابنائهم والاجيال القادمة.